مقال

لفظ الجلالة الله

بقلم: محسن جهاد الماجدي
الحمد لله رب العالمين، وخالق السَّموات والأرضين، فالق الحب والنَّوى، وربّ الأرباب والأكوان، وربّ العرش العظيم، والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا ورسولنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين أما بعد. فإنّ الكلام العربي يتكون من ثلاث أيقونات كبيرة، هي: الأسماء، والأفعال، والحروف، واللُّغة عموما هي: توقيفية وهذا ما سنكتب عنه في موضوع آخر، وعن أصلها بعيدا عن الآراء الغريبة، التي وصلت إلى حد أن علماء اللغة من تخبطهم، قالوا: البحث في أصل اللّغة بحث عقيم، ولا يتوصل إلى نتيجة. وأهم أيقونة في اللُّغة العربية، هي الأسماء، إذ يدل الاسم على الثَّبات والدَّوام. وقال سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: (وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلْأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنبِـُٔونِى بِأَسْمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ) (البقرة:31) والتَّعليم هو إيحاء من ألله العَّزيز القَّدير، وألله يوحي إلى أنبيائه وخلقه بما يشاء، إذ قال في محكم كتابه العزيز:(وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِىٓ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ) (القصص:7 ) وكذلك (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (النَّحل: 68). ومما ذكره النُّحاة أن الاسم يدل على الثَّبات والدَّوام هو قوله في محكم كتابه المجيد: (وَمَا كَانَ أللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ أللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال:33) وهذا دليل واضح وفرق جلِّي بين الأفعال والأسماء، إذ بيَّن ألله (عزَّ وجلَّ) الفرق بينهما، حيث كان الفعل (يعذِّبهم) لفترة محدَّدة، دالة على بقاء الرَّسول الأكرم صلّى ألله عليه وآله وسلّم بينهم، أما الاسم (معذِّبهم) فهو دال على أنَّ الاستغفار دائم. فالإنسان بعقله المحدود، يعرف الأسماء كلَّها، وكذلك يعرف أنها تدل على الدَّوام، فكيف بالخالق؟، فالخالق شاء أن يكون له اسم عظيم، كعظمته، وكما جاء في محكم كتابه الكريم (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشُّورى:11)، مثلما تكون الأشياء التي تختص به (جلَّ وعلا). ولفظ الجلالة (ألله) اسم جامد: مرتجل، ليس بمشتق البتة، وإلى هذا ذهب أبو بكر بن العربي (ت 543هـ)، وأبو القاسم السُّهيلي (ت 581هـ)، وفخر الدين الرّازي (ت 606هـ)، وكثير من الأصوليين والفقهاء، وقالوا: إن اسم “ألله” غير مشتق؛ لأن الاشتقاق يستلزم مادةً يُشتق منها، واسمه تعالى قديم، والقديم لا مادة له، فيستحيل الاشتقاق، وقالوا: إنه يدل على الذَّات مجردةً، من غير اعتبار أيِّ صفة، وعلى الوجود الحق الموصوف بصفات الجلال والكمال، دلالةً مطلقةً غير مقيدة بقيد؛ ولأن العرب عاملته معاملة الأسماء الأعلام في النداء، فجمعوا بينه وبين ياء النداء، فقالوا: يا ألله، ولو كان مشتقًا لكانت ألفه ولامه زائدتين، وهما أصليتان لازمتان من أصل الكلمة، لذا فأنا من القائلين بهذا الرأي، ومن المؤيدين له جملة وتفصيلا. وأرفض الرَّأي القائل بأن لفظ الجلالة هو من لفظ إله وأدخل عليه ال التعريف، وهذا الرَّأي يخلو من المنطق، إذ ليس من الممكن أن تنادي الخالق العظيم بالإله، ثم تحذف همزته لتجعل منه اسما مشتقا وتقول: إن هذا اسم ألله (عزَّ وجلّ). فهل من الممكن أن تنادي موظفا بسيطا: يا الموظف، أو أخاك: يا الأخ، فهذا ليس منطقيا، لذا أن لفظ الجلالة ألله هو الاسم الذي ذكره سبحانه وتعالى في كتبه وخصَّ به القرآن وقال (عزَّ وجلَّ) في محكم كتابه المجيد: (هُوَ أللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ أللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر23) لذا علينا أن نجعل من اسم الله الأعظم خاصا دون أن نتلاعب به، هو اسمه (جلَّ وعلا) بعيدا عن إله مع أنه الإله الأوحد والأعظم الذي ليس كمثله شيء، وصفوة القول أن لفظ الجلالة هو ألله ويكون على زنة فعّال الهمزة فاؤه، واللام عينه والهاء لامه. ولابد أن يكتب مهموزا بهذه الصفة (ألله) تميزه اللام المفخَّمة وكما قلنا: يمتاز ألله بكلّ شيء حتى باسمه (جلَّ وعلا) وتنزَّه عن باقي المخلوقات فضلا عن أن الأسماء كلِّها همزتها همزة قطع، فكيف لنا أن نكتب يوم الإثنين بهمزة قطع وإنتصار كذلك إذا سمّي بهما ولا نكتب اسم ألله الأعظم وهو اسم يدل على الذات الإلهية ونجعل منه إله معرّف بال مع أنه اسم قديم لذا أعيدوا للفظ الجلالة همزته واكتبوه ألله (هُوَ أللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ أللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ أللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ أللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر:22-24).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى