أدب

فنون تهامة اليمن من وجهة نظر الشاعر عبدالله البردوني

قراءة في كتاب: فنون الأدب الشعبي في اليمن

عرض: حميد عقبي | باريس

لكثير من الأكاديميين والنقاد العرب يتجهون إلى كتاب (فنون الأدب الشعبي في اليمن) للشاعر الراحل عبدالله البردوني وهو قمة في الجمال والتبسيط وإن كان لا يشمل كل فنون اليمن الشعرية، فمثلا فيما يخص الفنون الشعرية والغنائية في تهامة اليمن، فقد أفرد لها جميعًا مبحثاً واحدًا صغيرًا يبدأ من ص 340 وينتهي 361، وكأنه لم يصله الكثير عن الشعر الشعبي التهامي وتفصيلاته فكتب في نهاية صـ 361: “فليست هذه الجولة في الفنون التهامية إلا كالشاطئ من البحر أو كعناوين فصول الكتاب، كلها مجرد دلالة قد تحمل على التقصي، وقد تكفي كإثارة البرق التي تختصر النجوم”. لكن هذا لا يقلل من شأن مبحث أستاذنا البردوني.


كتاب (فنون الأدب الشعبي في اليمن) للشاعر الراحل عبدالله البردوني، يعلمك كيفية تناول الكتابة عن الموروث الشعبي العربي بشكلٍ عام وليس اليمني فقط وما يهمنا هنا تناول بعض النقاط التي لفتت انتباه البردوني وسوف نحاول نلخصها بالنقاط التالية:

أولا ـ ذكر البردوني ببداية مبحثه أن العائق الجغرافي والمناخي أدى لصعوبة التواصل الثقافي، تهامة تتسم بجوها الحار كما ذكر أستاذنا وكانوا يسمونها (بلاد السِدامة) بسبب المناخ وملوحة الماء، هنا يبدو أن البردوني يشير إلى مدينة الحديدة عاصمة المحافظة حيث توجد مدن كثيرة بعيدة عن البحر قليلاً وجوها جيد كمدينتي بيت الققيه وكذلك زبيد ومدن عدة وأغلب هذه المدن وريف تهامة الغربي كله زراعة وتشتهر بالماء العذب وتهامة ليست مدينة واحدة أو عدة قرى فهي تمتد من أقصى شمال المخلاف السليماني شمالاً وحتى ذباب والمخا جنوباً ومن ساحل البحر الأحمر شرقاً إلى جبال ريمة غرباً ومنذ أن احتل الإمام عنوة تهامة ووصل لبلاد الزرانيق بجنوبها فقد دمرّ وأحرق ونهب الكثير من الأراضي وورثت الجمهورية الإمام في تعامله القاسي مع تهامة، وأكيد الجميع يتفق أن طريق الصين الذي يصل صنعاء بالحديدة كان مهما لكسر العائق الجغرافي ومفيد لصنعاء وكل المدن في المرتفعات فالحديدة هي رئة اليمن وكان الميناء الوحيد لما يسمى سابقا اليمن الشمالي وبالتأكيد فإن طريق الصين سهل التنقل والتبادل الثقافي.

ثانيا ـ يذهب الكثير من الباحثين في تهامة أن أصل ومنبع الشعر الحميني تهامي ويذهب بعضهم أيضا أن تهامة لم تكن بعيدة عن الغناء والموسيقى منذ تأسيس الدولة الزيادية وثم الرسولية وكانت زبيد من المدن الحضرية العريقة بالجزيرة العربية وتعتبر جامعة إسلامية علمية وثقافية وأفرزت الكثير من العلوم والفنون الأدبية والمدارس الشعرية وبطبيعة الحال الكثير من ألوان الغناء والألحان وكان للسلاطين من بني رسول شغف بهذه الفنون، لم يذكر أستاذنا البردوني ولو ومضات مختصرة عن عمق الموروث التهامي وعراقته وذكر فقط أن اللهجة التهامية غنية بمفردات حميرية ونفهم كذلك أن تهامة تأثرت كثيرا بلهجات المدن الساحلية .

ثالثا ـ يستعرض البردوني الفنون التهامية ليحصرها في أربعة فنون هي الموال البحري والغناء الشامي ـ والطارق وأغاني الرعاة ولكنه بعد ذلك يتحدث عن الشعر اليماني ويظهر بشكل واضح نقص المعلومات حين كتب كتابه وربما اجتهد ان تكون الفنون التهامية موجودة ولو بشكل مختصر جدا فإن أللون الشعر في تهامة هي طبعا الموال والذي لها تنويعات كثيرة جدا ثم الشامي وانواعه ثم الشعيبي وهو مدرسة خاصة مستقلة وشهيرة ثم اليماني بجنوب تهامة وينقسم إلى ثلاثة أنواع الأزيب والمغنى والمعنوي والحقيقة لقد تأخر كثيرا نشر الكتب والأبحاث عن الموروث التهامي وكان الشاعر عبدالله البردوني سباقاً ولا أعتقد أنه كان يزور تهامة كثيرا وربما لم يزرها قبل أو خلال كتابته هذا الكتاب وربما لم يضف للكتاب في الطبعات التي تمت خلال حياته ولا أدري إن كانت للبردوني مقالات عن الموروث التهامي فقد ضاع ارشيف صحيفة الثورة وصحيفة 26 سبتمبر وكان البردوني يكتب في النقد والتراث وعن بعض ما يعجبه من اصدارات.

رابعا ـ في حديث أستاذنا البردوني عن الغناء اليماني تبدو أن النماذج قليلة جداً وقصيرة جداً وقد أطال في طرح السؤال عن معنى التسمية ويبدو لم يكن يملك نماذجا كثيرة ولقد حُرمنا فعلا من تحليلاته الذكية والتي يطرحها بعدة أساليب تشويقية مع بعض المقارانات بنماذج في منطقة الهضاب أي صنعاء وخولان وغيرها.

خامسا ـ ربما قلة النماذج ووصول نماذج متوسطة الجودة وربما أقل جعلت شاعرنا البردوني يختصر الحديث عن فنون تهامة وطبعا مناقشتي السريعة لهذا المبحث لا تعني الإقلال من الجهد البديع والعبقري الذي بذله في هذا الكتاب ولا يوجد أي عمل إبداعي إنساني كاملاً وربما بدأت الأبحاث والنشر الجيد عن الموروث التهامي في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي إلى ما قبل الحرب التي أثرت ثأثيراً كبيراً جداً على البحوث الميدانية والنشر وكم يسعدنا عندما ينشر أي كاتب يمني كتاباً في أي نوع من أنواع الإبداع فيعتبر بمثابة غيمة تروي الجفاف والعطش وخاصة بعد تخلي كل الهيئات اليمنية الرسمية عن حتى التفكير ولو للحظة لدعم الثقافة والفنون..رحم الله أستاذنا البردوني وكل الرموز والرواد وكنت محضوضاً بزيارته واللقاء به عدة مرات وبجلسات خاصة ثرية بالثقافة والضحك فقد كان يحب الضحك والمزاح في الجلسات الخاصة في بيته ويغرقك بعشرات القصص والنكات من أسفاره ومغامراته في أقطار عربية وأجنبية كثيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى