الْاِعْتِدَالُ وَالتَّوَازُنُ

د.عَبْدَ الكَرِيمُ مُحَمَّدُ الرَّوْضِيِّ | ماليزيا – كوالا لامبور

لاشك أن الاعتدال والتوزان في حياة الفرد هو عين الصواب وهو الأمر الذي جاء به الإسلام ولو راجعنا تعاليم ديننا الإسلامي لوجدنا فيه أهتمام شديد بالاعتدال وعدم الإفراط أو التفريط على شتى مناحي الحياة سواء في الدين أو في الدنيا بل حثنا الله عز وجل في القرآن الكريم فقال ” ولا تنس نصيبك من الدنيا ” ومن هنا ينبغى للفرد العاقل في حياته وعلى مستوى معيشته جعل قيمة التوزان والاعتدال أساس في الحياة على مستوى كل مناحي الحياة في المأكل والمشرب والمبلس والعبادة وغيرها وقد ميز الله عزوجل هذه الأمة بأنها أمة وسطية فلا يطغى فيها جانب على جانب آخر .

وليس أدل على ذلك من حديث النبي عليه الصلاة والسلام و فيه التأكيد على هذا المعنى، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال: جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – يسألون عن عبادة النبي – صلى الله عليه وسلم -، فلما أُخبِروا كأنهم تقالُّوها [أي: عدُّوها قليلة]، فقالوا: أين نحن من النبي – صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا [أي: دائما دون انقطاع]، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر [أي: أواصل الصيام يومًا بعد يوم]، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: “أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”.

ومن هنا نقول أنه ليس من السهل ولا من اليسير الوصول لهذه  المرحلة من التوزان إلا بالعمل والاجتهاد ومراجعة السلوك الشخصي لدى كل منا ومراجعة جميع الأعمال التي نقوم بها على وجه النقد البناء وبطريقة المحاسبة لأنفسنا لنرى كيف نحن في الحياة هل يطغى جانب على آخر هل لدينا توزان في مأكلنا ومشربنا أم هناك إسراف وتبذير لا نشعر به هل لدينا توازن في أعمالنا الدنيوية ومقابلتها بأعمالنا الأخروية أم أننا نركز اكثر على جانب من هذا ونلغي الجانب الآخر مما يؤدي إلى التطرف والضياع وقل مثل ذلك عن التفكير الذي يعطي صاحبه القدرة على التقييم والموزانة في معرفة النافع من الضار ومعرفة ما يقدم عليه من ما يجب أن يتوقف عنه وهكذا شتى مناحي الحياة تحتاج مراجعة .

إن مراجعة توازننا على مبدأ حساب الأرباح والخسائر في كفتي الميزان مبدأ مهم لمراجعة كل أعمالنا ووزنها بالميزان الصحيح السليم وتحقيق أفضل النتائج بأقل التكاليف والجهود من أهم المسائل التي تحتاج إلى مراجعة لدينا جميعاً في أعمالنا لكي نتحرر من السلبية والتفريط في بعض الجوانب ولذا فإن التطرف في أي زاوية من الزوايا لن يؤدي إلا إلى تأخر تلك الأعمال وعدم خروجها إلى حيز الأعمال الناضجة والتي تستفيد منها الأمة في مسيرتها النهضوية .

وفي الأخير نقول أن ديننا الإسلامي يحرص على أن يكون المسلم الحق متوازناً في أموره كلها ومعتدلاً في شؤونه فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولاتقصير فالإسلام يعالج الواقع بكل واقعية وإيجابية وبكل انتظام بالشكل الذي يؤدي إلى انتظام الحياة وأمنها واستقرارها فلا يتضرر معه أحد فالاسلام دين الوسطية والاعتدال و إن الشعوب التي توازن حياتها وتعدل فيه وتعيد ترتيب أولوياتها بالشكل الصحيح وتنظر إلى أهدافها الرئيسية العليا في الأفكار والأعمال هي الشعوب التي وصلت إلى مراحل متقدمة واستطاعت أن تتقدم وأن تنطلق نحو بناء الأمة وبناء الدولة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى