أدب

غزل مهيار الديلمي

بقلم: محسن جهاد الماجدي | العراق
الحديث عن الغزل لا سيما في العصر العباسي حديث ذو شجون، فما أنت تذكر شاعرا إلا وصادفت شاعرا أعظم منه، كأن يكون أستاذه، أو تلميذه، وكل شعراء ذلك العصر لهم قيمة شعرية في كل مجالات الشعر، كأن يكون، مدحا، أو ذما، أو رثاءً, فالحديث عن غزل شاعر مثل مهيار الديلمي لا بد لك أن تذكر شاعرا عظيما وجبلا من الشعر وهو الشريف الرضي الذي امتاز بكل نواحي الشعر، حيث تبقى قصيدته الغزلية:

وَلَقَد مَرَرتُ عَلى دِيارِهِمُ

وَطُلولُها بِيَدِ البِلى نَهبُ
فَوَقَفتُ حَتّى ضَجَّ مِن لَغَبٍ

نِضوي وَلَجَّ بَعُذَّلي الرَكبُ
وَتَلَفَّتَت عَيني فَمُذ خَفِيَت

عَنها الطُلولُ تَلَفَّتَ القَلبُ

مرجعا لكل من يتذكر الغزل في ذلك العصر، ولا فخر أنه أستاذ شاعرنا مهيار الديلمي، ومهيار: هو أبو الحسين مهيار بن مرزويه الكاتب الفارسيّ الديلمي الشاعر المشهور. كان مهيار مجوسيا فأسلم، سنة 394 ه‍ (1003 م) على يد الشريف الرضيّ في الأغلب، ثم سكن بغداد و كان يحضر يوم الجمع في جامع المنصور فيقرأ الناس عليه شعره. وتوفّي مهيار ليلة الأحد في خامس جمادى الآخرة 428(27/3/1037 م). تخرّج مهيار في نظم الشعر على الشريف الرضيّ، و كان يقتدي به في أبواب كثيرة من شعره. وهو شاعر مكثر جزل القول رقيق الحاشية طويل النفس شديد النزعة الوجدانية بارع في الوصف والنسيب و المعاني الروحية. ومن غزله:

مَن عَذيرِي يومَ شرقيّ الحمى

من هوىً جَدَّ بقلبٍ مَزَحا
نظرةٌ عادت فعادة حسرةً

قتلَ الرامي بها مَن جَرَحا
قلن يستطردن بي عِينَ النقا

رجلٌ جُنَّ وقد كان صحا
لا تعدْ إن عُدتَ حيّاً بعدها

طارحاً عينيك فينا مَطرحَا
قد تذوَّقتُ الهوى من قبلها

وأرى مُعذبَهُ قد أَملحا
سل طريق العيس من وادي الغضا

كيف أغسقتَ لنا رَأْدَ الضحى
ألشيءٍ غير ما جيراننا

نفضوا نجدا وحَلّوا الأبطحا
يا نسيم الصبح من كاظمةٍ

شُدّ ما هِجت الجوى والبُرَحا
الصَّبا إن كان لابدّ الصَّبا

إنها كانت لِقلبي أرْوَحا
يا نداماي بسلْعٍ هل أرى

ذلك المَغْبقَ والمُصطَبَحا
اُذكرونا ذكرَنا عهدَكُمُ

ربَّ ذكَرى قرَّبتْ مَن نَزَحا
واذكروا صبّاً إذا غنَّى بكم

شِربَ الدمعَ وعاف القَدحَا
رجعَ العاذلُ عني آيساً

من فؤادي فيكُمُ أن يُفلِحا
لو دَرى لا حَمَلتْ ناجيةٌ

رحلَهُ فيمن لحاني ما لَحَا
قد شربتُ الصبرَ عنكم مُكرَهاً

وتبعتُ السقم فيكم مُسمِحا
وعرفتُ الهمَّ من بعدكُمُ

فكأنّي ما عرفتُ الفرحا
ما لساري اللهوِ في ليل الصِّبا

ظلَّ في فجرٍ برأسي وضَحا
ما سمعنا بالسُّرى مِن قبله

بابن ليلٍ ساءه أن يُصبِحا طارقٌ

زارَ وما أنذرنا مُرغِياً بَكراً ولا مُستنبِحا
صَوَّحتْ ريحانةُ العيشِ به

فَمن الراعي نباتاً صَوَّحا
أنكرتْ تبديلَ أحوالي

ومَن صحِب الدنيا على ما اقترَحا
شدَّ ما مَنَّى غروراً نفسَه

تاجرُ الآدابِ في أن يَربَحا
أبداً تُبصِرُ حظَّاً ناقصاً

حيثما تُبصِرُ فضلاً رجَحا
والمنَى والظنُّ بابٌ أبداً

تُغلَق الأيدي إذا ما فُتِحا
قد خَبَرتُ الناسَ خُبرِي

شِيَمي بخلاء وتَسمَّوا سُمَحا
وتولَّجتُ على أخلاقهم

داخلاً بين عَصاها واللِّحا
وبعثتُ الماءَ من صُمِّ الصَّفا

قبلَ أن أبعثَ ظنّاً مُنجِحا
يشتهون المالَ أن يبقىَ لهم

فلماذا يشتهون المِدَحا
يُفصِح اللَّحَّانُ بالجودِ وهُمْ

فرطَ بخلٍ يُعجِمون الفُصَحا
جَرَّتِ الحسنى غلاماً ماجداً

لم يُطِع في الجود إلا النُّصَحا
طَوَّلوا في حَلبةِ المجدِ له

فمضى يَتبعُ رأساً جَمَحا
مُنجَباً من آل إسماعيل لم

يَروِ في الأَخلاقِ إلا المُلَحا
كيفما طارتْ عِيافاتُ الندَى

حَوْلَه طِرنَ يميناً سُنُحا
لا يبالي أيَّ زندٍ أَصلدتْ

مَن أتى راحتَه مقتدِحا
كلّما ضاقت يدُ الغيثِ بما

مَلكتْ جاودها مُنفَسِحا
لربيب النعمةِ اجتابَ الدجَى

خابطٌ يُنضِي قِلاصاً طُلَّحا
حَمَّلَ الهمَّ وقد أَثقلَه

جَلْدَةَ العظمِ أَمُوناً سُرُحا
تُوسِعُ البيداءَ ظهراً خاشعاً

في يدِ السير ورأساً مَرِحا
لا تبالي ما قضت حاجتَها

ما دَمِي من خُفِّها أو قَرِحا
حَمَلَتْ أوعيةَ الشكرِ له

وانثنت تحمِلُ منه المِنحَا
أحرز الفضلَ طريفاً تالداً

والمعالي خاتِماً مُفتتِحا
وجرى يقتصُّ مِن آياته

أثرَ المجدِ طريقاً وَضَحا
نسبٌ كيف ترامت نحوه

أعينُ الفخر أصابت مَسرحا
أملسُ الصفحةِ لم تَعلَق به

غمزةٌ من قادحٍ ما قدَحا عَوَّد البدرَ

وقد قابله غُرّةً بات بها مستصبِحا

ورآه البحرُ أَوفَى جمَّةً

منه بالنائل لمّا طفَحا

وتسامت أعينُ الشِّعر إلى

أن يكونَ السامعَ الممتدحَا
لم تجِد أبكارُهُ أو عُونُهُ

عنك في خُطَّابها مُنتدَحا
غير حُرَّاتٍ أراها مُهمَلاً

حقُّها عندكُمُ مُطَّرَحا
كم ترى أن يصبِر الشعرُ

على أن تُهينوا مثلَها أو يَصفَحا
أنتم استنزلتُمُ عنها يدي

بعد ما عزَّ بها أن أَسمَحا
ورغبتم في علا أنسابها

وكرامٍ من ذويها صُلَحا
وأرى مطلكُمُ في مهرها

دام والمهرُ على مَن نَكَحا
وثِقَ الشعرُ بكم واتصلتْ

غفلةٌ تُخجلهُ فافتضَحا
فاعذروه إن أتى مُقتضِيا ً

فلقد أنظَرَكم ما صَلَحا
ومضى حَولٌ على حَولٍ

ولم يُنتجِ الوعد الذي قد أُلقِحا
اُذكروه مثلَ ما يذكركم مُحسِناً

واستقبِحوا ما استَقبَحا
واعلموا أنّ قَلِيبَ الشكرِ

إن هو لم يُمَددْ برفدٍ نَزَحا
واصحبوا أيّامَكم واستخدموا

في المعالي هُجنَها والصُّرَحا
بين نيروزٍ وعيدٍ أمسيا

رائدَيْ إِقبالكم أو اصبحا
تَكمهُ الأحداثُ عنكم

إن رأى طرفُها غيرَكُمُ أو لَمَحَا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى