مقال

وَصْلاً برابعتنا البغداديَّة

د. محمد الواضح | أكاديمي من العراق
mohalwadh1981@gmail.com

  هل يُمكِن للأزمانِ أن تُعيد إنتاج الأرواح وتناسخها رغم بُعْد المسافات وتشاطؤ تخومها؟سؤال قد يحاكي خطرات النفس حين تظمأ لروح المشبه به ماءً يروي عطش التَّعبير، ويسدُّ فراغ المشابهة والتناظر والتمثيل بحثًا يقارب من سحر الأنموذج!
تحضر روحُ المتصوفَّةِ البصريَّةِ أمِّ الخَيْر “رابعة العدوية” شهيدةِ العشقِ الإلهيّ في وَعْي رابعتِنا البغداديَّة “نظلة الجبوري” عشقـًا صوفيًّا سرمديًّا، تجلَّى ذلك واضحًا في سرديّات سيرتِها وآثارها،فهي الإنسانةُ والأكاديميةُ العراقية البغدادية التي نذرتْ عُمُرها وقفًا على دكّة التصوف، تطوف على تواشيح أنغامه ورقصاته الروحية، وتتّخذه سلوكًا وحبًّا، وتحترفه دراسةً وتدريسًا وتأليفًا؛ إذ تُعدّ الأكاديمية العراقية البارزة في مجال الدراسات الصوفية المعاصرة، فمن (الفكر الصوفي مقاربات في المصطلح والمنهج واللغة) إلى (سلاطين المتصوفة في العشق والمعرفة)، و(نصوص المصطلح الصوفي في الإسلام) و(معجم نصوص المصطلح الصوفي في الإسلام) الى دراسات وأبحاث أُخر يضيق المقام عن ذكرها، ولم يقتصرْ حراكُها الصوفيُّ على الدَّرس الأكاديميّ، بل كان لاستجابتها في التأسيس لـ(ملتقى التصوف البغدادي) أثرُها الثقافي البارز في شارع الثقافة والجمال(شارع المتنبي)؛ إذ تشكَّلَ هذا الملتقى برئاستها ومعيَّة مجموعة من المهتمين في هذا المجال، ليقدم الملتقى اشتغالا صوفيا مهما تحت شعار (التصوف جمال الروح) وبرؤى وقراءاتٍ ثقافية معاصرة؛ويكون نافذة جمالٍ نطلُّ منها على أبرز متصوِّفة بغداد، بغداد حاضرة التصوف المشرقي في العالم، فمن سير أبي هاشم الزاهد، ومعروف الكرخي، وبشر الحافي، ومنصور بن عمار، والحارث المحاسبي، وسري السقطي، وأبي سعيد الخراز، والجنيد والحلاج، والشبلي كانت لنا بمعيّتها منطلقات ووقفات مضيئة باذخة بالجمال،والمعرفة والصفاء،أثرينا بها صباحات بغداد الجميلة في المركز الثقافي البغدادي الشاخص الشاهد على ميلاد كثير من المبادرات الثقافيةالجمالية وتوقيعات بياناتها الثقافية، كما حضر التصوُّف في فكر (رابعتنا البغدادية)من خلال هذا الملتقى حلولا إنسانية وحاجات بشرية للكثير من المشكلات الاجتماعية بوصفه متنًا حاملا لمبادئ السلام الروحي والتسامح في قبالة مايشهده العالم اليوم من صراعات ونزاعات لعبت فيها موجات التطرف والعصبية دورا بارزا في مختلف مجالات الحياة، من خلال اشتغالات ثقافية مهمة ومتنوعة شارك فيها مختصون ومهتمون.


لعل مُغْرى الحديث يطول عن رابعتنا البغدادية، فمهما كتمنا في حسناتها عملا بوصاة رابعة الأمّ أمَّ الخير: (اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم) ستذاع “نظلة” عطرا، ينجاب من صباحات التصوف وإشراقاته وهي تتنسَّكه جمالا روحيا لاتملُّ فيوضاتِهِ ولذاذاتِه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى