ترجمة

جندي من نابولي

قصة إيطالية قصيرة للكاتب إيتالو كالفينو

ترجمة: أسماء موسى عثمان
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للغات بالمنصورة | مصر

ترك ثلاثة جنود الكتيبة وتوجهوا إلى الريف. كان أحدهم رومانيًا ، والآخر فلورنسيًا ، وأصغرهم سنًا كان نابوليًا. بعد أن تجولوا في كل ربع من ربوع الريف، حل عليهم الظلام بينما كانوا في الغابة،وحينها قال الجندي الروماني الأكبر سنًا ” أيها الفِتْيَانٌ ، لا يجب أن ننام نحن الثلاثة، يجب أن يكون هناك حراسة ساعة تلو الأخرى “.
بدأ هو في الحراسة ، بينما ذهب الاثنان الآخران إلى النوم ، بعد أن ألقوا الأكياس على الأرض وفكوا البطانيات.
خرج عملاق من الغابة أمام الجندي في الوقت الذي انتهت فيه نوبة الحراسة تقريباً وسأله ” أنت ماذا تفعل هنا؟”. أجاب الروماني دون أن ينظر في وجهه: “لست مضطرًا للرد عليك”. قام العملاق بمهاجتمه لكن الجندي كان أسرع منه و استهل سيفه وقطع رأسه.أخذ الجندي الرأس بيد والجسد باليد الأخرى وذهب ليرمي كل شيء في البئر. نظف السيف جيدًا ووضعه في الغِمْد، ونادى على الرفيق الذي جاء دوره في نوبة الحراسة . لكن قبل إيقاظه ، فكر: “من الأفضل ألا أخبره بأي شيء ، وإلا فإن هذا الفلورنسي سيرتعد خوفًا ويفر هاربًا “. لذلك عندما استيقظ الفلورنسي وسأله: “هل رأيت شيئًا؟” ، أجاب الروماني: “لا ، لا ، كل شيء هادئ” ،وخلد إلى النوم.
تولى الفلورنسي نوبة الحراسة، وهنا أيضًا ، عندما كانت ساعته على وشك الانتهاء ، ظهر عملاق مثل الآخر وسأله: “حسنًا ، ماذا تفعل هنا يا جميل؟”
أجاب الفلورنسي : “لست مضطرًا للرد عليك ولا على أي أحد”.
يندفع العملاق نحوه ، لكن الجندي كان أسرع منه وفصل رأسه عن جسده و رمى بكل شيء في البئر. جاء دور الجندي النابوليتاني في نوبة الحراسة وفكر الفلورنسي قائلا: “من الأفضل ألا أخبر هذا الجندي النابوليتاني الجبان بأي شيء، إذا علم أن أشياء مثل هذه تحدث هنا ، سوف يفشل في المواجهة، ويهرب ونفقده للأبد.
في الواقع ، عندما سأله الجندي النابوليتاني: “هل حدث لك شيء؟” ، أجاب الفلورنسي: “لا شيء ؛يمكنك أن تطمئن “، ثم ذهب إلى النوم.
ظل الجندي على أهبة الاستعداد لمدة ساعة تقريبًا ، وكانت الغابة كلها صامتة. فجأة سمع خطوة بين الأغصان وخرج عملاق وسأله : “ماذا تفعل هنا؟” أجاب الجنديالنابوليتاني:”وماذا يهمك؟” . رفع العملاق يده عليه وكان سيسحقه بسهولة، لكن الجندي كان أسرع منه و رفع دورليندانا{سيف فرسان الحظ}. قطع الجندي رأس العملاق ثم أخذه وألقى به في البئر. الآن كان يجب عليه أن يوقظ الروماني مرة أخرى ليتولى الحراسة ، لكنه بدلاً من ذلك فكر قائلًا : “أولاً ، أريد أن أرى قليلاً من أين أتى هذا العملاق.” ذهب إلى الغابة،و رأى نورًا واقترب من منزل صغير ، ووضع عينه في ثقب المفتاح ورأى ثلاث سيدات عجائز بجوار النار يتحدثن.
قالت إحدى النساء المسنات: “دقت عقارب منتصف الليل وأزواجنا لم يعودوا بعد ولا يمكن رؤيتهم في أي مكان”.
قالت الآخرى : هل أصابهم شيء؟
أجابت العجوز الثالثة: تقريبًا، فلنذهب ونلتقي بهم،ما رأيكن؟
قالت السيدة العجوز الأولى: “لنذهب الآن”. وسآخذ المصباح الذي يضيء الطريق على بعد مائة ميل “.
قالت العجوز الثانية: سآخذ السيف الذي مع كل اتجاه يبيد جيشًا.
وقالت الثالثة: ” أنا سآخذ البندقية التي تنجح في قتل الذئب في قصر الملك”.
“هيا بنا” وفتحوا الباب.في ذلك الوقت كان الجندي النابوليتاني يقف خلف الباب في انتظارهم. نزلت الأولى ومعها مصباح في يدها والجندي أوقفها دون حراك ، و قبل أن تقول “آمين” تخلص منها. نزلت الثانية وقتلها ، جاءت الثالثة وقتلها أيضًا . لدى الجندي الآن مصباح وسيف وبندقية الساحرات الثلاث،وأراد على الفور تجربتهم متحدثًا إلى نفسه: “هيا نرى هل ما قاله هؤلاء الحمقى الثلاثة صحيحًا؟”. رفع المصباح ، ورأى أنه على بعد مائة ميل كان هناك جيش يصطف بالحراب والدروع للدفاع عن القلعة ، وفي الشرفة الأمامية للقلعة كان هناك ذئب مقيد بالسلاسل بعيون مشتعلة.
قال الجندي: “هيا نتخلص من الفضول”. رفع سيفه ولفه في الهواء وتخلص من الجيش، ثم أخذ بندقيته وأطلق النار على الذئب الذي مات على الفور.
قال الجندي: “الآن أريد أن أذهب وألقي نظرة فاحصة”.
مشى سيرًا على الأقدام ، و وصل إلى القلعة. طرق ، نادى ، لا أحد يجيب. دخل و بحث في جميع الغرف ولم يرى أي كائن حي،لكن في أجمل غرفة في القلعة ، كانت هناك امرأة شابة جميلة جالسة على كرسي فوتيه فاخر ونائمة. اقترب منها الجندي لكنها استمرت في النوم. انزلق شبشب من قدم الفتاة،حمله الجندي ووضعه في جيبه، ثم أعطاها قُبْلة وغادر الغرفة على أطراف أصابعه.
عندما غادر،استيقظت الفتاة و دعت وصيفات القلعة اللواتي كن في الغرفة المجاورة، وجميعهن نائمات أيضًا.استيقظت الوصيفات ولاحظن قائلين: “انكسرت التعويذة،انكسرت التعويذة! لقد استيقظنا! استيقظت الأميرة! من كان الفارس الذي حررنا؟”
قالت الأميرة: “بسرعة ، انظرن من النافذة وشاهدن ما إذا كان هناك أحد”.
قالت الأميرة: “أسرعن ، اركضن إلى جلالة الملك أبي وأخبروه أن هناك فارسًا شجاعًا هزم الجيش الذي كان يحتجزني ، وقتل الذئب الذي كان يحرسني ، وفك التعويذة وأعطاني قُبْلة” . نظرت الأميرة إلى قدمها العارية وقالت: “ثم نزع حذاء قدمي اليسرى”. كان الملك ، سعيد ومسرور للغاية، وضع الملصقات في البلد كلها: من يقدم نفسه على أنه منقذ ابنتي ، سأزوجها له ، سواء كان أميرًا أو متسولًا.
في غضون ذلك ، عاد النابوليتاني إلى رفاقه وكان قد مضى يومًا بالفعل. أيقظهم الجندي . قالوا :”لماذا لم تنادينا من قبل؟” «كم نوبة حراسة عملت؟ ».
لم يرد النابوليتاني أن يخبر أحد بكل هذه الأشياء ، وقال لهم : “على أي حال لم أشعر بالنعاس ، و بقيت في الحراسة”.مرت الأيام ، ولم يقدم أحد نفسه إلى بلد ابنة الملك ليطالب بيدها كمنقذ لها . سأل الملك “كيف يحدث هذا؟”
جاءت الأميرة بفكرة: “يا أبي ، لنفعل هذا الأمر: لنفتح حانة في الريف، بها أسِرَّة للنوم، ونضع لافتة: هنا يمكن لأي شخص أن يأكل ويشرب وينام لمدة ثلاثة أيام مجانًا. سيتوقف الكثير من الناس عند الحانة وسنعرف شيئًا بالتأكيد”.
كانت ابنة الملك مديرة المكان. هنا يأتي الجنود الثلاثة ، جائعين للغاية.
كما كانوا يفعلون دائمًا: يتجولون ، يغنون حتى لو كانوا يسحبون أحزمتهم ، يقرؤون اللافتة ويقول النابوليتاني: ” أيها الفِتْيَان، هنا نأكل وننام مجانًا”.
أجاب رفاقه: «نعم صدق ! يكتبون هذا لخداع الناس ».
لكن الأميرة صاحبة الحانة جاءت إلى الباب وأخبرتهم أن يدخلوا ، وأن ما كتب على اللافتة صحيح. دخل الثلاثة وقدمت لهم الأميرة عشاء نبيل.
ثم جلست على مائدتهم ، وقالت: “حسنًا ، ماذا لديكم لتخبروني به أيها الأشخاص الذين تأتون من الخارج؟ لأنني في هذه المنطقة، لا أعرف أبدًا أي شيء عما يجري”.
قال الروماني “ماذا تريدين أن نقول لك يا سيدتي؟” وهكذا ، وبتصرف متواضع ، أخبرها قصته عندما كان في حالة تأهب وهاجمهه العملاق ولكنه قام بقطع رأسه.
قال الفلورنسي:”لقد حدث هذا لي أيضًا”،و تحدث عن العملاق الذي قتله.
قالت الأميرة للجندي النابوليتاني :”وأنت؟ ألم يحدث لك شيء؟ “
ضحك الرفاق: “ماذا تريدين أن يحدث له”؟ صديقنا هذا جبان ، إذا سمع ورقة شجر تتحرك ليلاً ، يهرب ولا تستطيعين العثور عليه لمدة أسبوع “.
قالت الشابة: “لماذا تتعاملون معه بهذه الطريقة ، يا له من مسكين؟” ، وأصرت على أن يخبرها قصته.
قال النابوليتاني: ” إذا أردتم معرفة ما حدث ، أثناء نومكم ، ظهر لي عملاق ، وقتلته”.
“كذاب!” علق أصدقائه ضاحكين. – ثم قالوا “إذا رأيته فقط ، كنت تموت من الارتعاش! كفى: لا نريد أن نسمع أي شيء بعد الآن. هيا ننام “، وتركوه وحده مع صاحبة الحانة.
جعلت صاحبة الحانة الجندي النابوليتاني يشرب كثيرًا وأبقته يتحدث. فقال لها شيئًا فشيئًا كل شيء: حدثها عن النساء المسنات الثلاث ، وعن المصباح ، وعن البندقية ، وعن السيف وعن الفتاة النائمة الجميلة التي قبلها وأخذ منها شبشبًا.
قالت الأميرة”وهل لا يزال لديك هذا الخُف ؟”.
أخرجه الجندي من جيبه وقال: “ها هو ذا”. كانت الأميرة سعيدة للغاية ، فقد أعطته المزيد ليشرب حتى نام ، ثم قالت للخادم: خذه إلى الغرفة التي أعددتها خصيصًا ؛ اخلع ثيابه و ألبسه ثياب مثل الملك وضعه على الكرسي ».
استيقظ النابوليتاني في الصباح ليجد نفسه في غرفة مصنوعة من الذهب والديباج. ذهب للبحث عن ملابسه ووجد نفسه يرتدي ملابس ملك ، ويقرص نفسه للتأكد من أنه لم يكن نائمًا ، ولم يفهم ما كان يحدث ،ولذلك قرع الجرس.
دخل أربعة خَدَّام يرتدون ملابس رسمية وانحنوا في تمجيد وتحية: “صاحب السمو ، أوامرك. هل ارتحت جيداً يا صاحب السمو؟”.
نظر الجندي باندهاش : “هل أنتم مجانين ؟ من يكون صاحب السمو ؟ أعطوني ملابسي، أريد أن أرتدي ملابسي ولننتهي من هذه الكوميديا”.
الخَدَّام:”لكن اهدأ. سموك ، سنحلق لحيتك ، و نمشط شعرك”.
الجندي النابوليتاني:”أين رفاقي؟ أين وضعتم أشيائي؟”
الخَدَّام: “الآن يأتون، الآن سيكون لديك كل شيء ، ولكن دعنا نلبسك يا صاحب السمو.”
عندما رأى أن لا فائدة من الجدال معهم ،وإبعادهم عن طريقه، تركهم الجندي يفعلون ما يريدون: قامو بحلق لحيته، وتمشيط شعره ، وألبسوه ملابس الملك،ثم أحضروا له الشوكولاتة والكيك وملبس اللوز،ولما فرغ من الإفطار قال: “هل أرى رفاقي نعم أم لا؟
أجابوا:”على الفور ، سموك”.
سمحوا بدخول الروماني والفلورنسي ، الذين رأوه مرتديًا تلك الملابس و كانوا مندهشين و عاجزين عن الكلام،ثم قالوا”ولكن، كيف تنكرت بهذه الطريقة؟”.
سألهم النابوليتاني:”هل تعرفون أي شيء عن ذلك يا رفاق؟” أنا لا أعلم شيء.
أجابوا:”من يعرف ماذا فعلت! . – من يدري كم عدد الأكاذيب التي قلتها للسيدة الليلة الماضية! “.
قال النابوليتاني: ” لم أخبر أحدًا بشيء”.
رفاقه: ” إذا كيف يحدث هذا ؟”
أجاب الملك: “سأخبركم كيف تسير الأمور” ، دخل في تلك اللحظة مع الأميرة التي كانت ترتدي أثمن ثَوْب لديها.قال الملك:” ابنتي كانت تحت تأثير تعويذة سحرية وهذا الشاب حررها”
وبين الأسئلة والأجوبة عرفوا كل ما حدث.قال الملك”لهذا – جعلت الجندي النابوليتاني زوجًا لابنتي ووريثي، أما أنتما الاثنان فلا تقلقان،ستصبحان دوقات، لأنكما لو لم تقتلا العملاقين الآخرين لما نجت ابنتي”. أقيم العُرْس وسط سعادة وبهجة عامة حيث يأكلون الخبز والدجاج ويهتفون:عاشت العروس،عاشت العروس.

……..

رابط القصة:

https://lartedeipazzi.blog/2019/01/20/calvino-il-soldato-napoletano/

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. ترجمة ممتازة وسلسلة ، ترجمتك مميزة يا أسماء خاصة مع أسلوب كالفينو الصعب، تحياتي لك وبالتوفيق

اترك رداً على سارة عبد الرحمن إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى