الروائي فتحي سليمان |القاهرة
لقاء بالصدفة في القاهرة بين شاب أسواني وشابة سوفيتية!
هو أنجز للتو تقديم أوراقه لجامعة القاهرة كلية الهندسة.
هي تبحث في مكتبات وسط البلد عن قاموس عربي روسي.
الصدفة تكررت في يوم واحد مرتان…
في ذات الليلة سافر الشاب عائدًا لمحافظته….في محطة الوصول
وعلي الرصيف تفاجىء بنقر على زجاج عربة الدرجة الأولى…..
نظر الي العربة واذا بها هي نفس فتاة الصدفة!
من بين بخار نفثته الفتاة على الزجاج …..رسمت علامة الاستفهام
وكأنها تسأله بلا كلمات :
من أنت؟
وسط الزحام وسربعة شيّال المحطة واسئلة العم الذي جاء لاستقباله..
ضاعت أثار الفتاة…..
قال في نفسه ..غدًا أو بعد غد سوف أعثر عليها في بهو فندق أو بقارب
في النيل ..سائحة هي أكيد !
“النادي السوفيتي لخبراء السد العالي –أسوان”
ذهب الشاب “حسن مرابط” لاستلام العمل المؤقت بوساطة عمه الذي يعمل مشرف للعمال في موقع اقامة الخراء السوفييت.
دخل “حسن” غرفة بالخطأ .ظنًا منه أنها مخزن اليونيفورم .وأذا به
وجهًا لوجه أمام “فاطيمات” الممرضة!فتاة المكتبة والنقر على
الزجاج!
ألجمتها الدهشة عن الكلام.وتبادلا بضع كلمات ليتعارفا.
صارا زميلين في العمل وبدأ الحب في إرساء قواعد العشق بينهما.
في هذه الفترة جاءت الى أسوان جحافل العمال والمهندسين من كل أرجاء
المحروسة.امتلئت أسوان ومقاهيها وسهراتها بالحكاوي والنكات .
ليل اسوان طويل والرجال القادمون عزاب وظهرت على السطح
ضواحي جديدة على أسوان مثل الحكروب .
نظرة على طبيعة ناس الحكروب والوافدات الجدد صاحبات عشش الشاى
والوناسة التي تمت تحت أعين رجال الشرطة الرسمية.
“جولات في مدينة أسوان وسوقها الكبير”
كل يوم جمعة أصبح لهما طقس معتاد…تنزل فاطيمامن سيارة النادي
وتجد “حسن” في انتظارها ……خروجات على النيل والكورنيش القديم
وزيارة المعالم التي تخص اهل البلد.
وقبل موعد الباص بدقائق ….تعود لتنضم الى رحلة العودة لسكن العاملين.
ذهبا سويًا لكل معالم أسوان وفي مركب شراعي صغير ذهبت معه الى
منزل عائلته التي رحبت بها وأحبتها.
في كل مرة تزورهم كانت والدة حسن تقول:
“إنها مغادرة يا ولدي..ففردة حذائها اليمنى دائمًا تعتلي اليسرى وهذا فأل
ليس بجيد في عرف الجنويين”!
يوم شم النسيم تناولت معهم الفسيخ وملحقاته وأصابها توتّر معوى وتقيأت
ما أكلت وأعارتها الأخت الصغري لحسن بعض ملابسها.
يومها حضر أحد الأقارب ومعه كاميرا فوتوغرافية وألتقط للحبيبين صورة
للذكرى.
“موظف ال كي جي بي الشاب والموكل له مراقبة الافراد السوفييت
والتنصت على أحاديثهم واجتماعاتهم.لاحق الممرضة فاطيما
وتحرش بها وحاول فرض شخصه الغير مرغوب فيه عليها.
رفضت الانصياع له واشتكته لرئيستها.
السستر “جالينا” كبيرة الممرضات التي كانت ترعي قصة الحب بينها وبين الشاب الاسواني وتباركها…
نظرة على تاريخ عائلة الشاب الاسواني..
جاء على لسان رجل عجوز في إحدى سهرات السمر بالقهوة.
الجد هو “حسن مرابط” الشخصية الحقيقية لحادثة القفز من قلعة صلاح
الدين بالقاهرة قبل مذبحة المماليك بحوالي 4 شهور.
كان الشاب حسن في زيارة لأحد اقاربه يعمل في خدمة الوالي محمد علي
تعلل القريب بانشغاله في تحضير شيشة الوالي فذهب حسن الى الاسطبل.
راعه كمية الخيول الجميلة ورشاقتها ونظافة الاسطبلات ,اعتلى أحد
الخيول بدون سرج ..نفر الحصان من غرابة ملامح الفارس…صهل
محتدًا ثم حام وركض محاولًا التخلص من الغريب…
لاحظ المماليك البرجية الموقف فصاحوا على حراس الممرات ..ركض
الحصان خارج الاسطبل .جاء صوت اطلاق البارود فاشعل هياج
الحصان فرمح….
الشاب حسن فارس ماهر وممسك بشعر الحصان يحاول تهدئته وصوت
صراخ الحراس حرامي..حرامي
لفت انتباه الباشا الكبير فنظر من التراس وشاهد الموقف من عليين.
الشاب “حسن مرابط” قرر الهروب لتفاقم الموقف…الحراس يقفلون عليه
الممرات ..انطلق بالحصان نحو سور القلعة وهو العالم بتضاريس القلاع.
هناك في أخر ممر زغلله أكبر من زغلات البرجيين.مخصصة لالقاء
مخلفات الخيول المهروسة بالتبن.
غرفة بدون سقف وبابها اشبه بالشباك!!
قفز الفارس ملتصقًا بجدار القلعة وهو يضم رقبة الحصان الى صدره.
وفوق الروث هبط الحصان مذهولا ومرعوبا في الوقت الذي قفز
منه الفارس قبل الوصول للأرض بعدة أمتار..
الباشا محمد علي صاح معجبًا بمهارة الشاب الاسمر قائلا:
برافو فالاد…
واشار لعامل الشيشة الاسمر ايضًا:اتبع خطواته حتي يستقر وابلغه
أنني اريده من ضمن الحرس الخصوصي لي.
هذا الشاب اشترك في مذبحة باب العزب وظل بجوار الباشا ضمن فرقة
الخاصة الخديوية.
حتى قرر محمد علي انشاء معسكر للجيش المصري في اسوان ومنقباد
فسافر وتعين مرابط على موردة بولاق في اسوان.
وعلى جرف النيل العظيم بنى بيتًا له ولعائلته ومنها زوجته الثانية الامازيغية التي أنجبت له جيش من الخلفة.
حسن مرابط بطل هذه القصة هو الحفيد الذي يحمل دماء اسوانية
وأمازيغية.
وكل ما قيل عن المملوك الشارد ليس له في الواقع نصيب من الصحة.
بل الحكايةغير ذلك تمامًا….
“ليلة كسوف القمر………28 أغسطس 1960”
عائلة “حسن مرابط” في جبل حميثراء لزيارة الشيخ الشاذلي.
حج شعبي لمن لا يستطع الى الحج الفرض سبيلًا.
الاسرة بأكملها في سيارة وفي صباح يوم مشمس..يحملون زاد الايام
الي جوار الشيخ المريد.
“فاطيمات” ذهبت في سيارة تاكس الى منزل “حسن”لتفاجئه وتقضي
معه يوم الجمعة كاملًا. دفعت باب الحوش وملئت كفوفها بماء رشته
على حسن النائم في قشاط صيفي أبيض خفيف وحدث لقاء حميم بين العاشقان ونسيا الوقت والعالم خلفهما.
بينما القمر خلف الغيوم مكسوفًا والأطفال يتتصايحون ويقرعون
الصفائح المعدنية ويغنون”يابنات الحور .رجعوا للقمر النور.
في ظل عتمة الغروب راح الحبيبان ينعما بوصل البكارة ودهشتها.
وأمتنعت الدنيا عن مضايقتهما حتى دواجن الأم لم تسأل عن الحبوب
حين جاء موعد تغذيتها.
نيكولاي يراقب المنزل من بعيد في سيارة خاصة.
حسن وفاطيما انتبها لمرور الوقت واسرعا في سيارة أجرة حتي باب السكن بعد أن فاتها باص العمال.
ونيكولاي في أثرهما…
“إختفاء “باتيا”!!!!! 5 سبتمبر 1960
لم تحضر “باتيا” للعمل .حسن يستجدي الاجابة في عيون الجميع.
ظن في البدايةأنها تعاني من مشاكل نسائية! لكن السستر “جالينا”
قالت له في كلمات مقتضبة:
فاطيما لم تركب الباص هذا الصباح وعندما ذهبت لغرفتها لم تجدها!
حسن تسلم إخطاراً بانهاء عمله وتسليم عهدته ويونيفورمه!
حسن يدور حول سكن الممرضات …يطالع شرفة غرفتها المطلة على الطريق.يأتي كل صباح في موعد مرور الباص.
في السوق تخبره مدام “جالا” بأن حبيبته قد تم ترحيلها للقاهرة!
وموظف الكي جي بي هو من وراء هذا الموضوع.
وهي تتصنع الحديث الى البائع ونيكولاي يراقبها من بعيد,نصحت
حسن بسرعة السفر للقاهرة ليلحق بها.
القاهرة مرة ثانية………15 سبتمبر 1960
“حسن” يذرع شوارع القاهرة بحثـــًا عن حبيبته.
لا أثر ل “باتيا” ولا إجابات من موظفي السفارة !
أماكن تواجد الخبراء السوفييت.المركز الثقافي بالدقي.مساكن الدبلوماسيين
مقر وكالة أنباء “نوفوستي” بالزمالك…لا أثر ولا خبر!
وقوع حسن عليلًا في مقهي “وادي النيل” بالتحرير بعد خروجه من قهوة
“ايزائيفتش” وتكفل أخواله بنقله الى مركبهم النيلي وتمريضه.
أخوال حسن أصحاب مراكب نيلية لنق الغلال والفخار في النيل.
“مرض حسن” ………ديسيمبر
على سرير الهذيان والهزال لمدة 3 شهور…
أحد أصدقائه على سطح مركب نيلي يغني “يا حمام بتنوّح ليه
فكرت علي الحبايب” فيستدعي أمه ليطالبها باسكاته.
يقضي لياليه وهو يحتضن عروسة الماتريوشكا الخشبية ويتذكرز
التعافي والعودة للحياة وتقديم اعتذار مرضي لإدارة الكلية عن الدراسة.
العائلة تقرر تزويجه من إبنة خاله حتي يخرج من صمته ومرضه….
.ابريل 1960
يقبل كارهًا وهو تحت ضغط المرض والصدمة.تلاحظ أبنة خاله حالته
فتبادله نفورًا بنفور.
بعد فترة وجيزة من زواجه يعود “حسن”للقاهرة.
“سنوات الدراسة بالقاهرة” خريف عام 1961——1965″
انفصال جسدي وروحي عن الزوجة والطلاق مع إحتفاظها بطفلها “أحمد”
الزوجة تترك “اسوان” لتقيم مع عائلتها في “أسيـــوط”
والدها له ورشة لتصيح المراكب على جرف نهر النيل في أسيوط.
وتتزوج ابنة الخال من قريب لزوجة أبوها مسقط رأسه أسيوط.
وتنجب منه ويعيش الطفل “أحمد” معهم وتنشأ.
“حسن” ينخرط في دراسة الهندسة ويمضي معظم وقته في التسكع في
أماكن تواجد السوفييت ويتعلم مباديء اللغة حتي يتواصل مع القادمون
الجدد.
حسن ينهي دراسته بنجاح ويتقدم للحصول علي بعثة لروسيا.
“سنوات البعثة في روسيا” يناير 1966 —–نوفمبر 1970″
البحث عن “باتيـــا” !
الاتصال ب”سستر جالينا” بعد عودتها الى روسيا لمساعدته في الوصول
الى أي معلومة عن “باتيا”.
“جالينا” تذكره بموضوع خطابت فاطيما للشاعر الشهير فيذهب
لمقابلة شخص يمت بصلة القرابة للشاعر”عبد الله طوقان”
الذي راسلته “باتيا” من أسوان.
العثور على الخطابات …يهديها له الشخص رفقًا بحالته ويطيب خاطره.
التواصل مع ادارة الكي جي بي ويفاجيء بعد وجود مستند يدل على ماحدث!
الفشل التام في العثور علي “باتيا”….
نكسة 67 والحزن الذي أصاب حسن وشعوره بالعجز أمام الموقف.
انتهاء الدراسة والحصول على بكالوريوس وماجستير في هندسة محركات
ومواتير المراكب بكافة أنواعها .
وفاة الزعيم ناصر وبكاء حسن عليه وعلى نفسه.
العودة الي “القاهرة”
والحسرة تأكل قلب وعقل حسن.
. “عودة المهندس الأحمر “حسن مرابط”.
متاعب العائدين مع الرئيس السادات.
التضييق على أبناء موسكو….في العمل والتشكيك في نواياهم وولائهم لمصر!
العمل الحر مع أخواله في مجال إصلاح السفن والموتورات.
والتنقل بين محافظات مصر على النيل…وأصبح حسن ماركة مسجلة
في اصلاح المراكب لكل من شركة ايستمار وكل من خلف شركة توماس كوك وغيرها…
اللغة الروسية وترجمته لبعض النشرات الهندسية وضعت اسمه على قوائم
الشيوعين كلما نكل بهم السادات.
أكثر من مرة يصرخ حسن في زوار الفجر أنه ليس شيوعي ولا ينتمي الى اليسار ولا أي حزب.
كل مصيبته مشكلته أنه أحب روسية وبصدق.
القبض على “حسن” في تنظيم يساري.والافراج عنه أكثر من مرة.
المعتقل لفترات متقطعة…
أحداث أسيوط الارهابية ومقتل شهداء مديرية الأمن.
.”الزيارة المفاجئة” 1984
أحمد حسن الأبن في أسوان”ملتحي ويرتدي الجلباب القصير وغطاء رأس أبيض!
يبلغ والده بنية السفر للجهاد في كابول!
حوار بين الأب والأبن حول قصة افغانستان والروس ولعبة الأمم.
يحتد الحوار بينهما ويصرح الأبن أنه لم يأتي للأستئذان .بل فقط لأن
شيخه أمره بذلك.وأن علاقتهما لا تتعدى الأوراق الرسمية التي
لا يعترف بها لأنها صادرة من دولة كافرة.
الأبن يبلغ الوالد بثاني المفاجأت ….زوجة وأبن تركهما في أسيوط في رعاية والدته وزوجها..
فرح حسن بأنه أصبح جد….وأن هناك حفيد جديد لاسم مرابط.
حسن يقرر التكفل بهما وتعويض شعور الابوة لديه.
تختفي أخبار الأبن وتتصاعد أحداث أفغانستان ويظهر على السطح
أسماء مثل دوستم وسياف والقاعدة وطالبان وغيرهما من أباطرة الحرب
التي بدأت من تكسير تماثيل بوذية وأختلطت أوراق اللعبة التي قال
عنها السادات أن 99 9% من أوراقها في يد أمريكا.
“أحداث انتفاضة الحرامية 1977”
القبض على “حسن مرابط” يوم 19 يناير ….
الخروج من المعتقل بعد قرارات القاضي النزيه منير صليب والانتقال للعيش فوق مركب نيلي حتي يأمن القبض عليه مجددًا.
اغتيال “السادات” واستقرار الجد في القاهرة.
انتعاش الحركة السياحية النيلية وظهور امبراطورية مرابط لأصلاح
وتغيير ملامح العوامات السكنية الى مطاعم وكافتيريات.
الجد يشتري مركب ويحول رخصته الى سياحة ويتنقل به الى مدينة شرم الشيخ في بداية عصرها الذهبي.
ظهور اسماء جديدة في عالم السياحة النيلية أمثال غبور وعبد السميع وحسن مجدي حنين وغيرهما…..
وفي نفس الوقت ازدياد عدد المراكب السياحية واليخوت على أرصفة ميناء شرم والطور والغردقة والجنة.
“الجد والحفيد “مدثر” “
انتقال زوجة “أحمد” للعيش مع الأسرة في القاهرة في منزل الجد.
الجد يعوّض عاطفة الأبوة مع الحفيد…
استقرار الحياة في السنوات الأولي من حكم “مبارك”
الحفيد ينعم بحياة ناعمة في كنف جده وينتقل من مرحلة لأخرى
ويثبت أنه من خامة ممتازة سريع التعلم وذكي ويشبه جده في كثير
من الصفات…
تعلم لغات عديدة وداوم على زيارة المركزالثقافي الروسي في الدقي.
اختار دراسة السياحة والفنادق وذهب لأوروبا عدة مرات.
“الإرهاب يطول العائلة والدولة من فرد من أبنائها…..1997”
حادث الدير البحري ومقتل السياح الأجانب…..
الصدمة التي هزت عرش السياحة في طول وعرض الوادي…بشاعة
القتل للسياح الأبرياء.هروب الجناة الى كهف يفي الظهير الصحراوي.
مصرع الأبن “أحمد” على زملائه منفذي عملية الدير البحري.حيث التف الجناة وأطلقوا النار على بعضهم البعض ..إلا أن الأخير وهو أحمد حسن
مرابط ظل فيه رمق من الحياة.فقده عندما وصلت قوات الأمن الى الكهف.
التعرف على شخصية الإرهابي والقبض على الأب “حسن مرابط”
وضع العائلة تحت رقابة أمن الدولة..
ساعات من التحقيقات طالت الجميع ولم ينجدهم سوى شهادات الجميع
من مسئولين ومتعاملين بحسن السير والسلوك.
الحفيد ينهي دراسته ويعمل مدير لشركة سياحة ورحلات يمتلكها الجد
وشركاء من العهد المباركي ..تزدهر مدينة شرم وتصبح قبلة للسياحة
الأوروبية وتبدأ شركات السياحة التركية في جل السياح الروس بعد فترة
الخروج من الكساد الذي تسبب به يلتسين وجورباتشوف.
الحفيد يتعرف على فتاة روسية وتقع في غرامها!
تترك الفوج الذي جائت معه وتبقى مع مدثر في المدينة.
الجد يبارك العلاقة ويجد فيها توسية لما فقده من حبيبة وحياة.
حفل خطوبة للعريس الشاب على ظهر احدى المراكب الفاخرة في النيل.
ثم رحلة نيلية الي اسوان لزيارة العائلة في أجواء خرافية.
“روسيا مرة ثانية يوليو 2004”
الثلاثة في طريقهم لمقابلة أسرة العروسة…
عقد القران في قصر الزواج.
العروسان في رحلة عسل …والجد في موسكو يستعيد ذكرياته في المدينة التي يعششقها ويكرهها في نفس الوقت. ويهاتف أصدقاء الدراسة ويتطلع في وجوه الروسيات اللاتي في العقد
السادس وأواخر الخامس.
الحادثة التي أزعجت شهر العسل الأبيض..
شجار مع شباب هوليجانز واصابة الحفيد ونقله للمستشفي.
الجد يسافر ملتاعًا للأطمئنان على الحفيد.
الممرضة الشابة التي تقوم على رعايته تسأل عن معنى الأسماء المصرية
ويصير بينها وبين “مدثر” وزوجته علاقة صداقة وتتعرف على الجد
كلما جاء لزيارة الحفيد.
عندما جاءت سيرة “اسوان” والسد العالي ظهرت المفاجأة الكبرى!
الممرضة قالت وهي لا تعرف كيف تصيغ كلماتها :
هل مرابط قريبة المعنى من “أرباط” الكلمة الروسية التي تطلق على واحد
م أكبر وأطول شوارع العاصمة؟
شرح لها الجد وتكلم وأسهب وسرد مقاطع من حياته وعلاقته بروسيا
و……. جاءت على لسانه كلمة “فاطيمات” !!
عندها صاحت الممرضة الشابة:
يبدو أنني حفيدتك!
خيم الصمت على الجميع فبادرت الشابة بتقديم عرض بزيارة منزلها
ودعمته بأن مدثر سيخرج اليوم أو الغد على أكثر الاحتمالات.
الجميع في منزل “ناديا” والدة الممرضة.
منزل ريفي مبني من الخشب وحوله حديقة صغيرة وسور
قصير من الخشب الأبيض.ودجاجات تمرح وتلتقط الحبوب.
وهم يشربون أكواب شاى ساخن وضع شخص ما مفتاح في
مقبض الباب .
دخلت سيدة في حوالي الاربعينات تحمل كيسًا به بعض مشتريات
جافة , سمراء لها ملامح الجد خاصة أنفه وشعره الأسود المجعد.
وقف حسن ولسانه معقود وكفيه مفتوحتان كمن يتسائل عن ما الذي
يجري هنا بحق الألهة؟؟
والممرضة الشابة جاءت من غرفة النوم الداخلية وهي تحمل
صورة ابيض واسود في اطار خشبي .ادارت الشابة البرواز
واذا بها “فاطيما وهي ترتدي الملس الاسود الخاص بوالدة حسن
يوم أن عزمتها الاسرة في شم النسيم وأفرغت فاطيما معدتها
من أكلة الفسيخ.واستبدلت ملابسها بهذا الزي المحلي.
بكى الجد “حسن” وهو يحتضن البرواز والأبنة تحتضنه وتقبله وتحكي حكاية أمها مع تقرير الكي جي بي المزيف عنها…..
وسنوات المعتقل والبرد القارص والعذاب ومولد الأبنة وعناء
تربيتها في ظل التهمة والمحاكمات والانتقال من سجن لأخر.
الباقون في الغرفة التزموا الصمت المقدس..فكل تفصيلة تحتاج لدهر
لتحكى وتستدعي لأطنان من الدموع لتمحى.
“أمـــام قبر الحبيبة”
زيارة من الجد لقبر معشوقته والبكاء الحار .
المكان الوحيد الذي لم يخطر على بال حسن مرابط البحث فيه!
والأبنة تكمل حكاية المنفى والعذاب الذي لاقته والدتها ومرضها الشديد
ووفاتها بعد إعلان برائتها .
العودة الى الوطـــن………4 أغسطس 2004
الجد وعلى يساره الحفيد وزوجة الحفيد بينما تركن الأبنة رأسها على
كتف والدها وبجوارها ابنتها في طائرة تتجه للقاهرة….
علي المقاعد التي تجاور الشباك يجلس شابان ذاهبان للقاهرة علم منهما الجد أنهما في طريقهما لأسوان من أجل تجديد مولدات الكهرباء للسد العالي….
من الشباك أسراب طيور تهرب من البرد الشمالي الى دفء الجنوب.