موكب الحياة
هلال السيابي | شاعر عماني ودبلوماسي سابق
أرقت والليل سار، والهوى سال
بما أجمجم من هم وآمال
|||
أرى الحياة بعين الغِرٌِ منتشيا
ولا أراها بطرف الزاهد القالي
|||
مهوما، وضياء الآي تبرق لي
أن المنى ليس فيما أنت من حال
|||
أضنيت نفسك فيما لا خلاق له
وبتٌَ تسري بداجٍ منه مختال
|||
تشاهد الآي بعد الآي ساطعة
وأنت منها بإهمال وإغفال
|||
فمن تراك، ومن أنت الذي شمخت
به الخطى بين أبكار و آصال
|||
نسيت ما أنت مطلوب لجوهره
وما نسيتَ لتخريفِ و أسمال
|||
وفي الحياة وفي أحوالها عبر
للمهتدين، ولكن أي أحوال!
|||
يا أيها المتعالي في شكيمته
ومشتر الوهم من فخر وإدلال
|||
نسيت أنك من ماء ومن علق
وسرت ما بين إعظام وإجلال
|||
وأنت تشهدُ ما بالدٌهرِ من عِبَرِ
ومن تقلٌب أحوال و أهوال
|||
وكان ذلك إسرافاً ومحضَ هوىً
والمسرفونَ -وإن طالوا- بأوحال
|||
حسبتَ أنك والأيامُ مقبلة
ستسمر مدى الدنيا بإقبال
|||
وأنك الدهرَ لا حد ولا فند
وأنك العمرَ تاج المنصب العالي
|||
وأنٌك الجوهرُ المكنونُ جادَ بهِ
سرٌُ الزمان، وذا إسرافك الغالي
|||
فمن تكون لعمر الله أنت وما
هذا الغرور بأعمام وأخوال
|||
تقول للنفس إني تبع، وأبي
كسرى، وقيصر من أهلي ومن آلي
|||
لا بل ترقيت حتى بت تعلنها
أني “أنا ربكم” فلتعرفوا حالي
|||
آذيت نفسك بالدعوى العريضة يا
إبن التراب، ويا ابن القيل والقال
|||
ومارأيت من الدنيا سوى صور
شوهاء،أو سرر ليست بذي بال
|||
ولو عقلت رأيت الأمر مختلفا
عما رأيت وما شاهدت من حال!
|||
ياليت شعري لو تدري النفوس بما
تحت المشاهد من هم وأهوال
|||
وما وراء المعاني في حقائقها
وما وراء مرائي المشهد العالي
|||
إذا لناح كمثل الورق من ضحكت
له الحياة بتمويه وآمال
|||
فما الذي يدعيه المرء من شرف
وماله منه حتى وزن مثقال
|||
وكيف يخطر اسم المجد منه على
بال، وماهو إلا محض مختال
|||
لله منه ومن دعوى تميزه
على الأنام، وما أدراك من قال!
|||
لو كان يعلم ما في الأمر من جلل
ما بات من ربه إلا بإجلال
|||
ولو درى كنه ما في الادعاء لما
غدا وراح سوى كالحنظل البالي
|||
لا تحسب الادعا سهلا ولو ركضت
بك الجياد، وبت الحاكم الوالي
|||
فكل ذلك ظل عنك مرتحل
وعن قريب تغاديه بترحال!
|||
هي الحياة كما شاهدت دورتها
تسير ما بين آتٍ ثمٌ أو خال
|||
إذا أنالتك طرفا من غوايتها
رمتك منها بطرف قاتل قال
|||
وإن سقتك بأري من عسيلتها
سقتك من كأسها يوما بعسٌال
|||
فمالنا وادعاءات ملفقة
ليست بسدر -إذا عُدٌَت- ولا ضال
|||
قل لي وحق الذي سواك من عدم
ماذا تفيد دعاوى الجاه والمال
|||
ياويح نفسي والأيام ما فتئت
تجري بنا بين أحمال وأثقال
|||
حتى متى نحن منها في مداورة
كراً بفرٍ، وأدبارا بإقبال
|||
أليس ذلك محض السوء، أو عَتَهُُ
من شاهدٍ مبصر، أو قارئٍ تال
|||
هذي منازلُه في الأرض عالية
فهل درى بعد وضع المنزل التالي!
|||
فيالها قصة عيٌَ الأنام بها
مدى الحياة بإنكار وتسآل
|||
قد أنزلوها على أحكام رؤيتهم
وما دروا أنهم منها بأغلال
|||
لو أنهم حكٌموا القرانَ لانتبهوا
إلى القواطعِ من وعظٍ وأمثال
|||
ونازلوا الملأ الأعلى، وما نزلوا
عن الجلال، وذاك الموكب العالي
|||
سبحان ربي لولا فيض رحمته
لزلزلت هذه الدنيا بزلزال!
|||
فليرحم الله نفسا أبصرت فعلت
بأكمل الخلق في هالات إكمال
١ من صفر ١٤٤٤ هجرية – ٢٩ من أغسطس ٢٠٢٢م