من نوادر الشعراء (3)

خالد رمضان | تربوي مصري | سلطنة عُمان

ذلك الشاعر البصري العراقي بشّار بن برد، من أشهر شعراء بني العباس، وهو شاعر مطبوعٌ أكمهُ، ولكنه فاق المبصرين وصفًا وتوصيفًا، سريعُ الغضبِ، متقلّبُ المزاج، ولذلك كثر شعره في الهجاء، فكان الجميع يتحاشاه، فقد كان هجاؤه مقذعا .
وإذا رُزقَ الإنسانُ منا صفاتٍ سيئةً، فإن الله تعالى يمُنُّ عليه بأخرى حسنةٍ، فمع فَقْد بصره، وبذاءة لسانه لم يخلُ من موهبة فذة خلدت ذكره حتى الٱن، وإلى أن يشاء الله تعالى، ولا نزال نذكره، ونذكرها، تلك الأبيات الجميلة والتي منها:
يا قومِ أذني لبعض الحي عاشقةٌ
والأذنُ تعشق قبل العين أحيانا
ومنها:
لقد أسمعتَ إن ناديتَ حيّا
ولكن لا حياةَ لمن تنادي
وقد وصف بشار الحرب وصفًا مرئيّا، حتى أن النقاد قالوا: أجمل ما قيلَ في وصف الحرب قول بشار بن برد:
كأن مثارَ النقع فوق رؤوسنا
وأسيافَنا ليلٌ تهاوى كواكبُه
حيث صور بشار شدةَ المعركة، وتطايرَ العجاج في ميدان المعركة حتى لا يبدو فارسٌ، ولا فرسٌ إلا السيوفَ اللامعةَ فوق الرؤوس وسط هذا العجاج كأنها نجومٌ تتهاوى وسط الظلام الدامس، وأعجب ما هنالك أن هذا الوصف صدر عن شاعر كفيف.
وأختم بإحدى نوادر هذا الشاعرحيث يُروى أنه كان له حمارٌ مات، فادعى يوما أن ذلك الحمار زاره في المنام، فسأله: أيها الحمارُ، لمَ مِتَ وقد أكثرتُ علفك، وبرّدتُ ماءَك، وأحسنتُ نزلك؟
فقال الحمار: أتذكر يوم مررتَ بي على ديار الأصبهاني؟ فقلت: نعم
قال لي: كانت هناك أتانٌ فاقت كل أتانٍ حسنا وجمالا، فحينما رأيتها عشقتها حتى مت حبا وتتيما بها، ثم أنشد يقول:
سيدي مل بعناني
نحو باب الأصبهاني
إن بالباب أتانا
فاقت كل أتانِ
تيمتني يوم رِحنا
بثناياها الحسانِ
وبميل ودلال
سل جسمي وبراني
ولها خدٌ أثيل
مثل خد الشيفران
فبها مت ولو
عشت إذا طال هواني
فسأله أحد الحاضرين، يا أبا معاذ بربك ما الشيفران؟!
فأجاب إجابة ساخرة، إن هذا من غريب الحمار، فإذا رأيته مرة ثانية سألته.
وهكذا تتجلى عبقرية الشعراء في بديع أشعارهم التي تدل دلالة قاطعة على أن كلام الله معجرٌ، وما هو بشعر، بل قد وقف هؤلاء الشعراء بعقولهم الفذة، وموهبتهم الرصينة أمام كلام الله إجلالا وتعظيما.
وللحديث بقية، إن كان في العمر بقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى