معارج وأنساق موئل التشيؤ.. بين نعيمة بطاهر وجوليا كرستيفا
أحمد ختاوي | الجزائر
مقاربة تداولية
إذا كانت الروائية البلغارية/ الفرنسية Julia Kristeva جوليا كرستيفا صاحبة النظرية التحليلية النفسية تنطلق وترتكز على مقومات الروح والماء كمطهّر للروح قبل الجسد موئلا لها من وجهة كنسية لحل كل النكسات النفسية للفرح وللروح إزاء الروح ذاتها على سبيل التسويق الديني الكنسي في كتابيها: Pouvoirs de l’horreur سلطة الرعب، La Haine et le pardon الحقد والصفح على سبيل المثال مع استدعاء نظرية فرويد النفسية قبل أن توطد فًهومها في مجال نزوح الماء إلى الماء كمقوم مفصلي في ارتداديات الفرد على سطح البسيطة كمتحرك ومتغير محوري أيضا لا يخرج عن عناد وتعنت و” محدودية “صلابة ما تدعي انه معراج البقاء ..مستندة على استثمارها للماء كضفة استراتيجية لا مناص منها لضبط صيرورة الفرد في كينونته وحركيته الدءوبة كمنعرج ومنعطف دلالي في جميع مجالات الحياة.
كما أنها ذهبت في محاكاة الدلالة والمنحى الاديولوجي اليساري إلى ما ذهب اليه زوجها الشاعر الفرنسي الشهير Philippe Sollers علما أن جوليا كريستيفا تشبعت بالفكر الماركسي اليساري، قبل أن تتحول رأسا على عقب إلى الفكر الكاثوليكي منهجا ومرجعية بعد أن منحتها السلطات الفرنسية منحة دراسات عليا بفرنسا – ليس هذا مقامنا يطول الحديث بهذا الشأن، أردت فقط هذه الإشارة لتوطيد المقاربة بين الدكتورة الباحثة: نعيمة بطاهر وفصول كتابها الجامع لتضاريس الكون الروحي العقدي” الممنطق ” مع رؤى جوليا.
الأمر الذي يقودنا بحتمية التطابق إلى النقد الثقافي المقارن في جملة معطياته الاصطلاحية أسوق مثالا في محكم وأحكام ركائزه الإسلامية السمحة كمرجعية إستبيانية لعجلة المثاقفة ومناخها الترابطي الموزع على الإنسانية قاطبة دون استثناء في مناحيها المتعددة. وها أيضا ليس سياقات حديثنا في هذا المقام أيضا. ويطول الحديث بشأنه أيضا.
أسوق مثالا على سبيل العبور عند ادوار سعيد على وجه التحديد كتابه – ادوار سعيد (الإمبريالية والثقافة، 1992 ومنه نستشف عدة أطاريح وطروحات هي الأخرى يطول الحديث بشأنها وعز الدين المناصرة في مداراته – (كعينة أخرى وقبلهما المنهج النقدي في المعمار الدلالي الاسلامى كرسالة بعثت للناس جميعا و كمفصلية لابد منها تناصا مبدئيا و” محك ” توطيد العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان في مجمل القضايا ذات دلالية محورية لعجلة المثاقفة في مناحيها المتعددة. وهنا أيضا ليس سياقات حديثنا طبعا في هذا المقام أيضا . ويطول الحديث بشأنه.
لنعرج في ومضة على النقد الثقافي حسب آرثر أيزابرغر، حيث يذهب أنه…. “نشاط وليس مجالاً معرفياً خاصا بذاته.. وأن نقاد الثقافة يطبقون المفاهيم والنظريات على الفنون الراقية والثقافة الشعبية والحياة اليومية وعلى حشد من الموضوعات المرتبطة. إن النقد الثقافي مهمة متداخلة مترابطة متجاوزة متعددة، كما أن نقاد الثقافة يأتون من مجالات مختلفة ويستخدمون أفكاراً ومفاهيم متنوعة، وبمفهوم النقد الثقافي الشعبي، وبمقدوره أيضاً أن يفسر نظريات ومجالات علم العلامات،ونظرية التحليل النفسي،والنظرية، الماركسية والنظرية الاجتماعية، والانتروبولوجية، … ودراسات الاتصال وبحث في وسائل الإعلام والوسائل الأخرى المتنوعة التي تميز المجتمع والثقافة المعاصرة (وحتى غير المعاصرة)”(2)، فإن الدكتورة نعيمة بطاهر في كتابها الإنسان اللغز تمنطق بوعي كينونة الكون كمعطى فوقي يعرج إلى الذات من ذاتها عكس ما ذهبت اليه الروائية البلغارية الفرنسية جوليا كريستوفا على سبيل المثال ..وليس الحصر .
هذه الأخيرة استحوذت على المعطى الديني الكاثوليكي لتمويل رؤاها . فأضحى لديها كل سلوك يجب وجوبا أن يتغذى من المعطى الديني حصريا وإلا بات سلوكا ثانويا حسب تحليلاتها كروائية ومحللة نفسانية تعتمد المنهج النفسي مع “جعل” مغرافها رافدا لتغذية رواياتها وإعمالها التي تربو عن 30 عملا .
مع هذا التفكيك البيني لديها ومحاولة الاستباق لديها أيضا استثمار للإصطبار ربما كمنفذ لتغذية أعمالها الروائية تحت سطوة الخيال والمخيال و المشار اليها، بل استغلال هذه المرتكزات. مع هذا لم تفلح في رص صفوف التباين الحاصل في المعطى الديني الكاثوليكي، الشوفيني مع الرؤى الإنسانية الجامحة منها والهادئة.
لعل بقلقها هذا لم تسعفها بوارجها إلى الانتهاء إلى الضفة الشمولية في سبك “مسبوكاتها” الإيحائية لتلمع العالم بنظرة إنسانية شمولية. وهذا ما أعابه عليها منظر الابسيمولوجيا واللسانيات رولان بارت وهو يكتب أول دراسة في أعقاب صدور كتابها الأول في ها المضمار مع كل ما أنجزته في هذا المجال دحضته رؤى الدكتورة نعيمة بطاهر على طول مدارات وانساق سياقات تعاطيها مع الإنسان.
هذا اللغز المحير. ها القطب الدلالي في منظومة الكون وكينونته عبر كل متغيراته البينية كمسلك لدوام ودورة مدارات الحياة الروحية والمادية منها كمخرجات واليات وضروب حركية مجازية تتوسط مناحيها الدلالية المعرفية والسلوكية وغيرها في حنكة الباحثة الدارسة ومديرة التدريب الدكتورة نعيمة بطاهر من مرجعية اختزلت كل هذه الأنساق والسياقات والأسانيد في استثمار عقلاني استنباطي كمنهل للتناص والتوثيق ألدلالي كمغراف ومعين وبٌنى إدراكية لماهية الكون
الاستطيقيا كمقوم دلالي في “الإنسان اللغز” بين الدلالة والموئل الاستنباطي وليس حصان طروادة كما تدعي بعض النظم الوضعية .. هذا ما يتوطد في هذا المبحث الأخير للدكتورة نعيمة بطاهر المعنون ب: ” ومن حقيقة وأسرار الكون … حقيقة الذات” .
ها هنا ما محقت الباحثة بطاهر ملكوت الله رفسا و لا اعتباطا ، فهي تنطلق في هذا المبحث من شمولية الذات وعلاقتها بالمادة والروح وحتمية دوران الذات حول نفسها كما الأرض ليس بالشكل الفيزيائي ولا الفلكي ولكن بوازع العقل ، وهنا تورد الباحثة ما يلي للذات الناطقة سواء في أغوار البحر أو على اليابسة لكل الكائنات ، الجامدة والمتحركة : قولها في هذا المبحث : ” حتى الكلمات لها روح وجسد، جسدها مكون من حروف تعطي شكلا ما ، ومضمونها ومعناها هو روحها ، مثلا كلمة “بحر” فإذا تأملنا قليلا في هذه الكلمة فنجد هذا البحر يحمل في عمقه أكوانا تدب فيها الحياة ولعل أوجه التلاقي هاهنا بينها وبين جوليا كريستيفا يتقاطعان و يتطابقان في ” صيرورة الماء ” كمعطى حياتي لكن برؤى مختلفة متباينة _ تضيف الباحثة الدكتورة نعيمة بطاهر في هذه المفصلية قولها الفلسفي الشمولي على غرار جوليا كريستيفا: هذا البحر يحمل في عمقه أكوانا وهنا يكمن عمق الطرح لدى الباحثة نعيمة بطاهر ” أكوانا ” في صيغة الجمع ” لتحديد الدلالة منها ، كان إمكانها أن تقول ” كونا بصيغة المفرد لكنها ارتأت ” عنوة أن توطد “أكوانا ” عوض كون وبوعي إدراكي منها لماهية ” هذا الملفوظ ” لتضيف ” وعوالم أخرى تدب فيها الحياة وعوالم حقيقية لا نعرفها فكل كلمة لها مدلولها . وعن الذات تقول: ماذا عن الذات؟ هي ليست كلمة وفقط وإنما جسد وروح وجزء من الكون لا يحتاج إلى البحث عنها في الكون لأنها الكون المصغر هذه الذات وجدت لإتمام رسالة الخلافة والعبور والمضي نحو تحقيق العبادات المجسدة في الحب والتآخي ، والعطاء والتعاون والتواصل مع الكونيات الأخرى “
هنا الدورة الكونية تأخذ مجراها ووظائفها على جميع الأصعدة ، تضيف الباحثة الدكتور بطاهر . ولها إسهامات عديدة في حقل التدريب بمختلف الجامعات والمعاهد العربية ولها باع في ها الشأن. د .نعيمة بطاهر. أديبة و باحثة جزاىرية ،استاذة و مدربة في فنون التواصل الانساني. ومحاضرة دولية اثرت بمشاركتها عدة مؤتمرات. دولية و منابر محلية و تكتب بأكثر من لغة.. ساهمت في كثير من دوراتها في الإنماء التدريبي للذات كمقوم بقاء، أقف هنا على أن أعود للكتاب في ورقة لاحقة . أشير أن وجه المفارقة بينها وبين البسكولوجية المحللة الروائية جوليا كريستيفا تتقاطع في ماهية الماء ،الذي تراه وتصنفه الباحثة نعيمة بطاهر مصدر صفاء الكينونة والأستاذ -.أي الماء -.
الذي يعلمنا سلوكيات التعاطي مع الحياة كمسلك وفجاج راحة وائتمان للذات وللجسد كل بمنظوره، غير أن منظور الباحثة نعيمة بطاهر أخذ وجهة الشمولية، فيما انحصر منظور جوليا في رواق ; ” الطرح الكاثوليكي، الكنسي كمنفذ للطهارة ومجرى وروافد الحياة ..
شكرا دكتورة نعيمة بطاهر أن أهديتني كتابك ها المتزن ممهورا بتوقيعك ، ألف شكر ، ولي أوبة إلى فصوله وفصوصه في ورقة لاحقة ، هذا عبور في أعقاب قراءة أولى له ، وشكرا مجددا مع تمنياتي لك بموفور السؤدد في مبحثياتك هذه وغيرها .
^^
هامش
2. أرثر أيزابرجر: النقد الثقافي: تمهيد مبدئي للمفاهيم الأساسية، تر، وفاء إبراهيم ورمضان بسطاويسي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط، 2002، ص 4، 1991.