أدب

الحلم السابع في يقظة الحواس

بقلم: د. محمود رمضان

في اِستهلال عظيم من التراث العتيق، والمبادىء المتراكمة عبر ثقافات متوارثة كرافد من روافد مجمل الفكر الإنساني، وما تركته الأزمنة من المكاسب والخبرات لبنات حواء منذ الطبيعة المبكرة، والعصور المطيرة وجغرافيا هذا الكون المتفاني، جاءت في دُجى الأحلام بسراج من نور وضياء، فتشت ألف ألف حلم كان قد مر فى لمح البصر، هذا هو الحلم السابع في يقظة الحواس، لم يزغ البصر في ظلمة تلك الليلة الاِستثنائية، ليس مثلما تداعى فيما مضى من الأحلام الستة المنصرمة، فالحلم السابع استدعى العاشقين أن يحلموا وهم مستيقظون كي يروا أحقاً ما يبدو أنه هوى العشق الذي حل بالأبدان أم هو مجرد إحساس غير صادق؟!
مَرَجَ البَحرَينِ، وارتفعت الأمواج في هالات من النور، وهب إعصار مخيف عصف بكل ما كانوا يملكونه من المراكب الشراعية التي جهزت لمثل هذا الطوفان للنجاة من كوراث البركان الخامد وزلزال الحواس حين تفقد الصواب والمكان الخطأ غير المعبد لاستيعاب هيام الفؤاد المعذب بالعشق المحال.
في منتصف الحلم شاهد العاشق أنه غَيْر كُفْء أن يوَاكَبَ هذا العشق والهيام المتنامي؛ فمعشوقته من طراز فريد جداً، فهي تعشق بصمت وإذا تحدثت عن حواسها كانت الإجابات دامية، لأنها تجهد روحها من أجل الحفاظ على الحبيب مهما كلفها ذلك من تضحيات، هي راقية في حبها الذي يعلو عن الحب البشري الذي نعرفه، تمتلك من الدلال والرقة ما يفوق قدرات النساء المغرمات بعشق الجمال.
عند الشاطيء القريب من نهاية الحلم السابع، رست السفينة العجيبة التي كانوا يبحرون بها، فلا فنار بقى ولا قوارب شاخصة، ثمة حريق أشعل كافة مراكبهم واحترقت الأخشاب مثل البيوت الخشبية حين تستعر من حمم البركان، صارت الكلمات مثل الرماد، منثورة على أشواك في يوم عاصف وأجواء شتوية ماطرة، وإذا بسيل جارف حطم بعنفوانه كل ما كان يحتفظ به العاشق من أمنيات، لم يعد وجودها مرضي لدى الحبيب، فحطمت هي الآخرى ما كانت تكنه من عواطف، فقد رأت أنها لم تختر المكان الملائم، فالمكان ليس بالموقع السليم كي تزرعها فيه، فاقتلعت ما قد غرسته من البذور، ولم تكترث أنها اِقتلعت بذلك وجود حبيبها ومزقت وتينه النابض، حتى كادت أن تهتز ثقته بروحه صدقاً، هذا محال، لقد تيقن أن كل البدايات تتشابه وحتى النهايات متطابقة عندهن، كأن القالب الذي يسرن عليه واحد لا غيره، لقاء .. ود .. رعاية وشغف..مراجعة .. حسابات في مسائل المشاعر..افعال افتعال وتفعال..غضب وظلم ..فتور وعناد..قطع لكل الروابط التي كانت توصل بين الحياة وقلب المحب .. لم يجد العاشق حتى الآن اِمرأة مختلفة أو اِستثنائية، فالقصائد ذاتها التي نظمها مذ خمسة عقود خلت، تكاد تنطبق على كل ما مر به من علاقات ومواقف وأشخاص وأحداث كان مصيرها هو نفس المصير.
إنه لم يعد ذلك الفتى الذي كان يصلح للحب والعذاب والعشق والغرام، لقد تغير ما كان يملكه من المقومات التي كانت جاهزة للتقدم من مشاعر ويتم تقديرها من قبل الحبيب متمثلة في العواطف النقية والحواس الرفيعة الفتية، بل تغيرت نظرته للحياة بعد كل هذه التجارب الإنسانية المتفردة التي تعلم منها، سيما هذا الحلم الأخير، ولا شك أنها تركت ثقوباً وجراحاً لن تلتئم على مر الأيام.
كل الحب لتلك المعشوقة الجميلة الأصيلة صاحبة المقام والتمام والسعادة والفكر والمودة والحب، سيحتفظ العاشق بكل مواطن الاحترام والعشق الذي ربط بين قلبين نقيين بروابط الألفة والثقة والإيمان بقدرة العاشقين على تأسيس ذلك البناء القوي الذي لا يمكن أن يهزه أي طوفان..!
فكان هذا الإعصار المدمر في نهاية الحلم في اليقظة بالتمام والآلام، والآن كلاهما كالأسيرِ وكالطليقِ في آن واحد، نحن نعرف أن معارك الحب ليس فيها منتصر ومهزوم، إمّا أن ننتصر معاً، أو نهزم معاً..!
وهذا هو اليقين، فلا حلم يأتي بعد الحلم السابع، لأن الرقم (7 ) هو ختام كل الأرقام..! لقد أدمي هذا الحب قلب العاشق كثيراً.. ومازال ينزف بغزارة..ويستمر النزف الصامت.
الأمل باقٍ
الأمل باقٍ
كن بخير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى