فكر

الشباب والثقافة والإعلام والقيم الاجتماعية

على ضوء تقرير التنمية الإنسانية العربية 2016

حواس محمود | كاتب وباحث مقيم بالنرويج

موضوع الشباب موضوع هام وحساس جدا في العالم العربي، الشباب يشكلون الكتلة الأكثر طاقة وحيوية وتجددا ونشاطا وقدرة على الحراك التنموي والنهضوي والثوري من الفئات العمرية الأخرى، وذلك من خلال الانطلاق من التعليم والتربية والثقافة والاعلام والقيم الاجتماعية

من هنا تنبزغ أهمية الشباب واهمية الدراسات المختلفة حولهم، ومن هنا أيضا تأتي أهمية الاهتمام الراهن ب تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2016 الموسوم بـ ” الشباب في المنطقة العربية .. آفاق التنمية الإنسانية في واقع متغير “

الشباب والقيم في زمن الانتفاضات .. الأرقام تتحدث:

يشير التقرير الى ان تحليل استطلاعات الرأي العالمية ” تبرز خمس نتائج أساسية متقاطعة من تحليل المواقف والقيم بين الشباب العرب بشان الفرد والعائلة، والكيان السياسي والمجتمع، يشعر الشباب برضا اقل عن واقعهم ولا يمكنهم ان يتحكموا بمستقبلهم على نحو مماثل للشباب في بقاع العالم الأخرى، ويتجلى هذا التفاوت على الرغم من توجه المنطقة العربية الى تبني بعض اقل القيم محافظة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك تنامي بعض الدعم للمساواة بين الجنسين، وارتفاع مستوى المشاركة المدنية، غير ان شباب المنطقة بشكل عام ما زال ذوي نزعة محافظة في ابعاد عديدة بالمقارنة مع الشباب في بلدان أخرى على المستوى نفسه من التنمية، ولا سيما في مجال المساواة الكاملة بين الجنسين، وفصل الدين عن الدولة ، والتسامح الاجتماعي والديني والطاعة ، وقد تغيرت الآراء بصورة واضحة في اتجاهين منذ انتفاضات عام 2011 ، اتجاه تحرري وآخر محافظ ، وثمة تباينات كبيرة، لكن المنطقة تظهر سمات مشتركة كثيرة ، كما يتجلى بصورة مثيرة على المدى القصير في الانتشار السريع لآراء سياسية جديدة نابعة من الانتفاضات ” انظر الجدول 1-2 من الفصل الثاني من التقرير والموسوم ب ” القيم والهويات والمشاركة المدنية “.

بالاستناد الى هذا التقرير واستطلاعات الرأي العالمية والمتضمنة ان الشباب يشعرون برضا اقل عن واقعهم وليس بإمكانهم التحكم بمستقبلهم على نحو مماثل للشباب في بقاع العالم الأخرى، يمكننا تحليل ذلك بأن عوامل هذه الحالة تعود الى ضعف الثقافة العلمية لدى الشباب (ضعف التمكين من خلال عملية التعليم ) وتأثرهم بالموروث الثقافي للآباء وسيطرة القيم الابوية وضعف ومحدودية الحرية الفردية لدى الشباب رغم حالة التحفز والتحرك لديهم للخروج من القوقعة الابوية والاطر الاجتماعية التقليدية ومحاكاة الشباب في البلدان الأخرى عبر التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي وأيضا بسبب حالة الاستبداد المقيم وتأثيره على منظومة الفكر والقيم لدى الشباب .

ويقول التقرير “صارت السلطات الحاكمة والمجتمعات الأبوية، والمساجد ، والمدارس، ووسائل الاعلام، وأجهزة المخابرات، أدوات لقمع الاختلاف والتعبير عن الرأي باستقلالية ونجحت كلها في خلق حالة من الاستقرار السياسي، رغم النمو الاقتصادي المحدود- باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي – وسياسات خارجية لا تتمتع بمساندة شعبية في الغالب، وتصاعد الفساد، وتعاظم القمع للحقوق المدنية والسياسية “.

نعم، لقد قامت الأنظمة العربية/ عدا دول مجلس التعاون الخليجي/ عبر وسائل القمع القاسي (المخابرات – الاعتقالات – النفي القسري – المضايقات الأمنية) ووسائل القمع الناعم (المدارس – المساجد –وسائل الاعلام) بإيجاد استقرار قسري رغم النمو الاقتصادي المحدود ، ولعل هذه الحالة الأمنية التي امتدت عقودا من السنين ، مبررة بمواجهة إسرائيل ، دون وجود تغطية اقتصادية لقمعها أي بوجود القمع وغياب التنمية الاقتصادية ، ما أدى الى تراكم عدم الرضا وبخاصة بين الشباب إزاء السلطات العربية ، واستفحال الازمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وكانت الفئة الأكثر تهيؤا لمناهضة هذه السياسات هي الفئة الشبابية لما لها من قدرات الحيوية والديناميكية والطاقة المتجددة، والتي تتقبل الجديد وترفض الانصياع للموروث السلبي وترفض قبول التحكم والاستبداد من قبل الأنظمة الحاكمة ، انها لم تكن راضية عن ممارسات هذه الأنظمة ولهذا عندما سنحت الفرصة لها ثارت عليها عبر انتفاضات ما سمي بالربيع العربي عام 2011 وهذا ما يشير اليه التقرير ان الشباب في المنطقة العربية يرون ” انهم يشعرون بمستويات متدنية للغاية من الرضا مع الافتقار الى التحكم الذي يمكنهم ممارسته في صياغة مسار حياتهم “

التعبير عن الذات:

بعرف التقرير التعبير عن الذات بأنه ” القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة والابتكار كما تدعو الحاجة من دون قيود اجتماعية لا داعي لها وترتبط فكرة التعبير عن الذات ارتباطا وثيقا بالمفاهيم الواردة في نهج امارتيا سن للإمكانات وتتناول عدة أسئلة في مسح القيم العالمي اراء حول قيم ذات صلة “.

ويشير التقرير الى ان الفاعلية المعبرة ذاتيا او الفردانية ، ترتفع عادة بالتوازي مع التحصيل العلمي الأعلى والتحضر، وإمكان الحصول على المعارف والمعلومات التي توسع موارد الناس الفكرية ما يؤدي بهم ان يصبحوا معرفيا اكثر استقلالا ، وغالبا ما يرتبط التعبير عن الذات – كما يشير التقرير – بقوى إيجابية للتغيير الاجتماعي ، خصوصا المطالبات بقدر اكبر للمساواة السياسية والمساواة بين الجنسين ، كما يرتبط إيجابا مع العمل المدني ،والتسامح الاجتماعي والديني في جميع البلدان وبين الأفراد في البلدان العربية ( الجدول 1-2 )

ويشير التقرير إلى أن قيم التعبير عن الذات متبناة بصورة اكثر في العالم العربي بين الشباب الارفع تعليما ، مع أن أيا من العاملين لا يترجم الى تعبير عن الذات على المستوى المشترك في بقية العالم وفي العديد من بلدان المنطقة ، لا تزال السلطة الابوية مهيمنة وتقيد سلوك الافراد وتعبيرهم عن الذات ، ومع ان الشباب العرب اصبحوا اكثر تعبيرا عن الذات ، الا ان القيم المرتبطة بهذا التعبير أضعف في المنطقة بالنسبة الى بقية العالم بنحو 11 في المئة ، وبصورة عامة غالبا ما تظهر بلدان الدخل الأعلى والبلدان الأكثر ديموقراطية مستوى أعلى من التعبير عن الذات ، وهذا ما ينطبق أيضا على بلدان ذات مستويات أعلى للتغلغل الإعلامي، وبلدان تعتمد بصورة أقل على الدخل من مصدر واحد كالنفط “

اذن مستوى التعليم ومستوى الديموقراطية ومستوى التغلغل الإعلامي والبلدان التي تعتمد على اكثر من مصدر واحد للدخل، كل هذه العوامل تؤثر في سوية التعبير عن الذات ، كلما ازدادت وتيرتها ونسبتها كلما ازداد التعبير عن الذات .

التواصل الالكتروني:

ان التماس المباشر للشباب العربي مع التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي أدى الى انكشاف السلطات العربية على حقيقتها من خلال اطلاع الشباب على واقع الحال في العالم العربي وما تمارسه سلطات الاستبداد من قمع وانتهاك للحريات الفردية والجماعية وتغييب المناخات السياسية وتقييد حريات التعبير ونشر مناخات الفساد والافساد والحد بشكل كبير من انتشار منظمات ومؤسسات المجتمع المدني وعسكرة الاقتصاد، لقد كان التراكم الحقيقي للممارسات الانفة ذكرها وانكشافها الكبير والواسع امام الشباب الذي يتسم بعدم الرضا عن أداء هذه السلطات وامتلاكها في الان ذاته لوسائل اتصال جديدة قادرة على نشر هذه الممارسات محليا وعالميا ، اقول ان العمليتين: الممارسات ونشر المعلومات عنها وتبادلها السريع من قبل الشباب كانتا بمثابة الشرارة الأولى للانتفاضات العربية .

