الشهيد الطفل ريان سليمان والإرهاب المكتوم
عيسى قراقع | فلسطين
صرح الناطق العسكري الإسرائيلي يوم 29/9/2022 أنه خلال عملية مطاردة ساخنة للمخربين والإرهابيين الذين خرجوا من صفوف مدرسة ابتدائية في بلدة تقوع شرقي بيت لحم، ورشقوا جنود جيش الدفاع بالحجارة والأقلام والمساطر، تم قتل المخرب الصغير الطفل ريان سليمان (7 سنوات) دون إطلاق نار أو سفك دماء، عملية متقنة ونظيفة، أطلق جنودنا على المخرب الصغير وابلاً من الرعب والفزع اخترقت صدره حتى توقف قلبه.
اقتحم الجنود بيت الطفل بعد ملاحقته، قوة مسلحة وصراخ وعواء، أغلقوا محيط البيت وشوارع القرية، وكانت التعليمات العسكرية أن اقتلوا أطفال فلسطين، أطلقوا النار على راشقي الحجارة دون تردد، أطلقوا الرصاص لمجرد الاشتباه، أطلقوا النار على أي شخص يتحرك شريطة أن يكون فلسطينياً، قتل الأطفال لا يتعارض مع الشريعة التوراتية، لا تعتقلوا، لا تجرحوا، اقتلوا، لن يحاسبكم أحداً، ستحصلون أيها الجنود الشجعان على أرفع الأوسمة.
القواعد العسكرية واضحة، مدونة سلوك جنود الاحتلال حددتها (توراة الملك) التي وضعها مجموعة من الحاخاميين المتطرفين، اقتلوا كل طفل فلسطيني، فكل طفل هو هتلر، كل طفل هو قنبلة، فجروه بأي طريقة، اقتلوا المستقبل، مقاعد المدارس يجب أن تبقى خاوية.
لا تخشوا أيها الجنود براءة الطفل، اطفئوا بسمته، اشطبوا اسمه عن الدفتر واللوح وكوشان الميلاد، هذا ليس طفلاً إنه مجرد هدف وشيء يجب أن يزول، هناك خطر دائم في هذه العلاقة الحميمة بين أطفال فلسطين والفراشات الملونة وضوء القمر.
ريان ريان ريان، لم يقبضوا عليه، استشهد في أحضان والده، رفض أن يساق مقيداً ومعصوب العينين، رفض أن يدعس على جسده الصغير ببساطير الجنود المدببة، رفض أن يشبح في أقبية التحقيق تحت التهديد والضرب والركل والرفس والترهيب، مات مطمئناً في البيت، فجر قلبه في وجوه الجنود وأغمض عينيه في سكينة حالمة.
ريان ريان ريان، طفل السابعة الملاك الذي كسر القيد وحلق في السماء، لم تعد النصوص الأرضية قادرة على حماية أطفال فلسطين من البطش الإسرائيلي، إعدامات، اعتقالات، صدمات متتالية، لا حماية للأطفال من الصاروخ أو القناص أو الطائرة، الحواجز والجدران والسجون والقنابل والأشلاء المتطايرة.
ريان ريان ريان، لماذا لا نكتب إلا عن الموت، كأن هذا الوطن الفلسطيني الجميل خلق وجبل من طينة الموت، ما أتعس المثقفون والأدباء والصحفيون ، كلما حاولوا أن يجنحوا في مخيلاتهم خارج الموت ويتماهوا مع الحياة الطبيعية، الجمال والحب والفلسفة، ويكونوا شركاء في النقد والإبداع، يبحرون في الفضاءات، لاحقهم الموت في كل مكان، فيعودوا إلى نص يبدأ من المقبرة وينتهي في المقبرة.
ريان ريان ريان، طفلنا الذي فقدناه، جسدنا، وطننا، حلمنا، فالاحتلال بفاشيته وعنصريته يملي علينا ماهيّة الكتابة، نحن أسرى ما تكتبه جنازير الدبابة وما تفعله شظايا القنبلة، الرصاصة القاتلة هي التي تكتب على جسد الوطن، الرصاصة تسبق الكتابة وتحفر في العقل حبراً ودماً وجروحاً وأسئلة.
ريان ريان ريان، الطفل لم يعد في الحارة، لاصوت له في الحوش أو في ساحة المدرسة، الطفل الذي كان يلعب لم يعد يلعب، الطفل الذي كان يحلم لم يعد يحلم، قتله الخوف، الوحش الإسرائيلي يقف على بوابة كل بيت، الوحش الإسرائيلي يصطاد الأطفال ويرسلهم إلى الموت أو إلى السجن.
إن 95% مما يصدر عن الصحف ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في فلسطين المحتلة مكتوباً ومرئياً ومسموعاً تطغى بمفردات الموت والقتل وبأشكال كثيرة، هناك موت يسيل من العقل والذهن وحركة الأصابع وحدقات العينين، لا تمحوه الاستعارة ولا المجاز ولا حتى الخيال في العبارة، الموت صار نظرية دائمة تنتج موتاً متجدداً يشبه الولادة.
قتل الطفل ريان في عملية يطلق عليها العنف المكتوم، الملاحقة والترويع والمداهمة وتطويق البيت والاعتداء على السكان بعد منتصف الليل، كلاب بوليسية متوحشة، لا رحمة لأحد، البنادق مصوبة إلى الوجوه وإلى النائمين والمحشورين في غرف منعزلة، لا خيار أمام ريان إما أن يقاتل بقلبه أو يساق إلى السجن، قلبه قرر أن لا يستسلم، تدفق القلب وضخ كل طفولته وكسر ما يسمى سياسة كسر الأمواج، الموت حرية أحياناً، والموت بقرار هو سباحة في الفضاء وطيران، وفي حضن الوالدين حباً وصلاة وعبادة.
منذ بداية هذا العام وحتى 10 تشرين الأول 2022، استشهد ما يقارب 170 فلسطينياً في الضفة المحتلة والقدس وقطاع غزة وأراضي 1948، عدد الشهداء هو الأعلى منذ 7 سنوات كما تقول مؤسسات حقوق الإنسان، وعدد حالات الاعتقال هو الأعلى أيضاً، مجازر صامتة تجري في كل مكان، انتفاضة من نوع آخر، انتفاضة موت وشجاعة وعصيان، تضحيات تعجز الأرض والسماوات عن حملها، لم تتحول إلى حالة وطنية شاملة، أين الرؤية الواضحة والاستراتيجيات القادرة على تجاوز الممالك المنعزلة جغرافياً وفكرياً ونفسياً، وتوحيد الدم والأرواح في كل الميادين المشتبكة.
ريان ريان ريان، هو ابنك الذي قتل، هو فجيعتك أمام صمت كل مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، وبذات الوقت هو لحمك ودمك ونبضك وزهرتك التي تحتاج إلى الماء والشمس والتراب ودفء الحجارة.