فكر

تعلم كيف تضحك

أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري
كتب الفنان “أوسكار وايلد” يوماً بعض العبارات التي تستحق التوقف الطويل؛ فقد تعجّب من “دانتي” في كتابه الكوميديا الإلهية، حيث جعل الذين عاشوا عامدين في جو من الحزن يقبعون في الدرك الأسفل من النار، وجعل أولئك العابسين في الربيع الجميل الضاحك يتمرغون في الأوحال والمستنقعات. وكان “وايلد” قد عزم أن تفارقه الابتسامة فراقاً ليس بعده لقاء، وأن يلازمه طابع الحزن ملازمة دائمة، وأن يجعل من بيته مأوى للهموم، وذلك ليعلّم من حوله أن الكآبة سر الحياة. حتى ثبت له أنه من غير اللائق أن يلقى أصحابه عابساً واجماً، فيضطرهم إلى لقائه -من باب المشاركة- أكثر وجوماً وحزناً، وإذا به يعلّم نفسه كيف يبدو سعيداً قرير العين مسروراً؛ فقد تبين له أن الحياة وإن بدت تجربة حزينة؛ إلا أنها تستوجب الاصطبار. وسرعان ما أدرك أن الابتسام واحتمال الحزن هما سر الحياة، وأن المبتسمين هم الحزانى الحقيقيون في هذا العالم، وهم الفاهمون لجوهر الحياة.
والمتأمل للعبارات السابقة سيلحظ أن الذين حققوا النجاح في الحياة احتملوا كثيراً من المصاعب وهم يبتسمون وتعلوهم البشاشة والتفاؤل، وكما يقول “إمرسون” المفكر الأمريكي المعروف: ينبغي أن يكون البطل مرحاً. وأبطال التاريخ متفائلون رغم أن بعضهم غارق في لجة الأحزان، إلا أننا نراهم مبتسمين وهم يقتحمون المصاعب، حتى تسلم نفوسهم من التمزق الذي يؤدي بهم إلى التردد وفقدان الهدف.
ولقد دُهشت من المتتبعين لحياة بعض الأدباء فوجدوا أن بعضهم كان يعاني حزناً وانطواء شديداً، إلا أنهم استطاعوا أن يسيطروا على إحساسهم بالحزن والمأساة؛ فاستخدموا الفكاهة في كتاباتهم حتى يلطفوا هذا الشعور الكئيب، ويعبروا عنه بطريقة راقية. ولقد ألمح توفيق الحكيم إلى ذلك، فأشار إلى أن الحياة تصنع المأساة، ولكن الفرح والابتسام هما الشيء الذي نخلقه، لنبني أسواراً حول العاصفة التي في داخلنا حتى لا ندع لها الفرصة لتدميرنا والقضاء علينا.
إن الابتسامة هي الاكتشاف الذي توصلت إليه النفوس العميقة التي شربت من كؤوس المرارة، وأدركت أن أعظم ما في الحياة هو احتمال الحياة والترفع عن أذاها ومشاكلها، والاستغناء الجميل عن إرضاء الذات، والاكتفاء بسعادة الرضا الداخلي، وتدريب النفس على الاحتمال.
لقد قضى المصريون القدماء حياتهم في الاستعداد للموت ببناء المعابد والمقابر، مما يدل على روح الحزن العميقة في نفوسهم، ولكن الغريب أن المصريين مزجوا ذلك بروح السخرية والمرح في تناقض عجيب.
ومن جميل ما كتب نيتشه على لسان زرادشت: “لقد أتيت بشريعة الضحك، فيا أيها الإنسان الأعلى تعلم كيف تضحك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى