نحنُ قوم لا نستحي
بقلم: نور الدين الحسيني
بينما كان أبو سليم وأبو قتيبة ينفثون دخان أَراكيلهم فوق الجثث التي مازالت مدفونة تحت الأنقاض بفعل الزلزال الذي ضرب جنديرس قبل أيام، انتفض أبو قتيبة وقال:
– ألا ترى يا ابو سليم إن هؤلاء الملاحدة، قد باشروا احتفالاتهم المنكرة!
– أي منكر ؟ إلى ماذا ترمي؟
– ألا تراهم يشعلون النار محتفلين بالنوروز؟
– وما الغريب في ذلك ؟ إنهم يحتفلون بعيدهم القومي، ما الذي يقلقك أنت؟
– لا أظنك جادا يا أبو سليم! إنهم كفرة يقدسون النار، وهذا مبرر كاف لاستباحتهم وقتلهم، أو طردهم من أرضنا.
ابتسم أبو سليم ساخراً وقال:
– ليس ذنبهم أن تجهل أي معلومة عن هذا العيد، الذي يمثل انتصار الحق على الظلم، هذا أولاً، أما ثانيا من أنت حتى تُكفر الناس، وتصدر حكمك بقتلهم، وطردهم من أرضهم، يبدو أنك نسيت نفسك، كما يقول المثل الشعبي( حارتنا ضيقة وبنعرف بعضنا) هل صدقت نفسك أنك أصبحت متدينا كونك أطلت لحيتك، يا رجل أنت لم تترك موبقة ولم ترتكبها، وما زلت.
قال أبو قتيبة :
– لو لم أكن أعرفكَ لظننتكَ كوردياً.
رد أبو سليم:
– تظن إن كنتُ كوردياً فهل هذه تهمة؟ وأنا أقول أتشرف أن أكون كوردياً، ولكن المهم أن أكون إنساناً،
زمجر أبو قتيبة ورفع بندقيته وهو يهز لحيته المتسخة…
لكن أبا سليم أمسك به بقوة وأعاده على الكرسي الذي كان يجلس عليه وقال:
– اسمعني جيداً، أنت تتهم الكورد بالكفر ..و.. و … وأنا على يقين تام بأنهم أكثر التزاماً منا بدينهم، واعلم جيداً لو أنهم كانوا ملتزمين بقوميتهم، وعملوا من أجلها كما عملوا من أجل الإسلام، لكانوا اليوم أصحاب دولة وكنا أنا وأنت في ظل حكمهم، بالطبع كنا سنكون في حال أفضل مما نحن فيه، بالمختصر، أنت ومن معك وأنا منهم، عنصريون، وحاقدون، وكلاب مأجورين.
– أنت لست في وعيك ولا تدري بما تتفوه يا ابو سليم، عار عليك أن تدافع عن هؤلاء الغرباء، ولكن سأقتل هؤلاء الذين يشعلون نار الكفر، ونطرد البقية من أرضنا يمكن حينها تعود إلى وعيك.
– تعرف يا أبا قتيبة أنني أشفق على تفكيرك القاصر، ثم ألا ترى أنك تكذب الكذبة وتصدقها، يا رجل كان الأفضل لكَ ولي في هذه اللحظة أن نتعلم من هؤلاء الأخلاق والإحترام، فهم بالعادة يُحيون هذا اليوم بالأغاني القومية والزغاريد، ولكن احتراماً لضحاياً الزلزال كما تراهم يحتفلون بصمت .
حاول أبو قتيبة أن يقاطعه، لكن أبا سليم قال: اسكت واسمعني.
– رأيتك مراراً تهدد بإخراجهم من البلاد ومن أرضك، أين هي أرضك يا جاسم أفندي، لمن هي بالأصل، أو – من هو صاحب الأرض؟ هل البيت الذي تسكنه بنيته أنت؟ أم ورثته من جدك؟ ألا تخجل من نفسك ؟ اذهب وحرر بيتك في القصير وحرر مدينتك حمص، أليس من واجبك أن تذهب وتحرر أختك التي تقبع في أقبية سجون النظام، أليست هذه هي الحقيقة التي تهرب منها يا جاسم ، ولكن مع الأسف لا نريد أن نعترف بالحقيقة، يا جاسم يجب أن نعترف بأننا أناس فقدنا شرفنا حين بعنا أنفسنا لمن يدفع لنا ، ووجهنا بنادقنا إلى حيث يريد الدافع أو الممول ، ونسينا من طردنا من أرضنا وانتَهك أَعراضنا، وجئنا و استولينا على بيوت وأموال هؤلاء المسالمين، وأَفقدناهم العيش بأمان في بيوتهم وعلى أرضهم الذي يعيشون عليه منذ الأزل .
– أجزم أنك جُننت وأنت تدافع هذا الدفاع المستميت عن الكورد الكفرة، وأقسم أننا سنفعل بهم العجائب.
قال كلمتهُ ونهض حاملاً بندقيته وذهب.
صاح به أبو سليم وقال:
– اسمعني قبل أن تذهب ، قد تزهق بعض الأرواح البريئة، رغم ذلك الشعب الكوردي لم و لن يخنع، الكورد شعب لا يستسلم، ووقفوا في وجه أعتى الطُغاة، وما أَخافتهم ولم تكسر عزيمتهم الأسلحة الفتاكة، والأنفال ، والمجازر التي مُرسَت بحقهم، وإن قُتل منهم شخص وُلدوا بالعشرات الشعب الكوردي لا ولن يُفنى، وإذا أقدمت على ما تنوي، سيُثبت لك أهل جنديرس غدا ما أقول، خلاصة القول نحن جبناء والكورد أمة الشجعان؛ لأنهم أصحاب حق، واعلم أن من بعنا له أنفسنا اليوم سَيبيعنا غداً بأرخص الأثمان، فنحن قوم لا نستحي ….