أدب

كعبة الأوطان

فايز حميدي | شاعر فلسطيني مغترب
-١-
يا وديعة الروح ورمز المحبة
من أين أبدأ والصحراء تمتد ؟
الباب موارب
والقلب مجهد
والأفق رخو متحصن بعتمته
شاحب الظل ، غامض الوقع
والمساء حزين ..
وأنين يخنقه الدجى
يتغلغل في وجع التكوين
أعانق جسدك النازف
وانهيار الجهات
ما بين أشلاء وطين ..
-٢-
يا عشبة الروح ورفيقة الزيتون
ضاق الفضاء
وهزني شوقي إليك
لا وطن بعدك يُبتغى … فتوهجي
أقرأُ في عينيكِ يا خيمة الروح
وجعُ الأسئلة ..
ثمة أشياءٌ وأشياءٌ
جنون يهوذا يَغتالُ المدينة
تسرحُ ضباعهُ ، وغربانهُ ، والقبعاتُ السود
في ليل قهرِ القديسَّة المقدَّسة
أنا المنفيُّ مُترباً بالحَنينِ
أنزف محموماً
ذاكرةً طريةً وقلب لهيف ..
أتأمل ساحل الرؤية
نهر من الدَّم
النار تشب في كبدي
والليلُ في جبهةِ الأمسِ صرخةٌ
ترصعهُ نُقاط ضوءٍ بعيدةٍ
أتأمل أفول الشمس ورجع الصدى
ووصمةُ عار المدن اللقيطة ..
بخاصرة تعبى
أتأملُ خلف حدود الليل
والأبواب مغلقة في وجهي
بحر من الصمت
والتواطؤ يزدهي
أعانق حزنك الشفيف يا هاربة العينين
في ليلك المحزون
قبائل ينشدها العبيد في ليل العرب
والشمس في غلس تنام …
-٣-
لهفي على أمةٍ
أرخت للريح مراكبها مصلوبة
غامت في مُقلتيها الرؤى
لهفي على بلاد
مات ربيعها وشمسها مؤجلة
تسير متعثرة بأحلامها كمن لا يرى
لهفي على أوطان
تداري عُريها كجداولٍ جفَّ فيهِا الطين
وغارَ فيهِا الماءَ
بلادٌ تتلوى في إسارها نزفتْ ألوانها
نوارسٌ أضاعتْ شواطِئُها
وطعناتٌ تلمعُ على الأرواحِ
-٤-
هي الليالي تمضي محزونة المُنى
مثل جُرحٍ يَنزُّ
مثلَ قلب شريد
كثيرونَ نحنُ كالضبابِ في بلادِ الشّمالِ
كفواجعنا الجسام كالغبار
كثيرون نحن في دروب
أطفأ الماضي مداها
لا نملك من سفينة تيهنا
وقلعة رمادنا وصلصالنا المكسور
وضياؤنا الضئيل غير المراثي
وفضيحة الصمت
ولون الغروب
وسحنة الردى
والعيون الحزينة
-٥-
ذاكرتنا ، ترابنا ، تاريخنا ، تراثنا
ليست أكوام ركام فوق الفلاة مبعثرة
هي :
مرفأ النور
وميلاد الخصوبة
وعرس الشمس
وسر الحرف المطوي
وانتحاب المساء
واختمار القصيدة

أرض كنعان ليست خاطرةٌ عابرة
هي :
الطريق والنشيد والمجد التليد
والبلد ..
واندفاع خفي للحياة نحو النور ..
هي :
أول الحلم ، وبهجة الفجر ، وصرخة البلد …
يا قدس :
ها قد مضى زمن
تقطعت بنا السبل
وشط بنا النوى
زهورنا ذبلت
وأقلامنا جفت
وجف الكلام ..
-٦-
يا قدس
يا رائحة الأرض وموطن الحُلم
وعشقاً حرَّر الروحَ من هويتها
نورك
وروحك
وسنابل قمحك
تنبض في شرايين الأحفاد والأبناء
كم مررت بمحاذاة الردى
وأنت تنبضين بالحياة
مساجدك ، وكنس سامرييّك وكنائسك
الأكثر حضوراً في ذاكرتي
ستبقين يا قدس حرة كالضوء
يا ظلاً سامقاً وضاء ….
-٧-
يا قدس
يا مدينة البهاء
صبراً ، سينبثق الضياء مختالاً ومنتشيا
نحنُ إذا خضنا الغمار أهلهُ
وإذا قيل الفداءُ تقدمنا الصفوف

هذي نابلس تصادق الريح ولا تنحني
شمّاء القامة
شامخة الجبين
العز في ” عرينها “
بسنا نورها المتفجر الحاني
تضيءُ حُلكةَ الليالي
وأحجار الطريق
بدمها العاري تحرس راياتها
شاهقة الرؤى فوق غمام شفيف

هذي مدينة القسام
تمتطي صهوة الخيل
وتحييك يا قدس بدم الشهيد
يا وديعة الروح
كم طوعت الغياب بكثافة الحضور ؟!
قِبلَتُنا أنتِ ، يا كعبة الأوطان
جنتنا أنت ، يا جنة الله على الأرض
يا صحيفة المجد ، وصولة النّورِ ..

” ستبقى القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى