حكاية شهريار وقصة يعقوب (2)

شرين خليل | مصر

اللوحة للفنان فرنك هول

أصيب أبي بحالة من الحزن الشديد فبعد الثروة والصحة أصبح عاجزا وغير قادر علي العمل حاول السفر لإحدي الدول العربية التي كان يعمل بها سابقا ولكنه لم يستطع .
أبي كان عزيز قومه لذا حاول البحث عن عمل مناسب له ولكنها محاولات باءت بالفشل ، فهو الرجل الذي إعتاد علي إعطاء الأوامر فكيف له أن يتلقي هو الأوامر من أشخاص كان يعطف عليهم في يوم من الأيام وكانت النتيجة هي الإستسلام لليأس والدخول في نوبات إكتئاب .
قررت أمي أن تساعده وتخلت عن جميع ما تملك من أموال وقامت ببيع كل مصوغاتها الذهبية وبدأت بتجهيز محل بجوار البيت وبالفعل كانت فكرة جيدة جعلت أبي ينسي مرضه ويهتم بالمحل ويشعر أنه عاد كما كان صاحب عمل . يجلس في المحل وأمي بدورها تحضر له كل المستلزمات المطلوبة للمحل ..
إنتقلت إلي المرحلة الإعدادية بتفوق وكنت أيضا الطالب المثالي والجميع يقدرني من مدرسين وطلبة وكان لي صديق هو الأقرب إلي قلبي إسمه يعقوب صديقا بمعني الكلمة يفرح لفرحي ويحزن لحزني ويساندني في أوقات شدتي .فهو نعم الصديق ولكني بدأت أبتعد عنه بسبب مقارنات أمي الدائمة بيني وبينه فمن وجهة نظرها أنا ذو شخصية ضعيفة وممكن لأي شخص التأثير علي ،أما يعقوب فهو الشخص المثالي الذي يطيع والديه ولا يرتكب الأخطاء .دائما تأمرني أن أكون مثله .لا أدري لماذا تراني بهذا الضعف فهي الوحيدة التي تراني ضعيف ومنعدم الشخصية ولا تدري أنها هي من جعلتني هكذا .لم تفرق أمي بين طريقة تربية البنين والبنات بل كانت تتعامل معنا جميعا بطريقة واحدة .كنا جميعا نخاف منها وبدأت أعاني مع أصدقائي بسبب طريقة أمي ومراقبتها لي وذهابها إلي مدرستي وإلي النادي الذي كنت أتدرب فيه.
دائما تضعني في مواقف محرجة وكأني طفل صغير لا يستطيع الإعتماد علي نفسه .لم تدرك أمي أن ماتفعله لكي تحميني من الوقوع في الأخطاء هو مادفعني لفعل هذه الأخطاء.
دخلت المرحلة الثانوية وكنت أخرج مع أصدقائي بدون علمها وأفعل كل ما تنهاني عنه ففي النهاية أنا في كل الحالات في نظرها شخص غير مسؤل ..ولكن حدث مالم يكن في الحسبان فلقد ظهرت فريدة في حياتي جعلتني أبتعد عن كل شئ سئ وأحاول أن أجتهد حتي أبدو أمامها بالصورة التي تتمناها .الغريب أن أمي كانت تحب فريدة وتري أنها فتاة رائعة .فريدة كانت من نفس البلدة وزميلتي ولكني لم أتقابل معها إلا في بداية المرحلة الثانوية .كنا نتبادل الكتب التي تحمل رسائل الحب والغرام وكانت أختي الصغيرة،ضحي، هي مرسال الغرام بيننا. هذة الفترة من أجمل فترات حياتي لأول مرة أمي ترضي عني وتتمني أن تكون فريدة من نصيبي .
فأمي تعرفها جيدا وتعرف والدتها وقامت بتوطيد العلاقة بينها وبين والدة فريدة وأصبحت تتبادل الزيارات معها ,ولم تتخلي أمي عنها في وفاة والد فريدة ومرت الأيام بهدوء ولكن لم يستمر هذا الهدوء فلقد تآمر بعض أصدقاء أبي الذي كان يثق فيهم وقاموا بسرقة المحل.
ألقت أمي اللوم الشديد علي أبي فهي كانت دائما تمنعه من هؤلاء الرجال الذين يدعون أنهم أصدقاء مخلصين ولكنهم أصدقاء للمصلحة فعندما مرض أبي لم نجد أحدا منهم بجانبه أما عندما إزدهر الحال كنا نجدهم يوميا بإستمرار يجلسون مع أبي في المحل ..
بدأت المشاكل تشتد بين أبي وأمي للدرجة التي جعلت أمي تطلب الإنفصال عن أبي فهو برغم وجود كل الأدلة التي تؤكد أن هؤلاء الأصدقاء هم من قاموا بالسرقة إلا أنه كان ينكر ذلك ويحاول أن ينفي التهمة عنهم ..
إستمر هذا الصراع بين أبي وأمي وتدخل الأقارب لحل هذه المشكلة ووضعت أمي بعض الشروط لكي تتراجع عن قرار الإنفصال وأهمها أن يترك أبي لها المحل تديره بنفسها.
وافق أبي ومن هنا بدأت أمي تفرض سيطرتها علي الجميع فهي التي تتعب وتسافر وتراعي البيت والمحل وفي نفس الوقت تقوم بتجهيز إخوتي الثلات فلقد تزوجن في فترة وجيزة لإن أعمارهن متقاربة .وبدأ أبي يشعر بالإنكسار والحزن ووجدته يطلب مني أن أساعد أمي وأتحمل معها المسؤلية فأنا لم أعد صغيرا .
طلبت من أمي أن أذهب لأعمل في إحدى القري السياحية ولكنها رفضت بسبب دراستي ..
وعندما تجاوزت المرحلة الثانوية وإلتحقت بالجامعة وافقت أن أعمل
كنت سعيد بعملي جدا مهما كان بسيط وأشعر بسعادة عند عودتي إلى المنزل وأنا أحمل لأخوتي الصغار ضحي وهشام هدايا وأشياء تشعرهم بالسعادة وأبناء إخوتي أيضا فأنا أعشقهم وكأنهم أولادي وخاصة إبن أختي ناريمان الذي يجري دمي في عروقه فلقد تبرعت له بدمي بعد ولادتها المتعسرة ..ولم أنسي فريدة من الهدايا .فريدة هي الجزء المضئ في حياتي ،هي الأمل الذي أعيش من أجله ،كنت علي إستعداد أن أنحت الجبال لكي أفوز بها ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن وتزوجت فريدة وذبحتني بسكين بارد . سجنت نفسي في غرفتي بدون أكل ولا ماء .تأتي ضحي وتطرق الباب في محاولات منها لكي أخرج من عزلتي تنادي علي بصوتها الطفولي وأنا في حالة صمت تام لا أريد أن أتحدث مع أحد. إلا أن جاء يعقوب يواسيني فهو الوحيد القادر علي إحتوائي كنت أشعر أنه أبي وأخي علي الرغم من محاولاتي في الإبتعاد عنه إلا إنه لم يتركني .
جلس يعقوب يحكي لي عن الفتاة التي أحبها وتركته هي الآخري ومدي شعورة بالألم والغصة ولكن الحياة لم تنتهي ولن تنتهي ولابد من تجاوز هذه المرحلة الصعبة وأن ننظر إلي الحياة من منظور أخر ويكون هدفنا هو أن نصنع مستقبل أفضل ووستأتي من تستحق أن تكون الحبيبة والزوجة .فكل من تركنا بالتأكيد لا يستحق إخلاصنا وحبنا ..
قررت وقتها أن أسافر إلي أوروبا ولن أكمل تعليمي الجامعي غضبت أمي وثارت وكادت أن تضربني ولكن أبي منعها ووافقني علي قراري وبالفعل بدأت في تجهيز الأوراق وساعدني أحد أقارب أمي الذي يعيش هناك منذ سنين طويلة وأقترب موعد السفر ومازالت أمي غاضبة ولكن قضي الأمر فلم يتبقي سوي أيام معدودة وأرحل إلي عالم آخر عالم أجد فيه نفسي وأحقق ذاتي وحلمي وأجد الحب الحقيقي الحب الذي لا يقتله فقر فأنا أعلم أن الأجانب لايهتمون بالمظاهر والماديات وكنت أنبهر عندما أري قريب أمي وزوجته الأجنبية التي بدأت معه من الصفر وأصبح الأن صاحب ثروة ضخمة جدا . وجاء موعد السفر ووجدت أمي تطلب مني وعد بأنني لن أتزوج من هناك ووعد آخر بأنني سأكمل تعليمي.
وعدتها لكي أجعلها تشعر بالإطمئنان وترضي عني فصوت بكائها أدمي قلبي . وأصطحبني يعقوب إلي المطار وطيلة الطريق يوصيني بالتقوي والبعد عن المحرمات والحفاظ على الصلوات وأن أبقي علي تواصل معه ولا أتأخر في الإجازات ..
وصلت المطار وأنا في سعادة عارمة وصعدت إلي الطائرة وإلتفت ورائي وأنا أقول لنفسي وداعا لكل شئ مؤلم وأهلا بحياة جديدة أتحرر فيها وأفعل ماأريد وهبطت الطائرة وخرجت من ساحة المطار وكأني طائر حر من حقه أن ينطلق ويحلق في السماء وبدأت حياتي الجديدة أنظر إلي السماء وأستشعر جمالها وأنظر إلي الأرض وأري إتساعها وأنظر إلي الأشجار وإلي كل شئ حولي أريد أن أحتضن هذا العالم.
كان قريب أمي في إنتظاري ينظر إلي نظرة لم أفهمها إلا في وقت متأخر .نظرة تقول كل ما تحلم به سراب وكل من جاء إلي هنا كان يشعر بنفس هذا الشعور الذي يجتاحك الآن .لم أكترث بهذه النظرات فأنا الأن ملكت هذا العالم ولن أفلته مني وسأفعل ما أريد وأتحدي كل العقبات .
ذهبت مع قريب والدتي إلي منزله وأخبرني أن زوجته تنتظرني وقد أعدت لي الغداء وبعد الغداء سيرافقني في جولة لكي أتعرف علي معالم المنطقة وأعرف كل شئ عنها .
كنت سعيدا جدا وبالفعل وجدت زوجته تنتظرني وترحب بي وتناولنا الغداء سويا وطلب مني أن أرتاح قليلا فأنا يبدو علي الأرهاق ولكني رفضت وطلبت منه أن نخرج لكي أري عالمي الجديد فأنا مشتاق لهذا العالم ولهذة الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى