فوز
فريدة عدنان| قاصة من المغرب
وصلت فايزة بعد حوالي ساعتين من التحليق فوق السحاب. إنها المرة الأولى التي تسافر فيها على متن الطائرة. كان خوفها باديا على ملامحها ، فعيناها الشهلاوين ظلتا شاخصتين ترقبان عقارب الساعة الذهبية على معصمها طوال الرحلة وذهنها يحوم كطائر خارج السرب.
نزلت فايزة سلم الطائرة والفرح يتراقص من مقلتيها وشعرها الذهبي يلامس خدودها الوردية كانت ابتسامة هادئة تتسلل من حنايا قلبها وتتربع على عرش شفتيها تمتمت لنفسها :أخيرا وصلت وسأراك فشوقي للقائك قد بلغ مداه.
بعد انهاءها إجراءات الوصول, استقلتها سيارة كانت بانتظارها وانطلقت متوجهة بها نحو المكان الذي ستكرم فيه. فقد أسهمت فايزة بشكل كبير في تطوير أساليب التعامل وإدماج أطفال مرضى التوحد تلك الفئة التي تكاد تغيب عن الأذهان في مجتمعنا.
وصلت فايزة إلى المكان وكان عبارة عن سفينة ذات طراز قديم أخاذ ترسو على الرمال .استُقبلت فايزة على متن السفينة بحفاوة منقطعة النظير .فجأة رن هاتفها وقفت كتلميذة في الصف الأول كي تجيب كانت ترقب تلك المكالمة منذ وصولها للمطار .إنه أحمد الشاب الوسيم فرحها اليوم بقدومه أكبر من كل النجاحات فهي لم تره منذ سنوات نظرا لظروف عمله ومسؤولياته الجسيمة.
بادرته قائلة أينك لقد وصلت للتو؟ أجابها بلهفة أحست معها بشعور الأمان : دقائق قليلة فقط وسأصل إليك ثم أردف قائلا عزيزتي هناك مكالمة واردة من زوجتي نسيت أن أبلغها عن خبر قدومك سأضطر لإنهاء المكالمة.
مرت أكثر من نصف ساعة وفايزة عيناها لا تحيدان عن مدخل مكان الحفل وأحمد لم يأت بعد . بدأ فتيل الفرحة يخبو بقلبها رويدا رويدا..
تعالى اسمها من طرف مقدم الحفل ليتم تسليمها الدرع والجائزة أحد الشخصيات العامة في المدينة ،تقدمت وسط تصفيقات الحضور التي ألهبت المكان. بعدما ألقت كلمة بالمناسبة ودعوة المجتمع للاهتمام أكثر بقضايا الأطفال . مسحت فايزة بنظرة فاترة وطويلة وجوه كل الحضور كمن يُحتضر.
مرت تلك اللحظة من حياتها دونما احساس يُذكر ابتسمت وعيونها تسح دمعا حسبه الجميع فرحا .
في طريق العودة للمطار أمسكت هاتفها وعيناها ملتهبتان عاودت الاتصال بأحمد فسمعت صوت المجيب الآلي يردد الرقم الذي تطلبونه غير متاح الآن.. كلمات ظلت تعلو وتعلو مع نبضات قلبها المتسارعة وشفتيها ترتجفان وتتمتمان: لقد أرت فقط أن أقول للعالم إنه أخي ..سندي..
علت أصوات الهواجس بداخلها تحاول رسم أسباب مقنعة تجعله يتوانى عن المجيء ،وهو الذي كان بالأمس فرحا بخبر تتويجها أكثر من فرحها…
استسلمت للفراغ الذي استوطن أعماقها وجلست في مقعدها دونما خوف من السحاب وقبل أن يتكسر زجاج الأحلام في داخلها سلمتها المضيفة باقة من ورود الياسمين مكتوب على بطاقتها:
غاليتي فايزة
عندما يباغت الليل أفكارك التفتي وراءك فأنا أجلس في المقعد الأخير.