أدب

أوراق الخريف.. أحلام طبيب (٦)

شرين خليل | مصر
وجدتها أمامي ..
دق قلبي ….وتسارعت نبضاته ….
تعالت أنفاسي …
حاولت إخفاء شوقي ولهفتي …
ماذا يحدث لي عندما أراها؟؟
أنسى قسوة الأيام والعذاب…
أبي يقف بجانبي ينظر إليّ نظرة شفقة وحيرة …
اقتربت مني وقالت:
ممكن نتكلم مع بعض لوحدنا ..
التفت إليّ أبي وقال : أنا هاشوف الأستاذ طلعت المحامي واسيبكو مع بعض…
ذهب أبي ودار بيني وبينها حوار عبارة عن عتاب ولوم ولكنه في الحقيقة فخ…للمرة الثانية أقع في شباكها …غزلت خيوطها وتلونت وألقت حبالها…وما كان لي إلا أن أستسلم لها …
أخبرتني أنها نادمة على ماحدث ولديها الرغبة في السفر معي ووعدتني بأننا سنبدأ حياة جديدة وننسي الماضي …
سألتها:
ليه ماقولتيش كده من الأول ؟ جايه بعد ماوصلتينا للمحكمة تقولي كده؟؟
بصراحة أنا أتسرعت في قراري دا وبعدين كل حاجه ممكن تتصلح والقضية تنتهي..
يعني والدك بيشتكيني بوصل أمانة وإنتي عاوزه تاخدي الشقة ..ليه كل دا؟ أنا مش فاهم بتعملوا كده ليه؟؟
-عشان ماتسبنيش..
-إنتي اللي مش عاوزه تعيشي معايا … وبعدين والدي جالكو لحد البيت واتعرض للإهانة..
– إنت عارف كويس إن والدك مش بيحبني ومش موافق على جوازنا عشان كده هما شدوا مع بعض في الكلام وبعدين أنت لو كنت موجود ماكنش دا حصل ..
وإيه اللي يضمن لي إنك صادقة …
-الضمان إني هاسافر معاك …أنا هانتظرك إنهارده تيجي وتتكلم مع بابا وعشان تطمن هات المحامي بتاعك معاك …
-طيب إحنا هانعمل إيه دلوقتي ؟؟
– مفيش هانمشي ونسيب المحامي يتصرف …
-طيب تعالى أوصلك ..
-لا أنا هاستنى واحده صاحبتي محامية هاتخلص ونروح سوا …
-المفروض تمشى معايا…
-أصل أنا متفقة معاها وهي دلوقتي في جلسة ومش هاعرف اتصل عليها .. وبعدين إنت لازم تمهد الموضوع لوالدك مش يمكن يرفض …
-أنا فعلاً مش عارف رد فعله هايكون إيه ومش عارف المحامي اللي أنا وكلته مجاش ليه …
-الغايب حجته معاه …
-أنا هاطلع أشوف بابا وأكلمك…
خرجت لأبحث عن أبي وجدته يقف بالخارج وهو حزين :
مالك يابابا ؟؟
-المحامي تليفونه مقفول ومجاش لحد دلوقتي…والجلسة خلاص كمان ربع ساعة..
-على فكرة يابابا رهف عاوزه صُلح ..
-صُلح؟؟
-أيوا..
وإنت مصدقها..
-وهي هاتكدب ليه..هي اللي معاها كل حاجه وموقفها أقوى مني …يعني أنا اللي مفروض أطلب الصُلح
-بص يابني تعالى نروح للمحامي المكتب ونشوفه مجاش ليه ونتكلم معاه. .
ذهبنا إلى المحامي ولم نجده ولم نعلم أين ذهب …حتى أقبل المساء ووجدت منه رسالة إعتذار عن عدم حضوره …
ذهبت إليه مسرعاً أنا ووالدي ..
الغريب أنه يتعامل مع القضية بهدوء تام وعندما أخبرته بما قالت رهف، رحب جداً بالفكرة وقال:
طبعاً فكرة هايلة..إحنا بنحاول نصلح بين الناس ودي حاجة كويسة إنها هي اللي تبدأ .. عموماً خدها وسافر ويمكن لما تسافروا الدنيا تهدى والمشاكل تنتهي…
-والقضية اللي هما رافعينها؟؟؟
-ماتقلاقش أنا موجود ومتابع…سافر وأنت مطمئن …
-أنا محتار ومش عارف إيه اللي بيحصل بالظبط…
-يادكتور وليد إحنا بنشوف قضايا كتير كل يوم ناس مش بتكون طايقة بعضها وفي ثواني تلاقي الدنيا بقت تمام واتصالحوا..
-طيب كان لازمته إيه من الأول..