يشير التقرير الى أن الشباب العرب يضاهون اقرانهم في ارجاء العالم مدى ترابطهم مع المصادر الالكترونية للمعلومات، لقد أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي جزءا أساسيا من حياتهم اليومية فقد قفز استخدام الهواتف من مستوى 26 % الذي كان دون المعدل العالمي عام 2005 الى نحو 108 % عام 2015 وهو اعلى من المعدل العالمي ، وتمثل زيادة من 5 ملايين اشتراك عام 2000 الى 141 مليونا عام 2015 وبين من لهم حسابات على الفايسبوك 67 % شباب أعمارهم 15-29 وذكر مسح أصداء بيرسون – مارستيلر للشباب العرب عام 2013 ان ما يزيد على 50% من الشباب المرتبطين الكترونيا في اعمار 15-24 ناشطون على تويتر و46 % يقرأون المدونات ( 18 % لهم مدونات خاصة بهم ).

كل الأرقام والنسب المئوية المذكورة آنفا تشير الى مدى الصلة الوثيقة بين الشباب العربي ووسائل الاعلام الجديد الى درجة انتشار مفهوم ” المواطن الصحفي ” اذ انه وبخاصة زمن الانتفاضات كان بوسع المواطن وغالبا الشاب منه نشر المعلومة مرفقة بالصورة المباشرة للحدث الساخن .

لقد كانت الأنظمة العربية في بداية الالفية الجديدة ترتعب من العولمة وكانت تحاربها بشراسة في وسائل الاعلام ( تحت ذريعة حماية التراث او استقلالية الدولة أو الخصوصية الثقافية ) لأنها كانت واثقة ان انتشار المعلومات بين القطاعات الشعبية وبخاصة الشباب هو ايذان ببدء اهتزاز أركانها واسسها الهشة القائمة على القمع المنظم واقتصاد الريع

الأسرة – النزعة الأبوية ما زالت قوية لكنها تضعف تدريجيا :

يشير التقرير الى ان هنالك ” ثمة تلازم وثيق بين قيم النزعة الابوية والقيم المتعلقة بالمساواة بين الجنسين ، واحترام السلطة، والتفسير الديني المتطرف ، ودعم الحكم الاوتو قراطي ، فالأبوية بناء اجتماعي يسبغ امتيازات على الرجال ويعزز عدم المساواة بين الجنسين ، ويكرس ممارسة السلطة على النساء ، ويمس جوانب الحياة كافة ، وتشيع بنية الاسرة الأبوية التقليدية في جميع ارجاء المنطقة العربية، وبخاصة بين الطبقات الريفية والافقر ، ونؤثر في مواقف الشباب من المساواة بين الجنسين “

هذا يؤكد العلاقة السلبية بين الابوية والمساوة بين الجنسين، اذ ان النمط الابوي يكرس العلاقة السلبية تجاه المساواة بين الجنسين وانتقال الأثر السلبي للأبوية الى الشباب

المشاركة المدنية:

يشير التقرير الى اتساع المشاركة المدنية في المرحلة التمهيدية للانتفاضات العربية ، وقيام الشباب بدور طليعي في هذا التطور، وانه ” في عام 2013 كانت المنطقة العربية تقارب المعدل العالمي في مجال الفاعلية المدنية النشطة، وكانت بين الشباب وذوي التحصيل العلمي المتقدم اعلى من المعدل العالمي لبلدان الدخل المتوسط، ويرتبط النشاط المدني المتزايد بتدني الاحترام للسلطة وتزايد التعبير عن الذات ( الجدول 2-2 ) “

النشاط المدني السلمي الديموقراطي مرتبط بتدني الاحترام للسلطة نتيجة عدم الرضا وتعبيرا عن الذات وارسال الرسالة الاحتجاجية الى السلطة والعالم اجمع

التسامح الاجتماعي والديني:

ويشير التقرير الى ” ثمة هوة واسعة بشأن التسامح بين المنطقة وارجاء العالم الأخرى 26 % في المجالات الاجتماعية و 24 % في المجالات الدينية (الجدول 2-2 ) لكن لبنان ومصر بوصفهما اكثر تنوعا من الناحية الدينية يسجلان معدلات اعلى من المعدل العالمي ، ما يوحي بأن التعددية تعزز التسامح وفي المعدلات عبر البلدان والسكان ، لا يبدو الشباب اكثر تسامحا من الكبار في السن وهم في الواقع اقل تسامحا دينيا ( الجدول 2-2 ) “

التعايش بين الفئات المتنوعة دينيا يساهم في المزيد من التسامح الديني ، هذا ما يؤكده التقرير وهذا صحيح فكريا لأن التعايش يتيح التسامح بين الفئات المختلفة دينيا ، لكن هناك العراق أيضا متعدد دينيا ، ومع ذلك لا نجد تسامحا ملموسا بخاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق وانتشار ظاهرة التطرف والعنف في العراق نعاني من اثاره السلبية الى يومنا الراهن ، وهذا يمنحنا ان نطرح هذا السؤال المتعلق باختلاف الحالة العراقية عن الحالة المصرية واللبنانية على معدي التقرير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى