رسائل دمشقية

سمر يوسف الغوطاني | سورية

(1)

   كنت قد قبست من ضوء يخصك بعض من وهج حضورك..كنت صامتا مستسلما. ومنشغلا.. لم يخطر ببالك أنني سأسرق هذا القبس أو ذاك لأنني لم أكن أعرفه.. لكنني بعد أن عرفته أشعلت نيران الحب في ضوئك كي يصبح قمرا.. عمت مساءً ها أنا.. أضم ماقبسته يدي من شعاع كي لايفر من ضلوعي.
١١/٨/ ٢٠٢٢…العاشرة مساء / الإثنين

(2)
انسحبت قطعة السكر شيئا فشيئا؛ صار الشعر فقيرا إلى المعنى.. لم يكن قلبي.. لم تكن روحي وأنفاس الحبق ووجه الوردة.
يستدرجون قتلاهم ويلوون بأعناق الزنبق ليكون شهيدا
كنت أنت وظني تتآمران على ذلك النبض السخي نحو رجاحة كفتك.. وقد فعلتها وكنت أنت لا أحد سواك
يا قطعة السّكر.
11:30 ليلا ١١/١١/٢٠٢٢

(3)
طعم الخيبة في وقت المطر

لم يكن غريبا ماسمعته.. كنت أعرف ما قالته العرافة لكن قلبي كان يكذبني ويكذبها.. لايريد الحقيقة؛ بل يريد الحلم.
ممل كان هذا المساء.. كانت الساعات تقضمني كأنني حبه من (كراميل)، والقلب يعصرني ثم يحجرني كحبة كستناء.

شهي هذا المطر ولكن حبي أشهى من ضوء القمر وأطيب من طعم العسل وأصفى من عين ماء سلسبيل وأكثر بياضا من حمامة.
ممل هذا المساء بدونك.. هوى صرح الخيال في إلهامي، كآثار ثاوية نحو الاندثار، كأنها رصاصة أطلقها السراب في عيني وقد نفذت نحو شرياني المعمي عن فضائه الخارجي.. لايريد أن يفهم أو يصدق أو يسير باتجاه آخر.. وهل الروح تنقاد بعكسها؟!
لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي.. مر طعم خيبتي كطعم الفرار منك.. أنا بلا أنت.. بل ……لا……بل…لا..إلخ ..إلخ،، والوقت مطر
١١/١٠/ ٢٠٢٢

(4)

السادسة والنصف.مساء.. دمشق التي لادمشق فيها ولا عناوين.. أما بعد:
رأسي مزدحم بك. يبحث في أروقة المسافات عن رحيق منك يجعله يبتكر لساعاته الفرح.. ألم تدميه بالفرح المزعوم كلماتك..؟!
يفتش في رحيل النحل المتواطيء مع غيمة عن عسل مصفى من أدران الماضي.. يبحث عن سماته التي شهدت مولده في غُصة الناي.. سماته التي فضلته على آخره المكبل بالولوع.. المسيج بالرغبة.. الموسوم بالتهافت.. فوق أوراقه المتهاوية عند انقباض الشجر.
ذاك العسل ما أشهاه.. يفر من بين عنادل الشوق نحو اللامنتهى.. ويلثمك بخوف جامح نحو بريقه الذي لاينطفيء.. نجم في سمائه..
أين انت؟! أنا لا أقصد المكان أو الزمان أو الحيث أو الحال أو الصفة أو الكنى أو الأسماء.. أنا لاتعنيني المتاهات والدروب والمدائن واللغات..
انا لاتعنيني.. لاتعنيني العناوين…. ..أين أنت! أين أنت..
سمر أنا وهذه الرؤى وأنت…

١١/٥/ ٢٠٢٢
(5)

ومرَّ صيف

أكتب لك اليوم ما أريد، كالهدهد أجوب موطنك بلاقيد لأقول لك ماقاله السنونو للربيع:
مرّ صيف يا حبيبي وأنا أكتب لك في كل يوم.. وها هو المطر ينقر النوافذ كأنه جرس إنذار يهدد بالغيم ثم يومض بضوء خاطف ويتوعد.. وأنا على مفترق طريقين.. طريق بين جنتين وجزيرة متعطشة لسفن قادمة من أي صوب..
مر صيف ياحبيبي والنبض أسرع الآن.. النبض أنضج كدالية تعتقت عناقيدها فامتلأت بالمطر والسكر.
مر صيف.. مر عليّ وأنا كالضيف لديه أتنقل بين زواياه ومنعطفاته وجهاته.. وبقيت مشردة عن نفسي.. غريبة عن روحي..كغريق يمسك بأية قشة للنجاة كي يصل.
مر صيف والوقت صار أشهى من نشوة غراء أصابت قلب صبّ.. الوقت صار كخلية نحل يتداول الرحيق كي تصنع ثوانيه العسل.. والرجاء هو الرجاء.. لا أحد يشعر بطعمه الزكي وريحه الآسرة سواي.
مر صيف.. لكنك لم تمر.. قد سكنت كل الحنايا والجهات.. كل الشرايين والنبضات.. كل الهمسات والنبرات.. كلماتي.. ألحاني.. أحداقي تأملاتي.
مر صيف لم يغريني فيه إلا أنت
عمت في كل يوم.. دمشق١٠/٢٩/٢٠٢٢
(6)

منذ رعشتين
في هذه اللحظة منذ رعشتين أحجمتني أصابعي فأقفلت جوالي.. لدي الكثير من الألم وكثير من الدموع المدفونة في هذا القلب كنت سأغصّ بها إن أكملت لك الكتابة.. سطران وانتهى الأمر ثم رجعت أصابعي إليّ وأخذت تحثني على المسير نحوك.. تابعت الكتابة فوق الورقة فقلبها الأبيض مثل قلبي معبأ بالأحلام التي تعد أو لاتعد.. لافرق عندي. فهي وشاحي الذي أرتديه كي أختفي عن أعين الظلام.. كأن هذا النبض لا ينتهي. لا أريد له عناوين
لا أريد له خمرة مغشوشة تخادع ذاتها بالسكر المتخيل
ذاك الذي يستفيق مع أول دهشة..
لأكثرَ من ثلاثينَ سنةٍ وأنا صديقة وحدتي ماذا أخذت منها! لاشيء سوى العذاب.. لأكثرَ من ثلاثين سنة وأنهاري تسكنها الحصى، والشرايين تعبيء ذاتها بدموعي ومهج القلب ولا تنطق إلاّ بالعواء المهيّج لسكون الليل.. كلمني كما أريد لا أريد لهذا النبض أن ينتهي..

دمشق ١٠/٣٤/ ٢٠٢٣

(7)

كيف للفكرة أن تكون بلا جسد
هل يظن الوهم أن سينتصر
قد يسافر الليل فينا دون أن ندري.. ونحن الذين نظن بأننا نقطعه بالأحلام
قد تسافر عصافير الحلم فوق مآذن الفجر
لتغدو روابينا كالعصاة بلا إيمان ..جنوح إلى الأعلى كالدخان
قد تسافر أعين البدر في رحيل أخير ليكون عوده وهمًا أو زيفا مفجوعًا بالحقيقة.
لاصراخ في صخب الأماكن يستكين.. لارحيق يعلو قمة الجنون، والسهل ليس محصنا عن ذاك العويل، والبياض في جبهة الورق يمتد حتى النزف الأخير.. لايقف الحبر عند دمعه ولايحن إلى ابتسامة.. ظالم هذا السواد في ميلان حرفه الحرون.
وهذا أنت من بعيد.. بعيد.. وقلبي هاهنا عند هياكل الحزن يقدم لأصنام الكلام القرابين.. لا أحد يدخل محرابه وحيدا، يسافر فيك كالعاشق المفتون. وها أنت البعيد البعيد فكيف ترتاح العيون!.. هذا الليل لايفارق مقلتي يكحلني فتقطر من عيني آلاف النجوم
هذا الليل يمحوني ثم يسطرني كلمة كلمة. فأنهمر وأنهمر وأنهمر حتى يفنى الضوء وترتاح العيون
3:43

(8)
كتبت إليك كي أفتتح جداول المعنى.. رأيت رسائلي
وقرأتها فلم ترد.. كانت هذه الحصى الصغيرة تخشخش تحت الحروف كي تبدأ حديثي معك.. اشتقت لك.. وانتظرتك كي أرى ابتسامتك.. كي تقول لي بلهفة انا معك..لكنك انشغلت؛ فانتظرتك ويدي متأهبة لتخط لك أي شيء بعد أن تسمع جوابك.. ثرثراتي معك وأحاديث مفتعلة تفتح أشرعة الحوار كي أسمعك..لا أحد سواك فقط
لكنني أعود لألوم نفسي عند اقتحام فكرتك، جنون هذا الشوق لك.. يحط كطائر النورس على شاطئك؛ لكن.. أنت لست أنت
محبتي ٨/ ١٠ / ظهرا

(9)
إلى صديقي:
مساؤك عابق بالذكريات
لا أحد يسمعني سوى قلبك.. فأرخي ستائر الكلام وانتبه إلى ما سأقوله:
لم يعد هذا القلب يقوى على النزول إلى معارك الأشواق فحسبه الآن هذا الضماد الذي يرتدي رأس خيبته.. لم يعد يقوى على درء ما تبقى من سيل مهجته
أرخى سدول راحته وقال ها أنا أفيض كنهر ربيعي
أساقيكم وأتوهم عطائي بينما هذا الحصى كل الحصى
يأكل من قاعي ويشرب ما تبقى من سيري
أي صديقي:
يتعبني مساؤك المعبأ بالأريج.. يتعبني قاموس الشوق المتناقض فيما بينه.. المملوء بالتقابل والطباقات.. هو عينه ذلك الفأر من لغتي.. هو عينه ذلك الفار من تعبي وتحفّظِ الحروف الداكنات ..
هو ذلك الفارُ من نفسه نحو المجازات. مساؤك لعثمة محب بما لايحب.
وهذا المساء لايقوى على دمج اللغات في لغة واحدة
تشعبت أغصان شجيرة همست بها كي أصيد عصفور لحنك.. تشعبت لغاتها.. أزهارها.. أنغامها.. وتفنن الهوى في العزف على حفيف تآلفها في نسمة طليقة حرة من أي اعتبار..
لكنها مازالت واقفة تراقب شيئا ما قد يملأ قلبها أو يفر مثل عنادل هاربة من ضوضاء الازدحام.
لم يكن ينقصنا هياكل تشخص فينا كي نكون
لكننا نحتاج للحياة في هياكلنا
كي نحس عندما يقترب الأجل بأننا نموت كما يموت الأحياء ..
دمشق …/٥/ ٦ /٢٠٢١

(10)

رسالة:

قال لها: أحطُّ في عينيك كطائر متعب كي أستريح
هي أكبر من مقام منزل
هي اعمق من شاطيء إذا قذفت أمواجي نحوهما من اللج العميق
أسافر بين الحدق والحدق كي أرى صورتي
منذ زمان بعيد لم أرها جميلة
أركن في صفحة كاللؤلؤ حين تخلدين إلي
أفتش بين سطورها
تراها أفي هذا الحرف تعنيني .. أم تريد مشتهاها
لم أكن أستكين كثيرا ففي كل صحوة ينتابني القلق
عليكِ وعليَ.. وماذا بعد؟! ماذا بعد!….
آه الغيم يستر دمعتي ويحجبك
آه ياحبيبتي.. سنبلة عن سنبلة عن دهشتي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على حسين علي الهنداوي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى