المفرزة التي لاحقت المشاهير (12)

من حقيبة مذكرات الكاتبة وفاء كمال الخشن | لبنان

قال: لو تدركين  ياوفاء أن سنية كانت ملهمتي ومعلمتي ومرضعتي لعرفت أسباب حزني.

سنية كانت أشعر مني. وقد انتزعت مني جائزة قصيدة النثر في الستينات. إنها شاعرة عظيمة. هل تعرفين ذلك؟

  • نعم أعرف٠ فهي من عائلة ضليعة بالشعر قرأتها وقرأت خالدة السعيد شقيقتها زوجة أدونيس واستغربت أنك كنت وحدك تتصدر الأضواء حينذاك٠

هي لم تكن تحب الأضواء ولا الواجهات. كانت تنطوي على الأضواء التي بداخلها . وتدفعني نحو القراءة والكتابة .

 حين كنت متخفيا حَوَّلَتْ قصيدتي العصفور الأحدب الى مسرحية ٠ وكانت تُحْضِر لي الكتب بأسعار غالية مرفقة بالورود . فتعود لتجدها أوراقا مبعثرة ملطخة بالقهوة ٠ فتنظفها وتعيد تنضيدها ٠

 كانت نظيفة رقيقة كينبوع عذب.

 وكان جلدها دقيقا كالشحرور ٠ وأصابعها شفافة كالمشكاة ٠ فنظرتُ دون انتباه الى أصابعي التي تورمت وتسلخت أثناء تهديم الحائط٠ فتنبه لأصابعي، وقال: ماذا حل بيدك؟ هل احترقت؟  قلتُ: نعم٠ قال: بماذا احترقت؟

(هيك  لا شيء) دعنا في موضوع سنية ٠ فاسترسل قائلا”: لقد سرقْنا انا والمرض الفرح من سنية في حياتها ٠ والآن تسرق هي والمرض الفرح مني في مماتها ٠

 بدأتُ أتململ، ولم أعد أرغب في إجراء الحوار ٠الذي كنت اعتقد أنه أحضرني كي ننجزه. ٠ صحيح أنني حزنت لأجله. لكن ما معنى أن يستحضرني ليبكي على سنية ؟ هل أنا حائط مبكى؟ قلت له في الحال: أنا سأسافر مع أهلي إلى لبنان ٠ قريبا وربما لن أعود ٠ فهل نقوم بالحوار أم لا؟ ربما لاحظ نبرتي الغاضبة ، وكنت قد قررت فعلا الذهاب دون الحوار لو لم يتجاوب معي ٠ قال: نلتقي غدا في قهوة أبو شفيق؟ قلت: له وقد شعرت بالنرفزة؛ لا بقهوة أبو شفيق ولا بأم شفيق ٠ بل في منزلنا، وبوجود أشقائي. ما بكَ ؟ الله حاور الملائكة؟ إن كنت لن تجري حوارنا فأنا لست متوقفة عليه ٠ حاول تهدئتي وقال: غداً وعد شرف ، ولكن ليس في منزلكم ، فالأمر محرج بالنسبة لي، ليكن في مكتب الفنان دريد اللحام ٠أو عندنا، سلافة مشتاقة لك ٠ أعربت عن رغبتي في عدم متابعة دروس سلافة ، بذريعة أنني لاأفيدها، وبأنها بحاجة

 لمدرِّسة أكثر احترافاً ،دعوتُه لعيد ميلادي وتركت له عنوان المنزل . وهممت بالوقوف ٠لتوديعه . فبادرني بسؤال٠ أنت وفاء كمال أم وفاء الخشن

– وفاء كمال الخشن

– أنت صاحبة مقالة ” الكاتو الشعري “في العدد 19 من مجلة الناقد؟

ـ نعم أنا صاحبة المقال ٠

ـ أنا واثق أن نزار سيصاب بالجلطة بعد قراءته٠

 أبعد الله عنه الشر٠ فحتى لو هجوتُه، هذا لا يعني أنني أكرهه فنزار شاعر عظيم ٠

“لم تقصري لقد أصبته بالصميم “

يبدو أنك تكرهه ٠ أنتم الشعراء لا تحبون بعضكم ٠ لقد فتح رئيس تحرير المجلة ” رياض نجيب الريس ” نوافذ مجلته للحوار بيننا وأنا بانتظار رد نزار ٠

لقد أجابكِ بقصيدة في بداية العدد عنوانها” من بدوي مع أطيب التمنيات “٠ ـ

ـ القصيدة قديمة وليست موجهة لي.

نزار خبيث القصيدة بمثابة رد لك ٠فهو لم يشأ أن يورِّط نفسه معكِ حين لمس الجرأة والهجوم الشرس عليه منك٠ِ نزار كان يمرض إثر كل كلمة كان يكتبها عنه ” جهاد فاضل ” فكيف لوقرأ ماكتبتِ ؟ وخصوصا عندما نوَّهْتِ عن سرقته لبعض العبارات من ديواني “الفرح ليس مهنتي”٠ فو الله أنا نفسي لم انتبه لذلك ٠

ـ هذه ليست سرقة بالمعنى الصحيح للسرقة ٠ فهو استعمل عباراتك في الحديث على المنصة .وليس في قصائده

ـ أليس من المعيب أن يفعل ذلك دون أن ينوه لإسمي؟

ـ ربما سقطت العبارات سهواً دون قصد ٠

 ـ لا٠٠لا٠٠ نزار لص بارع٠ هل قرأت قصيدته ( مع جريدة ) وقصيدته ” إفطار الصباح ” ٠٠ لقد سرقها من ” جاك بريفير “؟ – قرأتها كاملة في الحي اللاتيني لسهيل ادريس ٠ لكن سهيل وضعها باسم صاحبها ٠وقرأت قصيدة يخاطب فيها الشاعر أسعد الجبوري جاك بريفير مطلعها :

لاتأخذ رأسك بين يديك ياصديقي ….قصيدة أجمل من قصيدة جاك بريفير نفسها .

يبدو أنك حنقاً على نزار وكأنه سرقها من جيبك ٠

 ـ ومن قال لك : إن سرقة القصائد ليست كسرقة الجيوب ؟

 ـ رسول حمزاتوف (هههههههههه) فقد كانت له عبارةمشابهة

 ـ واضح أنك مستاء من نزار هل تغار منه؟

ـ مم أغار؟ نزار عبارة عن قصيدة واحدة مكررة٠ أحداثها تدور في غرف النوم وعلى أسرة النساء .هو مجرد رجل شرقي مصاب بعقدة نفسية٠ ويشعر بالفشل ، ويحاول ستر فشله في كثرة الحديث عن بطولا ته مع النساء ٠ وجعل المرأة مجرد متعة يلهو بها٠ حتى غدا شهريار عصره ٠ أنتِ نفسكِ كتبت حول تلك النقطة بدقة ، وقد أصبْتِه بالصميم عندما تحدثت عن انتهازيته٠ صدقيني سينجلط فهو كان إثر كل حرف يكتبه عنه ” جهاد فاضل ” ٠ يمرض قبل أن يرد عليه على صفحات المستقبل.

 لماذا لاتتحدث عن ” أدونيس ” بتلك اللهجة؟ هل لأنه صديق السجن والشقاء والنضال، ولأنه زوج شقيقة سنية ؟

– أي نضال؟ انا أصلا انتسبت للحزب القومي في شبابي دون أن أقرأ مبادئه ٠ ولأن مقره كان قريباً من منزلنا وفيه مدفأة وشاي ٠

-أذكر حديثا لبول شاؤول عن ” أدونيس ” يقول :إن أدونيس لا يسرق فحسب٠ بل يسطو سطوا مسلحا ٠ وأن معظم أشعاره هي ترجمة لشعراء أجانب .أنا شخصياً أحب شعر أدونيس وكل كتاباته عموماً . وأشك فيما يقوله ” بول شاؤول ” ولكن أخشى ان يكون كلام شاؤول صحيحاً لأنني أدرك غنى لغته الفرنسية ٠( والعهدة على الراوي ) ٠

 أدونيس ربه ومذهبه الجوائز ، حتى لو كانت الجائزة دمية أطفال

ـ أنت تبالغ . إنه يستحق الجوائز فهو شاعر لا يندى له جبين٠ ولولا ذلك لما عملتَ أنت  معه لفترة في تحرير مجلة ٠

ـ  ولكن لا أستبعد عنه السرقة٠ فهو ليس نزيهاً تماما ٠ فأنا لا أجيد أية لغة لأتمكن من التقاط وتوثيق تلك السرقات

ـ ربما هي تناصات ، والتناصات تقنية متعارف عليها ٠ضحك وقال قول اليوت: الصغار يقلدون، والكبار يسرقون . وقفتُ مجدداً لأودعه . قال :موعدنا بعد انتهاء عيد ميلادك . وكأن إحساس قد راوودني أنني لن أراه مجدداً ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى