أدب

حذاء فيلليني.. عوالم وحيد الطويلة المختلفة

بقلم: أحمد السملاوي

الأحذية تضيق كل يوم في العالم العربي.. ربما لأنها تصنع على مقاسات المتمردين فقط.
ليس المهم ماذا تكتب ولكن المهم كيف تكتب، أعتقد أن حذاء فلليني هي المثال الأنسب لتلك المقولة، في نص قاسي لا أحب أن اختصره تحت نوع أدب السجون لأنه أشمل وأعم..كتب الطويلة هذا النص ببراعة تامة .


في كل الروايات التي تمزج السياسة وما يدور في سجون الوطن العربي تحت يد أنظمة ديكتاتوريةستجد أن التفاصيل واحدة مهما اختلفت الصيغ والحكايا، الكتابة الحقيقية دوماً تبحث عن وجه آخر للحكاية.. تأويل جديد للحكايا القديمة لتعيد خلقها بعد الموت، هذا ما فعله الكاتب في عالم انهكته الأقلام كتابة.


أنت هنا أمام رواية لا يشغلها إلا الإنسان.. الإنسان في أدب وحيد الطويلة هو دوماً مصدر التساؤل هو لغز العالم وحله، فالبشر عند وحيد الطويلة هم مجموعة من الحكايات.. حكايات يفتش عنها طوال الوقت ليغزل منها حكايته الكبري ، في حذاء فلليني نحن أمام نص مربك، الضحية ليست وحدها من تتحدث وتصرخ، هناك صراخات أخري..صرخات السجان، يضعه الطويلة علي مسرح الأحداث ليتكلم، يسخر أحياناً، يمزح احيانا، يمارس قمعه احيانا أخري، لتسأل نفسك في النهاية من السجان ومن المسجون؟! إلا يمكن أن نكون جميعاً في سجن كبير..القضبان ليست دليلا علي السجن، الزنزانة أيضاً ليست دليلاً علي السجن، الحياة نفسها هي أكبر سجن، العشق دون أمل سجن، والخوف سجن. بلغة قاسية قد تبدو غريبة لمن اعتاد لغة وحيد الطويلة الشاعرية..صنع نسيج هذه الحكاية.. اللغة مناسبة لأيقاع العالم القاسي تمكنك من سماع صراخ المظلومين بنفسك، جريئة وصادمة خاصة في وصف المرأة,


قد تندهش مثلي حينما تعرف أن رواية مثل تلك تعذب النفس من قساوة ما يجري لأبطالها كتبت علي مقهي!
أكاد أجزم بأنه ليخرج نص مثل هذا غارق في التفاصيل وفي الشجن وفي الإحساس الكامل بالتجربة يجب أن يعيش كاتبها في غياهب السجن أعواماً حتي يكتب مثل هذا النص.
الألاعيب السردية التي يمارسها الكاتب بخفة ،رواة متعددون يتداخلون في النص بإيقاع متناغم لا يفقدك الاندماج، اللغة التي تعلو وتنخفض مع شخصيات العمل لتبدو قريبة منهم ، الصدفة التي تجعل الضابط الماكر يقع تحت يد الطبيب الذي عذبه يوماً بوحشية، لعبة تبديل الأدوار .
دون أقنعة وكجراح ماهر يفتح الكاتب بطون شخصياته لتتكلم وتتحرر من المنطق..لا منطق هنا صارخ وإطارات ثابتة ، بلا فلسفة جوفاء يعبر كل منهم عن هواجسه شهواته بكل ما تحمله النفس البشرية من طهر وقبح.
قطعة فنية جديدة استمتعت بها بعد باب الليل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى