القيد الإطنابي في القرآن

د.محروس بريك |مصر

[أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ]
هذا مثَلٌ آخر لحال المنافقين، معطوف على سابقه (مثلُهم كمَثَل الذي استوقد نارًا …)، وتقدير الكلام (أو كمَثَلِ أصحابِ صيِّبٍ)، وقد ورد المثل الثاني على جهة ما أسميته – في كتابي (نظم القرآن) – بالقيد الإطنابي؛ إذ لا يكون الصيّب (أي المطر الشديد الانصباب) إلا (من السماء)، وفي هذا القيد الإطنابي دلالة خفيّة؛ بيانُ ذلك أن النحاة يرون تعلق الجار والمجرور بمحذوف وجوبًا في مواضع أربعة منها وقوعه نعتًا كما في هذا الموطن، ويرون تقديره بكون عام أي (صيب يكون من السماء)، لكن الرضيّ – رضي الله عنه – يرى جواز تقدير المحذوف بفعل خاص إذا قام عليه الدليل؛ وأخذًا بهذا الرأي يمكننا تقدير المحذوف بفعل خاص تقديره (يصوبُ) أي ينهمر وينصبّ انصبابًا، وتقدير الكلام: (أو كمثل أصحاب صيبٍ يصوب من السماء)، وفي ذلك تكرار لمادة الصَّوب تأكيدًا وتصويرًا لحدث الانصباب ودوام انهماره في حركة دائبة لا تكاد تنقطع، ويؤيده كون هذا الصيب فيه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ يكاد يخطف الأبصار، فعظُم من هذا المشهد خطبهم وطالت حَيرتهم، فباتوا يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت. وما كلَّ ذلك إلا مثَل ظاهر وتصوير محسوس لضلال أولئك المنافقين واضطراب نفوسهم وتنكّبهم عن طريق الحق بعدما لاح لهم كما يلوح البرق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى