رسالة لوالدتي الغالية في ذكرى وفاتها السّادسة!!

ابنك البار: د. محمد بن قاسم ناصر بوحجام | الجزائر

أمّاه العزيزة!! سلامٌ قولاً من رَبٍّ رحيم، تمرّ اليوم الذّكرى السّادسة لرحيلك عنّا، وانتقالك إلى دار الخلد – بإذن الله – رحمك الله وغفر لك، واسكنك فسيح جنّاته، نسأل الله أن تكوني ممّن  ورد ذكرهم في الذّكر الحكيم: (وَأُدْخلَ الذين آمَنُوا  وعملوا الصّالحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي من تَحْتْها الأَنْهارُ خالدينَ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحيَّتُهُمْ فيها سلامٌ ) (إبراهيم/ 25)

أمّاه الغالية!! لقد تعبتِ في تربيتنا كثيرًا، وسهرتِ على راحتنا وتوفير الحياة الكريمة لنا أكثر، كنت تراقبين سلوكنا بدقّة، وتحرصين على أن لاَ نرتكب ما يغضب الله؛ بتصرّفات غير مقبولة، وسلوك غير محمود. منحك الله  قلبًا رحيما شفوقًا، مرهفًا حسّاسًا لا يقبل أن يشعر أو يرى  أحدًا منّا مسّه سوءٌ، أو ناله أذًى، لا ترتاحين إذا بلغك أنّ أحذًا منّا محتاج لشيء، مهما يكن صغيرًا أو بسيطًا.. إذا سافر أحدنا لا تتوقّفين عن السّؤال عنه وعن حاله في الطّريق ساعة بساعة، ولا تهنئين ولا يهدأ شعورك حتّى تطمأنّي بأنّه وصل إلى المكان المقصود بصوته هو وليس بإخبار عن ذلك..إنّه قلب الأمّ الرّؤوم..

 ما هو هذا القلب الحسّاس؟ كيف هي رهافته؟؟ ما هو هذا الحبّ الذي تكنّينه لفلذات كبدك؟ هل نحن أهل لكلّ هذا العطف وهذه الرّعاية والمرافقة؟ هل قدّمنا لك ما يكافئ هذا الجهد وهذه المشقّة النّفسيّة والجسميّة؟ لا أظنّ ذلك.. أنا متأكّد أنّنا جميعنا كنّا مقصّرين في حقّك، وما نزال على هذا التّقصير، إلاّ أن تصفحي وتتجاوزي عن أخطائنا، وإلاّ أن يغفر الله لنا حطيئاتنا، فأنت المتسامحة والمشفقة أن يحاسبنا الله على نقص في علاقتنا بك طاعة وبرًّا وإحسانًا، أنت التي ترحميننا في الدّنيا، وتتجاوزين عن أخطائنا، فكيف لا تصفحين عنّا في الأخرى التي يكون الجزاء فيها أبديًّا؛ خيرًا أو شرًّا. والله عزّ وجلّ رحيم بعباده رؤوف بهم، نسأله أن يغفر لنا زلاّتنا وأخطاءَنا في حقّك.

صبرت معنا وأرهقت نفسك في رعايتنا.. نرجو أن تكوني ممّن يشملهم قول ربّ العزّة والجلالة: (…إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب ) (الزّمر/ 10).. وممّن يقال لهم يوم القيامة: (سَلامٌ عليْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُمْ  فَنِعْمَ عقبَى الدّار )(الرّعد/ 24)

أمّاه العزيزة!! نشهد على إخلاصك نحو والدنا المرحوم، خدمته خدمة كبيرة، صبرت على ذلك صبرًا جميلا، وحملت في سبيل ذلك حملاً ثقيلاً،  في الظّروف العاديّة، وفي عسره وشدّة الحياة عليه وفي حال مرضه،  كنت بجانبه تساعدينه في أداء مهمّته التّجاريّة وأعماله الاجتماعيّة ونضاله الوطني. وقفت معه في محنته التّجاريّة وكنتُما معًا معدن الصّبر والمصابرة، ومضرب المثل في قوّة التّحمّل والتّجلّد.. وكلاكما عُرِفَ عنه الإحسان للنّاس وتقديم المساعدات من دون توقّف ومن دون تأخّر لإجابة داعي الخير والبرّ. (…وقل رَبّ ارْحَـمْهُمَا كمَ ربّياني صغيرًا ) (الإسراء/24)

أمّاه الغالية!! لا أنسى أبدًا وقوفك بجانبي في كلّ مراحل دراستي، من المرحلة الابتدائيّة إلى مرحلة الدّراسات العليا.. تحريضًا لي على الاهتمام بالتّعلّم، ومراقبة لـمسيرتي فيه، وتهيئة الجوّ النّفسي، والظّروف الماديّة، وفي مقدّمتها حسن التّغذية التي تجاوزتِ فيها معي كل الحدود؛ لتوفير ما يعينني على اكتساب القوّة الجسميّة لحسن تعلّمي.. قمّةُ هذا الاهتمام والعناية والرّعاية وتوفير الجوّ المناسب للتّعلّم كانت سنة 1966م، السّنّة التي وفّقني الله فيها أن أستظهر القرآن الكريم، كان ذلك في الصّيف، وفي بلدتي القرارة الصّحراويّة.. وقفت بجانبي تشجّعينني وتوفّرين لي كلّ ما تستطيعين ، مع إظهار الشّفقة عليّ، وأنا أجتهد في الحفظ في شهر أغسطس، مع انعدام وسائل التّخفيف من الحرارة الشّديدة.. فكان لوقوفك معي والاعتناء بي ماديًّا ومعنويًّا أن وفّقني الله لاستظهاره يوم 21 من أغسطس 1966م.  رحمك الله وتقبّل منك جهادك وعنائك من أجلي.    

والدتي العزيزة!! كم كنت تتحفيننا بالحكم والأمثال والقصص والحكايات. التي تحمل طابع التّربيّة، والتي كانت تصدر من تجارب وخبرات وحنكة في الحياة، وتلك التي تنبع من  تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا.. لا نزال نردّدها ونستفيد منها، ونتلوها ونرويها – نقلا عنك –  لأبنائنا وأحفادنا.. لا نفتا نَذْكُرك بها في مجالسنا ولقاءاتنا، ولا نزال نستنير بها في حياتنا.. رحمك الله وأسكنك فسيج جنّاته..ووفّقنا للاقتداء بك وبسيرتك الحافلة بالفضائل والمكارم والمحامد، وأعاننا على البرّ بك والإحسان لك بعد رحيلك عنّا..

                                            الجزائر  يوم الإثنين:  04  من  رمضان  1441ه

                                                                  27  من   أفريل    2020م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى