يا للشَذا يتضوَّعُ
في مديح اللغة العربية
شعر: فرحان الخطيب
يا للشذا من رُدنِها يَتضوّعُ
حَاورتُها، نمشي معاً، أم أرجِعُ؟
فتلفتتْ والعشقُ في نَظراتِها تُوحي
بأنْ لا شيءَ عندي يمنعُ
جَاورتُها فَدنتْ جَمالاً قامةٌ
فَظننتُها فوق السّهى تتربّع
هامَسْتُها، لأبثَّ فيضَ مشاعري
مَالَتْ تميسُ بِقدّها تتدلّعُ
قالت: كأنكَ قدْ مَلكتَ شغافَنا
قلتُ: المحبُّ المُشتهي لايهجعُ
قالت أُحبُّكَ: قلتُ: فوقَ مقاصدي
حلمٌ بَدا أمْ فوقَ مَا أتوقّعُ؟
قالت أحُبّكَ: قلتُ: جُلُّ غَنائمي
وأنا لكِ الحبُّ السّنيُّ الأرْفعُ
قالت: أتعلمُ مَنْ تُجيبكَ، قلتُ:مَنْ؟
قالتْ: أنا مَنْ أنتَ بِي تتلفّعُ
فهتفتُ يا لغتي وظبيةَ وَاحَتي
رَفعَتْكِ للمَجْدِ الجهاتُ الأرْبعُ
يا أنتِ مَنْ أرْخى عنانَ قَصَائدي
وغدا لها بين الكواكبِ موضعُ
يا أنتِ مَنْ منحَ البلاغةَ حُسْنَها
وَنفَحْتِ أصْقاعَ الدُّنى ما أُبْدعُ
قالتْ وهبتُكَ ما استطعتُ من النّهى
بينَ المَحافلِ ما يسرُّ وينفعُ
فأنا، أنا لغةُ العروبةِ، لم يزلْ
جذري يُبرعمُ ما يفيدُ ويُمتعُ
وحَملتُ للآفاقِ فخْرَ رسالةٍ
من ألْفِها للياءِ نورٌ يَسطعُ
وَولجتُ دارَ السّندِ عشتُ كريمةً
وأنَا بأندلسٍ أعزُّ وأمنعُ
وبنيتُ في هَرَمِ الحضارةِ شاهقاً
رُكْناً مَهيبا لايذلُّ ويركعُ
جَذّرتُ، لو صُنتمْ براعمَ دَوحتي
لغَدوتمُ الطّودَ الذي لا يَجْزعُ
وأنا التي أزهرْتُ في رَبواتِها
ألقا يضيءُعلى الدُّنى يتوضّعُ
لا تقتلوا أمَّ العروبةِ إننّي
حرفٌ بِتِبْرِ المَكرُماتِ مُرصّعُ
يا أيُّها العربيّ كُنْ مَا أشتهي
لا لستَ ممنْ يستكينُ ويَخضعُ
مِن قبل ألف كنْتَ نسرَ غوايتي
مَنْ كان نَسراً يرتقي لايرجعُ
كان اليراعُ صديقَ سيفِ بُنوَّتي
يشدو بِمَعمعةٍ وَصُنْوهُ يصرعُ
وَجمعتُ أمصارَ العروبةِ، سَاءني
في يومنا عَربٌ أبَتْ تتجمّعُ
لا تخفتوا ضًوئي فإنّي نجمةٌ
لمّا تزلْ بينَ النّجومِ تُشعْشِعُ
حتّى تراتيلُ السّماءِ بخافقي
تُتْلى وأرجاءُ البسيطةِ تَسمعُ
وَهطلتُ إشراقا بأمداءِ الدُّنى
لُغةً وتأليفاً وشِعْراً يَصْدعُ
وأنا جداولُ سقسقاتِ نبوغكمْ
وأنا لأركانِ الثّقافةِ مَنبعُ
وأنا لعِشْقكَ قامةٌ ممشوقةٌ
حوْراءُ ماتعةُ الحضور وُتقنعُ
لغةّ تجدّدُ كلًّ وقتٍ مثلما
شمسُ تغيبُ وبعد حينٍ تطلعُ
لغة إمام للغات جميعها
حسنٌ وإشراق ولفظ أوسعُ
لتقول حتما كلما عانقتني
يا للشذا من رُدْنِها يتضوّعُ