تسخين الحضن العربي على حطام عالم القطب الواحد ونجاح المقايضة
بقلم: سمير عادل – العراق
عقد قمة الجامعة العربية في مدينة جدة السعودية تعكس عدة مشاهد إقليمية ودولية، وتفصح أيضا عن تحولات سياسية كبيرة تجري في المنطقة، مفادها إسدال ستار عن مرحلة وتفتح صفحة أخرى لمرحلة تمر بمخاض عسير، وتباشيرها، أفول عالم القطب الواحد وبزوغ فجر عالم متعدد الأقطاب.
البيان الختامي لمؤتمر القمة، أكد على نقطة جاءت في كلمتي محمد بن سلمان وبشار الأسد وهي عدم السماح للتدخلات الخارجية بالشأن الداخلي العربي، فكل واحد منهما اكتوى بنار التدخل الأمريكي ولكن بدرجات مختلفة، لذلك تزامنت في ورود كلمتيهما بعدم التدخل أو عدم السماح بتحول المنطقة الى ساحة للصراعات كما جاء على لسان الأمير محمد بن سلمان، فبشار الأسد خاض حربا أهلية بالوكالة مدة اثنتي عشر عام، بينما لسعت تداعيات تقطيع أوصال الصحفي السعودي المعارض لسياسات بن سلمان جمال الخاشقجي على يد المخابرات في القنصلية السعودية في إسطنبول الى هيبته واعتبار العائلة المالكة عبر وعيد وتهديد جون بايدن اثناء حملته الانتخابية ووعد بتحويل المملكة الى بلد او دولة منبوذة.
ابطال مشهد القمة العربية، ثلاثة لا رابع لهم، بشار الأسد الذي كان حتى قبل يوم واحد من الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، فهو جزار ومجرم حرب في أعين فضائيات الجزيرة القطرية والعربية السعودية والى حد قريب في سكاي نيوز الاماراتية، ويجب محاكمته بتهمة قتل شعبه لاستخدامه البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والاعدامات، وكان الاعلام المذكور يعقد اللقاءات والمقابلات مع اقطاب ثوار الكونترا* السوريين طوال اكثر من عقد الزمن، ولم تكتف عند تلك الحدود الإعلامية وتلميع شخصيات المعارضة الغارقة في مستنقعات المخابرات الغربية أمام الراي العام العربي والعالمي، بل كانت تمول تلك الدول بلا حدود كل العصابات الإسلامية من كل حدب وصوب، وبجرة قلم على كل ذلك الزمن، يتحول الأسد الى نجم اجتماع القمة العربية دون اية مقدمات، وكلا الطرفين سواءً الأسد أو أبن سلمان تجنبا فتح صفحة الماضي ومحاسبة من هو وراء قتل الاف من الشعب السوري، ومن يتحمل مسؤولية تهجير الملايين، ومن كان السبب بتحويل سورية الى منتجع لكل الاطراف الإرهابية كدول وكجماعات.
اما الثاني كان الرئيس الروسي بوتين بالرغم من عدم حضوره وعدم قراءة كلمته الى المؤتمر، فيعود الفضل له بلعب دور كبيرا في نسف أسس عالم القطب الواحد وتأهيل بشار الأسد ونظامه من جديد وتعويمه على المشهد السياسي في المنطقة، بل ويعود الفضل له في تغيير المعادلات السياسية في المنطقة منذ دخوله حرب مباشرة في أيلول ٢٠١٥ في قصف المعارضة الإسلامية وداعش في سورية. والصدق يقال؛ لو لا تدخل روسيا في سوريا لكان داعش واحرار الشام وغيرهم من المجموعات التي تشبه طالبان أفغانستان يحكمون بلاد الشام والعراق.
أما البطل الآخر فهو محمد بن سلمان الذي حول السعودية الى لاعب إقليمي ودولي دون منازع، وهو قد قرأ أو تنبأ مبكرا بأفول القطب الواحد، فراح يبيع النفط الى الصين باليوان -عملة الصين الوطنية، واتفق مع روسيا في تخفيض انتاج النفط بالرغم من توسل الإدارة الامريكية إليه، وفتح الباب لدخول الصين الى الشرق الأوسط من أوسع ابوابه واعطى الفرصة لتحقيق المصالحة مع عدو السعودية اللدود ،إيران، وتحت المظلة الصينية، ويحاول الآن تصفير المشاكل في المنطقة، ولكن كم ينجح في مساعيه هذه، فهو مبحث آخر.
وأكثر المشاهد الدرامية التي صاحبت مؤتمر القمة العربية هي حضور الرئيس الأوكراني فوليديمر زيلنسكي، فحلَّ ضيفا ثقيلاً على المؤتمر، ولم يستسغ أحد من “الاخوة العرب” خطابه، ولكن حضوره الى المؤتمر الذي لا يجمعه اية “رابط دم او لغة او جغرافية او دين او تاريخ مع العرب”، الأسس التي قامت عليها الجامعة العربية، إلا أنه ضربة معلم من قبل بن سلمان بالرغم من الحملة الإعلامية التي شنتها الصحف الجزائرية عليه بأنه لم ينسق ولم يبلغ بن تبون الرئيس الجزائري والرئيس السابق للمؤتمر الأخير لقمة الجامعة العربية، و بأنه أي أبن سلمان لاعب عابر للحدود الإقليمية وإنه يعد العد لاحتلال السعودية مكانة في العالم الجديد، عالم متعدد الأقطاب.
عقد مؤتمر القمة العربية في جدة يشكل منعطف أيضا في تاريخ الصراع الأيديولوجي الطائفي الذي اجتاح المنطقة في العقدين الأخيرين بعد غزو واحتلال العراق وما سميت بالربيع العربي، ذلك الصراع الأيديولوجي الذي تم تحضير ارواحه وزجها في الصراع السياسي لتبرير الحروب الاهلية والعمليات الإرهابية التي كانت تعصف بالعراق ولبنان واليمن وليبيا، أي بعبارة أخرى نقولها سقطت كل الأوراق الطائفية وأوراق البديل الإسلامي، السياسي للبرجوازية العربية والمدعومة بشكل خاص من قبل الإدارة الامريكية سواءً أكان جمهوريا أو ديمقراطيا.
وأخيرا وبعيد عن الطبول الإعلامية والفذلكات الكلامية والخطب الرنانة حول العرب والعمل العربي المشترك وكل ما هو من تلك العبارات والخطب العصماء، فقرارات مؤتمر القمة العربية لن تختلف عن بقية المؤتمرات التي تعقدها، الا انها تعبر عن شيء أساسي بالنسبة لجماهير المنطقة، فمؤتمر جدة هو طي مرحلة “الربيع العربي” وتداعياتها على المنظومة السياسية في المنطقة، وعادت الأنظمة القومية تحكم بالحديد والنار، وأن عملية المقايضة التي عرضت على الجماهير المحرومة من الحرية والكرامة والرفاه التي خرجت في الثورتين المصرية والتونسية، وهبت نسيمهما على المنطقة، نقول مقايضة الأمان مقابل الخنوع والخضوع، نجحت في ذلك، ومؤتمر القمة العربية أضافت الشرعية الرسمية على ذلك النجاح.
*بعد صعود حركة ساندينيستا الى السلطة في نيكاراغوا عام ١٩٧٩ وهو تيار يساري ، شكلت المخابرات الامريكية بأوامر من الرئيس الأمريكي رونالد ريغان آنذاك بعد انتخابه في عام ١٩٨١ لتمويل جماعة معارضة في نيكاراكوا للإطاحة بالحكومة اليسارية، وقدمت كل أشكال الدعم لها وسميت حينها بثوار الكونترا، وراحت تختار مصطلح الأهداف الرخوة لقصفها وتدميرها من قبل تلك الجماعة او العصابة المدعومة بشكل مباشر وعلني من المخابرات المركزية الامريكية، مثل المستشفيات والمدارس ورياض الأطفال. الخ.