-ياسيدي يمكن بتتدلع عليك …
-دا عذاب مش دلع …
-عموماً أنا هاروح معاك عندهم ونتفق إنك تاخدها معاك وهما يتنازلوا عن القضايا …
ظل أبي صامتاً فهو لم يشاركني الرأي في إتخاذ القرار..
لأنه يعلم أنني مازلت أحبها …وفي نفس الوقت خائف من غدرها…
ولكني رضخت واستسلمت مرة أخرى…
وذهبت إليها واتفقنا وسافرت معي …
كان في استقبالها صديقة لها تُقيم في نفس المنطقة وعلاقتها بها وطيدة …
وهذا ما جعلني أشعر بإرتياح حتى لا تشكو رهف من الملل ..
وصلنا إلى المنزل..
أخيراً انتهينا من الصراعات وسنبدأ حياة مستقرة…وماحدث كان عكس ذلك فهي ساخطة على كل شئ، لا تُريد أن تتحدث معي ولا تتعامل معي..تتعمد الإبتعاد عني … تركتها كما تُريد حتى تعتاد على المكان وتتكيف معه وتعتاد عليّ أيضاً…فأنا أعلم جيداً أن الغربة لها تأثير سئ وخاصة في بدايتها …فليس من السهل على الإنسان أن يبتعد عن أهله ووطنه….
وبعد عدة أيام استيقظت من النوم ولم أجدها …
بحثت عنها في كل مكان..
اختفت ..
في البداية اعتقدت أنها ذهبت لشراء بعض الأشياء… الوقت يمر وهي لم تأتِ…تذكرت صديقتها فهي الوحيدة التي تتحدث معها ..
لا أعرف هاتف صديقتها ولكن أعرف مكان منزلها ذهبت إليها أخبرتني أنها جاءت إليها تطلب المساعدة وتـُريد العودة إلى أهلها ..
طلبت أن أقابلها رفضت وقالت لي صديقتها :ممكن تنتظر يومين وتبقى تتكلم معاها…
شعرت أنني وقعت في بئر ولا أستطيع الخروج منه ..
لماذا تفعل بي كل هذه الأمور؟
تتلاعب بي …
مرت الأيام وأنا لا أستطيع العمل والحياة أيضاً…
أذهب إليها وترفض مقابلتي والحديث معي وانتهى الأمر بعودتها إلى أهلها…
هربت مني وتركتني حائر…
مُحطم …
وأخبرني والدي بأن القضايا مستمرة ولم تتنازل رهف ولم يتنازل والدها … وتطلب الإنفصال وتدعي بأنني عاملتها بقسوة شديدة..وأهنتها ولهذا السبب تركتني وهربت …
سفرها معي كان حيلة حتى تنتصر وتهزمني ..
وللأسف مافعلته رهف كان بعلم من المحامي الذي وكلته في قضيتي خدعني وباع ضميره لوالد رهف حتى أخسر القضايا وهذا سبب عدم حضوره للجلسات…
إزداد الأمر تعقيداً وإزددت إحباطاً..
تمنيت الموت ..فالندم قتلني …
ضاعت أحلامي وأصبحت مهدداً بالسجن …
جاءت كلمات والدي لتلطف بي وبقلبي : ماتقلاقش يابني دا أنا لو هابيع كل ما أملك بس أخرجك منها …
-سامحني يا بابا …أنا ماتخيلتش إنهم بالسوء دا …
-في ناس يابني زي ديكور وبس من برا لهم بريق خدّاع ومن جوا وهم وكدب وضلال …
-أنا مستقبلي ضاع …وسنين من عمري راحت …
-لا يابني أوعى تيأس ..أنا هاشوف محامي تاني يكون عنده ضمير …إذا كان فيه واحد غشاش في كتير محترمين …ومش هاسكت إلا لما القضية دي تنتهي …
-أنا تعبتك معايا يابابا كتير …
-أنت ابني وأنا مسؤول عنك وكان لازم أمنعك بالقوة لكن أنا سيبتك تعيش التجربة وبعدت عنك … كان لازم أعرفك من صغرك إن في ناس جواهم مكر وخداع ومش لازم نصدق كل اللي بيتقال …
-أنا اتعلمت الدرس بس متأخر جداً…أنا أنتهيت …
-لا يابني إنت ابتديت …
-ازاي…
اللي فات نتعلم منه ومع الوقت هايتنسي …ولازم نركز في اللي جاي …
– مش قادر يابابا …غصب عني مش قادر …
-هاتقدر يابني ..
عارف يابابا أنا نفسي أقول لكل شاب ماتغلطش غلطتي وتعمل زيي ..اسمع كلام اللي أكبر منك لأنهم شايفين اللي إنت مش قادر تشوفه وعارفين أكتر منك ..بلاش تاخد بالمظاهر وتنخدع …
بلاش تمشي في طريق كله أشواك وتغامر …بلاش تثق في حد خدعك …
أوعى تدخل دائرة الوهم اللي أنا دخلتها وعشت فيها ..أنا خدعت نفسي قبل ماهي تخدعني …
أنا دمرت نفسي وحياتي …
-كفاية يابني قطعت قلبي، صوتك وهو مجروح دبحني …كله هايعدي ودا ابتلاء وإذا كانو هما خدعوك فربنا مش هايسيبهم..لهم يوم …كل واحد هاياخد عقابه عاجلاً أم أجلاً…الدنيا مش سايبه يابني …فوض أمرك لله وهاتتحل إن شاء الله…
-هاتجنن ونفسي أعرف عملت فيا كده ليه ..
-هايفيد بإيه إنك تعرف ..اعمل زي ما قولت لك وفوض أمرك لله ….
-ونعم بالله….
-أنا رايح لطارق وماجد وهانشوف محامي تاني وكل شئ هايتحل ..
أغلقت الهاتف مع والدي وجلست مع نفسي :
من الممكن أن أكون أنا المخطئ أو بمعنى أدق الجاني …
جنيت على نفسي أولاً…وجنيت عليها ثانياً…
لم أفهمها ولم تفهمني …
طبيعة حياتها مختلفة عن طبيعة حياتي …
من المحتمل أن تراني سئ وتخاف مني …
ظنت أنني فارس أحلامها وانخدعت…
خافت من طيبتي الزائدة….وضعفي المُفرط…
لم تشعر معي بالآمان …
لم أقدم لها سوى التنازلات …
لم تجد عندي القوة …التي تحتاجها الفتاة …لذا لجأت إلى الضمانات المادية ….
علقت في ذهنها صورتي الضعيفة فقط ولم تراني الفارس المغوار …
حطمت آمالها وأحلامها …
فأنا أعترف بضعفي وقيلة حيلتي …
لن ألومها حتى ولو أخطأت …فهي لم تفهمني ولم تبادلني نفس الشعور بالحب ولها الحق في ذلك فهي لم تشعر بحبي لها لأنني أحببت شكلها ولم أحبها …
لماذا أتهمها بالغدر وأنا من بدأت عندما غدرت بنفسي ولم التفت لنصائح أبي وعندما قطعت الرحم وعصيت أبي وأمي ..
هل تأمن لي بعد ذلك ؟؟
هل تعيش مع إنسان ترك والديه؟؟
أنا من بدأت والأن جاء موعد الجزاء…
سأتنازل عن كل شئ حتى أعيش في سلام …
اتصلت على طارق لأخبره بقراري ولكنه قال لي: خلاص ياوليد إحنا لقينا محامي كويس جداً وسلمناه كل الأوراق اللي تثبت إن الشقة بتاعتك وكمان ماجد كلم رهف وفهمها إن الشقة عليها اقساط كتير وهي لو اخدتها هاتدفع الأقساط ولو مادفعتش هاتتعرض للمسؤلية وبكده رهف هاتشيل موضوع الشقة من دماغها .
شوف ياوليد ممكن رهف ماتكونش تقصد كل اللي عملته دا ..
-إزاي مش فاهم…
-ممكن يكون المحامي بتاعهم اللي قالها تعمل كده وهي سمعت كلامه…
-يعني ملهاش مخ تفكر بيه ..
-ساعات الإنسان بيكون مُحاط بناس شكلهم ناس لكنهم جنود لإبليس …
-بلاش مبررات لها ياطارق مش عاوز التمس لها أعذار ولا عاوز أحن لها تاني .. أنا عاوز أخلص من الموضوع دا..
-أنا مش بدافع عنها بس اللي زي رهف دي مش بتاعت مشاكل وقضايا دي واحدة عاوزه تعيش حياتها بطريقتها يعني حياة مُرهفة بدون مسؤوليات ولا تعقيدات … وعموماً ياسيدي
اعتبر الموضوع انتهى..
-نفسي ياطارق اغمض عيني وافتحها الاقي كل حاجه انتهت …
-اصبر ياوليد …فات الكتير ومش باقي إلا القليل ….
-مش عارف أشكرك إزاي ياطارق…
-اللي محتاج تشكره بجد هو والدك اللي تعب معاك جداً…
-فعلاً معاك حق..
-وليد …
-نعم ياطارق..
-بعد كده اسمع كلام والدك وماتتعبناش..
-ضحكتني ياطارق وأنا بقالي كتير ماضحكتش..بس أنت معاك حق..
-انتظر مني مكالمة قريب ابشرك بيها ….
-يارب ياطارق…
-مع السلامة…
-مع السلامة…
مرت الأيام وأنا في دوامة من التساؤلات…
هل أنا كنت سئ معها، هل أنا السبب؟
هل سينتهي كل شئ بهدوء أم سنظل في صراع ؟؟؟
حتى جاءني الرد من طارق :

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى