قراءة في كتاب: تصفيد الشياطين للدكتور أحمد التجاني ثاني سعد الأزهري

د. عمرو كناوي | المغرب

أشير، في البداية، إلى أن قراءتي هذه، سوف تتخذ طابعا نقديا، تروم بالأساس تقييم العمل المنجز، لا تقويمه، لأن للتقويم أهله وأصفياؤه.
يعد د. أحمد التجاني ثاني سعد الأزهري، مؤلف الكتيب، من مؤسسي الطريقة التيجانية، بدولة النيجر. خريج جامعة القاهرة. له في علوم الدين وعلوم اللغة والآداب محاضرات متعددة. من كتبه: “الاحتساب” و”أوجز المقال”، وكتيب “تصفيد الشياطين في رمضان” هذا، الصادر عن مطبعة القاهرة سنة 2019. وقد أحببت تصغيره، لا تبخيسا من قيمته، وإنما تمليحا لشكله، ولما يحتويه من نفع كثير،وما لصاحبه من قول حسن وقدر مقام. تمتد صفحاته بين المقدمة والخاتمة لتغطي 58 صفحة.
أول ما يواجهنا في هذا الكتيب القيم، تركيبة عنوانه “تصفيد الشياطين في رمضان”، التي جاءت عبارة عن تركيبة إضافية، متضمنة لخبر محذوف، يفي بأهميته وجدواه. كما تؤشر على ذلك مركباتها المتعالقة بشهر رمضان، زمن الصيام والقيام، والتصدي لما يتربص الإنسان من إغواءات الشياطين. ومن شأن تركيبة العنوان هذه، أن تثير في القارئ مجموعة أسئلة تتغيى الكشف عن سر مقصدية الكاتب وأسباب نزول الكتاب.
وتعود أهمية الكتاب لأسباب عديدة:
أولا: طبيعة الموضوع المتناول
ثانيا: إشباعه لنهم القراء المتعطشين لأنوار القرآن، وكنوز السنة النبوية الشريفة، اللذين من شأنهما أن يكشفا الغمة عن الأمة.
ثالثا: تأتي أهميته أيضا، من كون الكتيب يستجيب لأسئلة جمهور عريض من القراء، المستفهمين عن موضوع تصفيد الشياطين في رمضان، وتذليله لصعوبة إحدى إشكاليات المعرفة الدينية. وأخيرا: لما يتضمنه من تفاصيل معرفية مستفيضة، يشهد عليها ثراء لائحة المصادر والمراجع المعتمدة، من قرآن كريم، وكتب التفسير، وجوامع اللغة، والسنن والشمائل كصحيح مسلم والترمذي وغيرهما من أمهات الكتب الإسلامية التي بلغ تعدادها واحدا وثلاثين بين مصدر ومرجع.
    أما عن المقاربة المنهجية، فقد بنيت مقوماتها على مقدمة وثلاثة محاور أساسية:
1 – المقدمة: أكد فيها الكاتب على أهمية شهر رمضان وأفضاله، مدعما رأيه بنصوص من القرآن والسنة، ذاكرا سببين من أسباب افتقار الإنسان إلى التقوى وهما: النفس الأمارة بالسوء، و تمكن الشيطان من إغواء الناس، ناصحا إياهم بما قاله الإمام البوصيري:
خالف النفس والشيطان واعصهما
وإن هما محضاك النصح فاتهم
ولا تطع منهما خصما ولا حكما
فأنت تعرف كيد الخصم والحكم1
هذه النصيحة التي تتزامن وشهر رمضان، شهر الصيام والقيام، تلح على التصدي لوسوسة الشيطان ومراجعة النفس ومحاسبتها.
2- أما بالنسبة للمحاور، فقد وقف الكاتب على ثلاثة أساسية: أ- محور مفهوم الشياطين عند علماء الإسلام وأثر إغواءاتهم للناس، مستندين إلى ما قدمه العرب من حجج ودلائل، أثناء عرضهم الفرق بين الجن والملائكة، وبين الجن المذكر والؤنث.
ب – محور تأثير الشياطين على الناس. مع التأكيد على الإيمان بوجود الجن والتحذير من وسوسته.
ج- وأخيرا محور تحديد معنى تصفيد الشياطين في رمضان، الذي ارتآه الكاتب أن يكون عنوانا للكتيب. ويشكل هذا المحور بالذات، أهم مداراته.
وأمام اختلاف آراء علماء الإسلام حول تحديد مفهوم الشيطان والجن، وتضارب آرائهم في ذلك، يخلص الكاتب إلى تعريف الجن :” بأنهم أجسام لطيفة، هوائية، خلقت من النار لهم قدرة(فائقة) على التشكل بأشكال مختلفة، منهم الصالحون ومنهم دون ذلك2
فماذا عن التصفيد، في علاقته بالشياطين، وما علاعة كل من التصفيد والشياطين بشهر رمضان؟
إن كلمة تصفيد: من صفد يصفد تصفيدا أوثق وقيد، ومنه صفد المجرم أو السجين إذا قيده بوثاق أو كبله بسلاسل، فيصبح حينها مصفدا. ومنه الأصفاد والأغلال التي تطال مردة الشياطين في شهر رمضان. يقول تعالى في سورةص: (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد).3 ويقول جل جلاله في سورة البقرة: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين).4ويقول (ص) في تصفيد الشياطين عند حلول شهر رمضان: “إذا كانت أول ليلة من شهر رمضان، صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منه باب، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة.5
أما مصطلح الشياطين. فهي ج شيطان، وهو كائن خارق للعادة، يجسد الشر، في كثير من الثقافات والأديان، بأفعاله وأقواله وأفكاره. يقيم وجنوده حربا ضروسا ضد قوى الخير ليل نهار. ومن سوء حظ ابن آدم أن للشيطان جنودا يبلغ تعداد ألفاظها إلى جانب ألفاظ إبليس إحدى وتسعين لفظا. ومن سوء حظ الإنسان أيضا أن الشيطان يجري منه مجرى الدم في العروق كما يقول ابن الأثير.
وصفة الشيطان يمكن أن تتسع دائرتها لتشمل أي مفسد، عات، متمرد من الجن والإنس. ويجمع أهل العلم أن الشيطان في الإسلام هو الجن الذي يغوي الناس لارتكاب الذنوب والمعاصي حتى في شهر رمضان، كرد فعل من كائن رجيم منتقم، حسود نكود. ومن حسن الطالع أن وجد من الشياطين مسلمون أخيار، يواكبون خطوات الإنسان، فيقتحمون عليه مجالس الذكر، وينهلون من خيراتها وبركتها ، كما تشهد على ذلك كثير من سور القرآن الكريم، كسورة الجن وسورة الذاريات وسورة طه وغيرها من آي الذكر الحكيم. يقول تعالى في سورة الجن :” قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به. ولن نشرك بربنا أحدا”.6
وتذكرنا وسوسة الشيطان بقصة آدم عليه السلام، حيث أغواه إبليس بالوقوع في المحظور، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: (قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى.فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى).7
إن رحلة الشيطان مع الإنسان في رمضان، وتربصه به في كل حين وآن، قد يؤمل أن تنتهي الرحلة بخيبة مدوية، توتي التصفيد أكله، وينجو الإنسان من وسوسة الشيطان وإيذائه.
ونحن، إذ نقر، في أواسط شهر رمضان الأبرك، بأننا أمام صراع مرير بين الخير والشر، بين دعوة الله ودعوة الشيطان.نتمنى مخلصين أن يحصننا المولى من وسوسة الشيطان، وأن يتزامن صومنا وتصفيد الشياطين من إنس وجان.

الإحالات والمصادر:
1- بردة البوصيري. ص: 192
2- تصفيد الشياطين في رمضان. مفهومه، ومدى قدرته في النيل من الإنسان. الصادر عن مطبعة القاهرة. 2019.ص: 31
3- سورة ص: 38/ 37/ 36
4 – سورة البقرة. آية: 20
5 – صحيح مسلم. كتاب الصيام. باب فضل شهر رمضان.
6 – سورة الجن. آية: 2/1
7- سورة طه. آية : 121/ 120
….
قدمنا هذه المقاربة بمناسبة مشاركتنا في الندوة الدولية التي نظمها المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية والفلسفية.باريس. وذلك يوم 2022/4/16.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى