بقلم: هندة العكرمي – تونس
تمتلك المرأة في شعر عصمت الدوسكي قدرة خاصة على جعل قيمتها كبيرة مقبولة مؤثرة تستمد فاعليتها من عظمة المادة الشعرية أم الروائية.ولا غرابة في ذلك فالشاعر يستطيع من خلال عرضه لواقع التجربة الإنسانية لدى المرأة أن يقف على طبيعتها ككائن بشري وكيفية إدراكها لغاياتها ودوافعها، ستبرز في جل قصائده هي المركزة للأمة وللطبيعة الإنسانية برمتها.
وبالرغم أن الشاعر ليس مطالبا أبدا بتصوير جميع مشاغل عصره وإنما يكفيه الإلماع إلى نماذج من هذه القضايا الاجتماعية كانت أو الفكرية موظفا المرأة وجمالها واهتماماتها فيتتبعها ويستخرجها في خضم الجزئيات العديدة فتوصف تلك الجزئيات باهتمام في الطبيعة ويربطها بالوضع الاجتماعي في مرحلة ثانية فتجده تارة يلتمس لها الأعذار حينما لا تكون كما اعتدنا أن تكون فربما يراها الشاعر في غير عالمنا وربما صدره يحتوي على ما لا يستطيع البوح به لهذا نجده في قصيدة ” الإدمان ” يقول:
(كم من حبيب عاش مغتربا
في غربته يرسم حلم عاق
فلا العاشق يهمد من لوعته
ولا الناس للعشاق عشاق) .
تصاعد في غضب عصمت شاهين دوسكي وتمرده في محاورته لذاته فانطلق مما وجداني ذاتي (عاش مغتربا) ويقصد نفسه ،إلى موقف رافض للحياة وللمعهود (ولا الناس للعشاق.. عشاق) هنا محاورة الشاعر لذاته تكشف عن عالم الشخصية وتحليل وقعها في نسيج الوقائع التي يراها ورؤيته تأخذ مدارات واسعة ومضامين تحتاج إلى حلول والنظر بشكل أوسع ولا أدل على ذلك من قوله في قصيدته ” حضارة القشور ”
(ما لك واهنة والدمع في عينيك
وعلى خديك بثور ؟
ما بك مكسورة الظهر
كالحدباء يمرون بك على القبور ؟
كنا نربي الأجيال على الوفاء
يبنون دار ودور) .
هنا تواترت صيغ الاستفهام لتبدو المقصودة ذات متضخمة مريضة فالظاهري هي الحضارة وفي الباطني المرأة أساس الأمة فيبرزها شخصية عادية الذكاء ولكنها عبقرية مضطهدة ليخلص إلى أن المرأة ضحية لمؤامرة طرفاها سوء الحظ وفساد النفوس في مجتمع يدعي الإلوهية والإسلام فجعل منها شخصية مريضة تشعر بالقهر والعذاب اصدم رأسها بجدار مسدود لعل هذا الجدار يشرخ ويدخل من خلاله النور وبعد ذلك كله نجد الشاعر ينادي في قصيدته حضارة القشور ..
(أين الصبايا والنساء
رجمن ، صلبن
لُعُنً ،اغتصبن ،
رموا أجسادهن في تنور ؟
لا يتجلى عدل
يغيم الأمل
في ظل قهر مقهور) .
المرأة هنا تتخطى دلالة الحضور الاجتماعي والوجداني لتكون صورة رمزا للحياة تطمع الإنسان ولا تمنحه ما يريد لأن الشاعر أدخلها إلى هوس العاطفة المتأججة دون أن ينزلق بها إلى الميوعة أو أن يجانب الصدق “لا يكذب في شأنها” وهذا في حد ذاته إعلاء من شأنها وكرامتها لأن الشاعر في فطرته وعاداته ومنشأه معترف بفضل “المرأة” واعتبر فضلها وشرفها موقوف على اقتناع البشر بالتميز بين الجيد والرديء وبين الصائب والخاطئ والنظر في الأول والآخر على أن لكل أمة فضائل ورذائل ولكل قوم محاسن ومساوئ ولكل طائفة من البشر ارتقاء وتقصير فلا لوم على المرأة عند الدوسكي ولا لوم على الدوسكي في إنصاف المرأة فكل ما لحق بالمرأة إنما هو حكم الغالب على المغلوب لذلك بنى الدوسكي في جل قصائده للمرأة عالما خاصا يرتقي البناء فيه بدلا عن الانهيار باحثا لها عن أدوار منصفة قيمة خارج منظومة القيم السائدة ويغلب أن تنتهي نهايات مشوقة لأنه سعى بها لاختراق سلسلة الأنظمة المهيمنة كالأسرة والطبقة والعادات السائدة فلا يتردد الدوسكي في دفعها ليحرر أنثاه فقط .