تجاعيد الماء (14)

(روح)

سوسن صالحة أحمد| شاعرة وكاتبة سورية تقيم في كندا

تلك الروح غائبة في صفحة السماء، كغيمة تُمطر كل الأرض لا تأبه أين توزع غيثها، ولا تنتظر سوى أن ترى فرح الأرض بالزهر، والماء بالازدياد، ترش زخًا يسد جوع البياض والسواد للألوان، يروي عطش الأرض.
ارتضت أن تكون عطاءً بلا مقابل، الذي ما خطر لها يومًا أنّ العطاء له مُقابل، العطاء لأجل العطاء هو كل علمها ومعرفتها.
تئِن من التحليق يومًا دون إرادتها، تشعر بحاجة لبعضٍ من تراب يجلو لها صورة نفسها.
تحليقها دومًا يجعلهم يعتقدون اختفاءها، وهي إنما ارتقت من أجلهم، لتمطرهم دون انقطاع، تفرد أجنحتها ظلاً لهم، يدرأ عنهم رَشق المطر و يقيهم حر شمس أيامهم.
تشتهي أحيانًا أن تعود من غيابها عنها وبهم، تسافر في فضاءات تحلم بها، تألف روحًا أخرى تشاركها سفرًا مُشتهى، منفردة ومتفردة.
تطالها يد اللوم لمجرد الغياب بهم، فكيف إنْ فكرت بالسّفر ولو لمرّة واحدة من أجلها!
اعتادوها هكذا، نسوا أنها روح ككل الأرواح، تحتاج بعض مطر، بعض شمس، بعض تراب، تحتاج من يشرب دمعها، هي المُحلقة دومًا، يثير دهشتهم أن تصبح كأهل التراب، لها حاجة كحاجتهم، تفقدها القُدرة على الصبر والغياب.
تلك الروح مُقيدة تشتهي أن تتحرر، غير أن طينتها تتشكل لأجلهم بطواعية الماء، ولأجلها ترفض التشكل وبإصراره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى