حمود ولد سليمان – غيم الصحراء – موريتانيا
إهداء /
إلى من عبروا النهر
إلي مانجو بارك ورفاقه
تمبكتو
مليكة من حجروطين أحمر
أصفروأخضر وأحمر
لحنا غجريا هائما يبكي
علي سفر
ذهب ضفائرها
علي ضفاف النهر
تمبكتو
مليكة من حجر وطين أحمر
بحر من الزرقة يهطل مع المساء
نوارس مفتونة بالزرقة في السماء
تمبكتو مليكة من حجر وطين أحمر
ذهب ضفائرها علي ضفاف النهر
يا يوهان (١) هنا
وهاهنا عبروا
وكانوا يسألون اين ينبع النهر؟
هاهنا كان بارث (٢) يلوح بيديه
للماء
ويضحك مأخوذا بنشوة اللقاء
هاهنا كان الصيادون يدندنون
أغنية للعابروالمطر
تمبكتو
مليكة من حجروطين أحمر
هذا المساء
صغار نوقها يحن لها الحنين
رمالها البيضاء تسرالناظرين
يهرول لها الحنين
هذا المساء
يا لهناء النعيم البري يمد ظلاله للشجر
يا للنياق السارحات والبقر
تمبكتو مليكة من حجر وطين احمر
ذهب ضفائرها علي ضفاف النهر
ياللمساء
يطوح الحنين
و يمتد في البعيد .
تعالي يا يوهان
اريك سحر الالوان
تعالي أريك النهر الذي لم يزل غضا
والصحراء التي لاتزال جنة
والقصبة التي تحدث عنها الركبان
هذا باب السلطان
وهذا باب النيل
وهذا باب النهر
وهذا باب العبيد
فاطرق اي الابواب ،يأتيك منها ما تريد
تعالي وافرد جناحك للبعيد واطلق مخيلتك
وارسم ما تريد
دع الريشة تغرق في تماهي اللون والقلب
ودع المساء في ظلاله يعانق تمبكتو
من شرفة المسافر الغريب العنيد
دع الحلم يسافح الشريد
وارسم ما تشاء
وتخيل ما تشاء
وارسم ماتريد
تعالي اريك النهر
الذي بكيت عنده .
وبكي معي العندليب
تعالي
اريك جوهرة الصحراء
التي طعنتني بخنجرها
تعالي أريك
تحفة أبي إسحاق الساحلي (٣) التي سارت بها الركبان
تعالي لنمشي في الليل نحو النهر
وقبل أن يطلع الفجر
ويقبل الفاروق (٤) بفرسه السماوي
نعود للتمبكتي (٥) لنصلي معه الفجر
تعالي لنسامر ملوك السونغاي
ونسأل مانسي موسي (٦)
عن مدينة الذهب
عن مدينة العجب
تعالي يا يوهان
اطلق مخيلتك لملكة الخيال
هذا رينه كاي (٧)
علي حافة النهر
يرمق النخيل ويحدث نفسه عن الربح والخسارة
والطموح والجسارة
كم كانت تمبكتو !!!!!!!!!
كم كانت تمبكتو بعيدة!
كم كانت تمبكتو عنيدة !
كم كانت تمبكتو شديدة !
كم كانت تمبكتو مخيبة للآمال ،
لم تكن تمبكتو سعيدة
لم تكن تمبكتو فريدة ،
ولم تكن الجائزة في آخر المطاف تستحق العناء
ضاع العمروراء نيل الإبتهاج
تعالي
أريك اين كان ينام هاينريش بارث
واين كان يجلس في مجلس التمبكتي
وهو يحدثه عن الله وعن الصحراء ومخطوطة السماء
وأين كان يتسلل في الليل متخفيا
إلي الجموع ،ليستمع للمغنين وهم يرقصون
وأين كان وراء البهو يرعي نجوم الليل
تعالي
لنمتطي فرس تمبكتو (٨)
قبل ان يمتطينا الغلس
ويفرقنا الزمان
لنمضي لنيل الإبتهاج يا صاحبي
امام باب السماء
هوذا احمد بابا التمبكتي (٩)
في غرة الصبح يمشي
ولجنكيرشمر الثياب
أتعرف ؟
احمد بابا التمبكتي نضر الله وجهه
احمد بابا محب تمبكتو
احمد بابا التمبكتي نور الله ضريحه
تمبكتو كلها تحبه
واحمد بابا التمبكتي
لا غيره له المآب
تعالي يوهان
في حضرة أحمد بابا
لنستمع للشيوخ يترنمون بالبردة واشعار سلطان العاشقين
في ليلة المولد النبوي الشريف
تعالي لنسأل أحمد بابا
عن الآية والكتاب
يا يوهان يا رفيقي العزيز
هل فكرت مثل مانجو بارك (١٠)
أين ينبع النهر ؟
قبل ان يجيء كاي
وهاينريش بارث
وبارك ؟
وهل تعرف أن لا احد يعرف الانهار غير الشعراء
هل فكرت يا يوهان اين ينبع النهر ؟
وأين المصب واين القلب
هل سألت هاملت الذي حطمه الظل
عن حبيبته اوفيليا ؟
وهل “عرفت الدار بعد توهم !”؟
وهل عرفت
” كيف يكون الشاعر لقاء جميع الانهار
و مجنونا ،خرافيا ،يهاجر في غابة ضوء من دمعته ”
كما يقول مظفر الشعر والحزن مظفر النواب
و كيف تكون” البلاد جميلة وخفيفة “
كما يشتهيها محمود درويش
يا يوهان هل كنت تدري وانت ترسم تمبكتو من شرفة منزل المسافر (١١)
ان المسافر الغريب قد خسر الرهان
يا يوهان اطلق مخيلتك
وارسم ماتشاء
وتخيل ما تشاء
تمبكتو مليكة من حجر وطين احمر
اصفر واخضر واحمر
لحنا هائما
يبكي وترا
علي سفر
ذهب ضفائرها
علي ضفاف النهر
يا يوهان تعالي
ساعة الغروب
هنا أجمل وقت للإلهام والأحلام والتخيل والشعر والشدو
والرسم ،
كل الالوان تولد الآن وتتماهي
فارسم بريشة الفن القطعان والنهر والصحراء
وارسم بريشة الفن النوارس والزوارق
وارسم بريشة الفن التلال والرمال
وارسم بريشة الفن الشمس والظلال
وارسم بريشة الفن السماء البعيدة
وتعالي
لنمضي نحو النهر
“فالقلب اضناه عشق الجمال “
والقلب اضناه” نيل الإبتهاج “
والقلب الآن في حزن يشدو و.ينشد في همس
رفيف الحمام البري وشمس الصحراء
تعالي
نتتبع آثار أهل النهر
وحكايا عروس النهر
وحسناوات تمبكتو المليحات وهن
في ملاحتهن يغنين” قل للمليحة “
يا يوهان
هاهنا علي ضفة النهر
كان هاينريش بارث
في المساء يجلس يرقب الغروب الجميل
ويفكر في تمبكتو العجيبة
ويضحك من رينيه كاي
وسخرية الأقدار التي رمته بين السونغاي والعرب والطوارق
كان بارث يختلي بنفسه هنا ويفكرفي أمه كثيرا ، يفكر في الموت ،ثم يبكي و يكتب رسائله لأهله .ويعود للشيخ سيدي أحمد البكاي (11) حاملا صنارته المليئة بالاسماك .
هاهنا كان يجتمع الغرباء
يستمعون لحكايا أهل الذهب
ويستمتعون بمعروضات التجارالهولنديين
هنا كان العبيد يساقون في زمن النخاسة
ويرسلون إلي فاس ومكناس
هاهنا كان يمرموكب السلطان
عائدا من الحج ،في موكب مهيب يحيط به الجنود
والجواري والعبيد. والنساء يزغردن والبارود يلعلع
والجياد ترقص في لجمها
وهنا كان السونغاي يتباهون بقناطيرالذهب
وهاهنا تجمهر التمبكتيون في عام النكبة
وجاؤوا احمد بابا عشاءا يبكون
وفي صبيحة ذالك اليوم ساق السعديون احمد بابا
مصفدا إلي مراكش ،ووقف الثوار في صفه ،حتي انكشفت الغمة
ونصر الله أحمد بابا
ودالت دولة السعديين
يا يوهان
بني هذا البنيان العجيب !
شاعر من الاندلس ،جلبه السلطان
اسمه ابواسحاق الساحلي ويعرف بالطويجن
يا يوهان
وضريحه هناك جنوب ااساحل
علي تلك الربوة
يقولون يا يوهان انه لم يتزوج
وانه عاش لفنه طيلة حياته وكان مولعا بالهندسة والبنيان
وكان ينظم الشعر وكان بارعا في منادمة الملوك والتاريخ والسرود
يا يوهان
هذا باب تجار غدامس ومراكش وفاس ومكناس والقيروان
وهذا باب الزوار
وهذا باب الشعراء
وهذا باب الأمراء
وهذا باب السوق
وهذا باب الذهب
يا يوهان
أطلق مخيلتك.
تمبكتو
مليكة من حجر وطين احمر
ذهب ضفائرها علي ضفاف النهر
تمبكتو
مخطوطة السماء
اطلق مخيلتك
وارسم ماتشاء
تمبكتو مليكة من حجر
وطين أحمر ،اصفر واخضر واحمر
لحنا هائما يبكي وترا علي سفر
ذهب ضفائرها
علي ضفاف النهر
____
يوهان / هو يوهان مارتن بيرناتس / 1802/ 1878/ فنان مناظر طبيعية ولد في شبايروتعلم في فينا ،النمسا ،عاش معظم حياته في ميونيخ ،سافر بصحبة مستكشفين في رحلات إلي مصر وفلسطين وأثيوبيا
هاينريش بارث / 1821/ 1865/ باحث ومستكشف ألماني ،يعتبر من اعظم المستكشفين الأوربين لأفريقيا
دون رحلاته في كتابه : رحلات واكتشافات في شمال ووسط افريقيا
أبو اسحاق الساحلي / يعرف بالطويجن ،دبلوماسي ،شاعر ومهندس معماري اندلسي ،صمم مسجد جنكير
آبير،في عهد منسا موسي في تمبكتو
(4)الفارس الأبيض / تقول الاسطورة التمبكتية انه يحرس تمبكتو ويوقظ اهلها لأداء صلاة الفجر .وتزعم الاسطورة حسب بعض الروايات ان هذا الفارس اسمه الفاروق اسم امير المؤمنين خليفة رسول الله صلي الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،وانه يستمد روحه منه .او هوهو نفسه .،وله تمثال في تمبكتو
(5)رينه كاي /1799/ 1838 / مستكشف فرنسي،قام برحلة إلي تمبكتو،وحصل علي جائزة الجمعية الجغرافية
نشرت رحلته الي تمبكتو 1830
(6) فرس تمبكتو او جواد الفارس الابيض هي المذكورة سابقا
(7) التمبكتي / هو احمد بابا التمبكتي
(8) أحمد بابا التمبكتي /1556/ 1627/ فقيه مالكي ومؤرخ وعالم جليل من اعلام الصحراء،اشتهر في المغرب الأقصي وتتلمذ عليه الكثير من العلماء،نفي إلي مراكش وعاد إلي تمبكتو
وتوفي بها ،له مصنفات منها :
نيل الإبتهاج بتطريز الديباج
معراج الصعود إلي نيل حكم مجلب السود
(9) مانجو بارك / مستكشف اسكتلندي ،طبيب وجراح وعالم طبيعة ولد 1771 ،اشتهر بالقوة والشجاعة والإقدام ،تعرض مع رفاقه لإطلاق نار عند شلالات بوسا ،فقفز مع بعض رفاقه في النهر وغرق ومات وغرقت معه مذكراته .،يعتبر اول اوربي زار مناطق نهر النيجر
(10) المقصود اللوحة التي رسمها يوهان والمشهورة ب تمبكتو من شرفة منزل المسافروهي اللوحة التي ضمنها الرحالة هاينريش بارث الذي اقام في تمبكتو في كتابه : رحلات واكتشافات في شمال ووسط افريقيا ،الصادر 1857
(11) الشيخ سيدي أحمد البكاي الكنتي
فقيه صوفي مشهور ولد في الثلث الاول من القرن الهجري التاسع في واد نون ،وتوفي حوالي 920ه وقيل 934ه
نزل عنده الرحالة هاينريش بارث يوم 20 / ابريل 1828م
فاكرم وفادته ، ولما علم امير ماسنة بنزوله عند الشيخ كتب رسالة يطلب فيها من الشيخ ان يرسل له بارث مصفدا في الاغلال باعتباره نصرانيا كافرا دخل في ارض مسلمة فرفض الشيخ وأبي ان يرسل بارث وكتب رسالة طويلة يدافع فيها عن رايه .كانت للشيخ سيدي محمد البكاي مكانة كبيرة في تمبكتو ،له مراسلات مع الملكة البريطانية اليزابت الاولي وعلاقات دبلوماسية ومراسلات مع سلطان المغرب آنذاك عبد الرحمن بن هشام العلوي .