مقال

من “روسو” إلى “فوكوياما” هل مازلنا في حاجة إلى الدولة؟

حياة الرايس| كاتبة وأديبة تونسية مقيمة في سويسرا

عندما نادى ابن خلدون بنظرية ” تملّك المعرفة ” فإنه كان يعني اكتسابها وتطويرها والإبداع فيها.. والآن وقد انتشرت المعرفة انتشارا كونيّا بفضل التكنولوجيات الحديثة ووسائل الإتصال والثورة المعلوماتية في ظل مجتمع المعرفة ومجتمع العولمة. والعولمة نفسها ليست ظاهرة حديثة بل هي حركة وسيرورة دائمة في تاريخ الشعوب. ابتداء من كريستوف كولومب وفاسكو دي غاما وحسان الوزان (الأسد الإفريقي) الذي خطّط العالم العربي والسواحل في القرن السادس عشر.
هؤلاء المكتشفون الأوائل هم الذين ربطوا أجزاء الكرة الأرضية بعضها ببعض مثل طريق الحرير التي أتاحت لمئات السنين التبادل التجاري والثقافي والحضاري. فقد كانوا يتبادلون المواد والأفكر والعادات …
وكذلك الإمبراطوريات الكبرى التي مدّت نفوذها على مساحات شاسعة لتنشر الأمن والسلام والإزدهار والرخاء. أمثال قرطاج وروما والفتوحات الإسلامية وغيرها …
كل ذلك مهّد لما نسميه اليوم “العولمة” عولمة الإقتصاد، السياحة، البيئة، الثقافة … وهي رغم ما تنطوي عليه من سلبيات إلاّ أنّها عولمة حقيقية بحيث أن ما يحدث اليوم في أي زقاق من أي قرية نائية ومهما كانت قصية فإن العالم أجمع يستطيع أن يشاهده في نفس الوقت عبر شاشات الفضائيات.إنّها تفسح المجال وتفتح سبل المعرفة أمام جميع أفراد العالم.
ففي ميدان الإتصال مثلا فقد فتحت الثورة التكنولوجية الباب أمام تطور اقتصاد المعرفة كسمة أساسية للعولمة التي مهدت لها سياسات الإنفتاح الإقتصادي في مختلف المجالات كالتجارة والنقل والمعاملات البنكية وغيرها. ومن الناحية الإقتصادية فقد اتسمت العولمة بحرّية وسرعة تنقل الإستثمارات والخبرات وما أحدثته من رفع في الإنتاجية وقدرة على تملّك التقنيات الجديدة. هذه الحرية التي تجعل الدولة في عديد الأحيان غير قادرة على التحكم في كل المؤشرات الخاصّة بالإستثمار الأجنبي، لخضوعه لمنافسة دولية ومقاييس تفاضليّة كثيرا ما تخرج عن سلطة الدولة الوطنية بأدوارها التقليدية. الأمر الذي طرح عدّة إشكاليّات تتعلّق بمصير الدولة الوطنية في ظل العولمة وتوسع السوق العالمية وكسر الحواجز والحدود الوطنية وتفاقم ظاهرة الهجرة وتطور الإنتاج وتطور الإنتاج متعدد المصادر.
ضمن هذا الاطار هناك سؤال يطرح نفسه :
أي دور للدولة في القرن الواحد والعشرين؟
وإذا كان بعض المفكرين يعد من أنصار الدولة منذ القدم مثل “جون جاك روسو” و”منتسكيو” و”ابن خلدون” فإنّ صنفا آخر منهم يعدّ من المناهضين لها مثل “برودون” و”ألان”
وقد تعالت في السنوات الأخيرة في بعض الأوساط ولدى بعض الساسة والمفكرين إلى الحدّ من دور الدولة، واستبداله بأقل ما يمكن من تدخل الدولة. وهي صيغة جديدة لأفكار توماس هوبس حول “الدولة الدنيا”. وقد ذهب فوكوياما إلى التبشير بعهد الهياكل البنوية في سعي إلى تغييب الدولة.
فهل صحيح أن دور الدولة انتهى لتحلّ محلّها هياكل المجتمع المدني ؟
أعتقد أننا ما زلنا في حاجة إلى الدولة. خاصة على المستوى الإحتماعي والبيئي والثقافي، فإن الدولة هي المؤهلة لضمان مصالح الفئات الضعيفة ومقاومة الفقر والإقصاء والتهميش، بما يرعى مستلزمات الأمن الإجتماعي ويرجح الجانب الإنساني على قوانين السوق. وتوزيع الثروة الوطنية بصفة عادلة. وحماية الموارد الوطنية والعالمية والحفاظ على الهوية والخصوصيات الثقافية وتجذير قيم الإنتماء.
فهل هذه هي حال دولنا الان ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى