مقال

وجهة نظر

رانيا الفولي | القاهرة

أنا المواطنة “ر.ا” أقر وأعترف أنني أبعد ما يكون عن دراسة علوم الأوراق المالية والبورصات العالمية والاقتصاد، وأن كل معلوماتي البسيطة عن تعريف كلمة اقتصاد هو الحالة المالية للأفراد أو الدولة بالإضافة إلى كل ما يتعلق بالدول من إنتاج وتوزيع وإنفاق وأسواق العمل وغيره “بس كدا “.

أنا المواطنة التي لا تمتلك من الثقافة المصرفية ما يجعلني أتحدث عن العملات ولا الدولارات ولا الدينارات ولا الدراهم ولا أي عملات تبدأ بحرف الدال ولا حروف غيره. 

أنا المواطنة التي شاهدت أفلام حقبة السبعينات وما بعدها والتي وثقت فترة اقتصادية لم تكن مزهرة أو قوية في مشاهد أفلامها ومسلسلاتها  للجمعيات الاستهلاكية بما فيها من كوميديا ساخرة من أول مشهد “الحقوا في فراخ في الجمعية وناس كتير بتجري” لكي تحصل على عدد دجاجة واحدة للأسرة واللحمة تؤكل يوم واحد في الأسبوع مرورا بمشهد “كل مواطن ليه حتة صابون وكيس رابسو” إلى أن وصلنا الآن لمشاهد ومسلسلات كومباوندات التجمع وأكتوبر وإعلان “انت Z  التجمع وإلا Z زايد ” والطعمية بقا اسمها جرين برجر والتعليم بقا انترناشونال” والشعب هو اللي بيعلي على بعضه “.

أنا المواطنة التي تابعت إعلان الفنانة فاطمة عيد “حسنين ومحمدين زينة الشباب الاتنين” ولم افهم مغزاه ومقصده، وبعد شرح وتفسير من الوالدة لما يعنيه هذا الإعلان أن تلك الحملة الإعلانية وقتها كانت تهدف لتوعية المواطنين بأن إنجاب اثنين فقط من الأبناء سيساعدهم على تربيتهم وتيسير القدرة على الإنفاق عليهم.

أنا المواطنة اللي سمعت من حكاوي جدتي إن “الجاتوه” كان يؤكل في المناسبات السعيدة وأعياد الميلاد فقط أما في حالة وجود ضيوف كان هناك إجراء متبع بعمل ست البيت لصنية كيك أو بسكوت بالبرتقال مع فنجان الشاي “ودمتم”.

أنا المواطنة التي لا تريد ولا تبحث عن الجدل ولا الجدال ولا استطيع الاستخفاف بما نمر به جميعا في الوقت الراهن من ضائقة مالية وأزمة اقتصادية طالت الجميع  وأثرت على حياتنا وبيوتنا وأبنائنا.

ولكن،،، في نفس الوقت أنا من ترتعش رعبا وخوفا من دخولنا في نفق مظلم من الاكتئاب والحزن والجنون ليس من الحالة الاقتصادية أبدا “لأنها هتعدي إن شاء الله” ولكن من الحالة النفسية الناتجة عن الحالة الاقتصادية “أشرحها لكم”. 

على سبيل المثال عندما يمر أحد منا بأزمة عنيفة في حياته الأسرية “مثلاً ” قد تؤنب وتلوم نفسك على سوء اختيارك مثلا، وتجد من حولك من الأقارب والأهل والأصدقاء ينصحوك بالصبر، بالمحاولة مرة تلو الأخرى، بالهدوء في التصرف، بالتأني في اتخاذ أي قرارات مصيرية قد تؤثر على أبناءك ومستقبلهم وأن قرار الانفصال سوف يجني ثماره الغير مرجوة على الأبناء من التفكك الأسري وخلاف “مش كدا بردو” ؟ 

فنحن شعب فريد من نوعه ذو طبيعة خاصة جدا، نحن من يمتلك القدرة والمهارة على انتزاع الضحكة من قلب الألم، نحن من يسخر من كل مصيبة وكل مشكلة بالنكات وعلو القهقهات، قيل عنا “شعب ابن نكتة” نحن الشعب الذي ابتدع “الرغي” والحكاوي داخل سرادقات العزاء “أحيانا”، نحن من يلتف حول القنبلة وقت إبطالها “مش بيحصل والنبي؟ “نحن من ابتكرنا شخصية” أمنا الغولة “كقصة وحدوتة للأطفال!” هو في شعب كدا “نحن القادرون على تجاوز كل الأزمات” زي أهالينا زمان”  نحن اول من هزم الكورونا والقينا بالإجراءات الاحترازية في طيات النسيان نحن الشعب الذي يعالج الأمراض بالأعشاب ” وبتنفع وربنا ” نحن المحبون للحياة وللفكاهة وعلمناها لشعوب العالم.

وهنا يأتي السؤال اللولبي الساحر،،، ألا وهو: طيب وبعدين؟ وإيه المطلوب ؟

 والله أني لا استخف ولا أستهون ولا اقلل من حجم ما نمر به من محنة وأزمة وجائحة مريرة ولكن كل ما أحكيه وكل ما أتمناه هو مجرد وجهة نظر. 

 أحاول أن أدق ناقوس الخطر وأحذر نفسي وإياكم من الأمراض الناتجة عن الاكتئاب والحزن وآفة الإحباط اللعينة.

أجتهد أن أرفع شعار لا ،،، لا للنظارة السوداء، لا لضياع الدقائق وربما الساعات المهدورة التي يسمح بها ضميرك الإنساني أن تقضيها مع المتشائمين مرتدي النظارة السوداء، أو بمعنى أدق الأشخاص السوداويون. “والسوداوية –  “Melancholia معناها في معجم اللغة العربية هي مرض نفسيّ من أعراضه الحزن العميق والتشاؤم المطلق وهبوط النشاط الحركيّ ” استر يارب”. 

إن الارتباط أو مصاحبة ومتابعة هؤلاء الأشخاص ” وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ” مرهقة للغاية وتصيب بالإحباط والاكتئاب، بل وقد تؤدي إلى حالة من الاستسلام للأفكار والمشاعر التي يصدرونها لنا فهو حقا مرض معدي بمعنى الكلمة ونتائجه هي “هنتعب اكتر ونتخنق اكتر والدنيا هتغمق اكتر واكتر” 

واجب بل هو إلزام علينا محاولة التعامل مع الواقع ” حتى وإن كان مؤلم ” الاجتهاد في إيجاد البدائل الممكنة قدر المستطاع ، تفعيل مصطلحات التكيف والتأقلم والتعايش وتربية أبنائنا على التحمل والتعامل مع المحن والأزمات. وكل هذا مجرد وجهة نظر.

الخلاصة،،، ضاقت فلما استحكمت حلقاتها….. فرجت وكنت أظنها لا تفرج  

” الإمام الشافعي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى