عواطف العامري تخيط جروح القصائد بالضوء بـ«رشّة عواطف»
ناصر أبوعون
وردة وكتاب وبحّة صوت، كعزف كمان يمزّقه الحنين، وثورة خضراء تجري في عروق الشعر، حين ينزّ على تجاعيد الورق الذي شبَّبه الأرق؛ هذي “العواطف العامريّة” امرأة معجونة بالضوء، وموشومة بالعشق المتنزِّل من غيمة حبلى بالجمال تغمس سن قلمها في وريدها لتكتب كلمات عذراء ترتل سورة الألق، هي الورقاء العمانية التي تبني عشها على أمواه الأفلاج المتدفقة بالحب من العروش المعلقة فوق الجبال الرواسي التي تشمخ بالتاريخ، وتتحدر من شجرة الكبرياء والمجد الأثيل.
ف ديوانها “رشّة عواطف” ستقف مجبرا لا مختارا على نواصي قصائدها، وتتجول في حارات كلماتها النابضة بالحنين المولّهة بالشغف المتجدد، وتستظل بحيطان تعبيراتها من شمس الشوق المشرقة، التي تتقاطع أشعتها النافذة من دراويز صورها الشعرية وتصبّ بهاءها في دهاليز القوافي، وتقرأ وجدها ذات لفحة شوق، ستقع في الحب من أول فقرة، وتطيل التأمل في العصافير المحلقة في سموات القصائد تردّد أصداء الأغنيات المغزولة من خيوط قلبها، والمجدولة بحب على أنوال النور الساطع من قلبها.
في قصيدتها “رجوع” تستنبت عواطف العامرية الحنين، وتروي جذور الذكريات بماء الوفاء، وترعى أيائلها في ظل “سدرة عمانية” موجوعة بالفراق الذي مزق نياط الشوق.
وفي قصيدتها: “رشّة عواطف”، وهي عمدة الديوان وعنوانه، تتدفق موجات تترى من الدلالات مدفوعة بطاقة الانزياح اللغوي، وتحيل القاريء المتعمّق من المعنى السطحي الذي يشير إلى اسمها؛ “عواطف العامرية” إلى معانٍ ثرّة و رؤى طريفة، وأفكار شريدة لا تُسلم قيادها من المرة الأولى، وتراوغ وتناور، ولا تستسلم، ولا تمنحه بالمجان الفرصة للقبض على المعنى الذي يومض كبقعة ضوء في الغلاف، ويتوارى ويتبدى كنجم مشع يبدد ظلمة الغموض المتقصّد من قصيدة إلى أخرى.
وفي نصّها “روح حرّة”؛ تستطيع أن تقرأ خطوط كفها اوتستطلع أهلة شعرها، وتفسر”المنافستو” القيميّ الذي اتخذته درعا تصد به السهام المترصدة والمشدودة على أقواس الذئاب الهائمة في أحراش الكتب، و دَسْتَرتْ بنوده شريعةً من حياء، لتهتدي به في متاهات الحياة، وسوطا من كبرياء تشدخ به وحوش الغابة التي تتقافز بين أكمتها نمرة متمردة، تضج بالأنوثة النقية والعذرية المصطفاة.
وفي قصيدة “حبّ أمي” يقق القاريء على نقيضين؛ أمومة متحققة وأخرى مبتغاة، وصلاة في محاريب مقدسة من الطهر المعتق في أباريق البراءة المتوارثة تدخرها لأيامها المقبلة كنزا فواحا تتطاير محبتها رقى شرعية تحلق حولها تمائم من دعاء، أوراد صمت وخشوع في حضرة الحنان المتدفق من وتين القلب.
وها هي قصائد العامرية أفكار تتناسل، وتتجاور وتتحاور، ولا فواصل بينها، فقد تعمدت الشاعرة إسقاط الأسوار والحدود المتوهمة بين النصوص التي صنعتها على عينها من مساحات البياض والعناوين التي تخاتل القاريء فيظن أنّ ديوان “رشّة عواطف” ثمة قصائد متفرقة لا رابط بينها؛ غير أن هناك خيط رفيع وسلك خفي لا يرتئيه البصر، ويتكشّف على مرآة البصيرة لكل قاريء حصيف، أزال غشاوة القلب فرأى بعيون القلب المعاني تنتظم حبّاتٍ شعرية لاليء في سلك واحد تضمها أضابير الشعور والتجربة الشعرية، ثريات تضوي في غبشة الصبح وتبدد ضباب الرؤية حتى تصير شمسا في طلعة الصباح؛ لذا نجد قصائد “سلام الله” و”فزّة خاطر” و”ضاعت أحلامي” و”عتب وبوح” و”طيف مخملي” و”سكّر عيونك” و”فتيل” وغيرها الكثير من القصائد تتواصل وتترابط وتتحد وتأتلف في معنى جوهري عام يؤطر أفكارها عنوان واحد اسمه ” رشّة عواطف”.