محمود شقير يفتح نوافذ البوح والحنين
بقلم: جميل السلحوت
عن دار طباق للنّشر والتّوزيع في رام الله صدرت مؤخرا مجموعة” نوافذ للبوح والحنين” القصصيّة للأديب الكبير محمود شقير. وتقع المجموعة في 230 صفحة من الحجم المتوسّط.
يؤكّد محمود شقير من جديد أنّه مدرسة أدبيّة متجدّدة، فهو لا يكرّر نفسه ولا يكرّر غيره، بل يخوض التّجريب خصوصا في العقدين الماضيين، فيأتينا بجديد غير مسبوق. ومحمود شقير المعروف كقاصّ وروائيّ، واحد من روّاد القصّة القصيرة جدّا في العالم العربيّ. وقد كتب في أكثر من صنف أدبيّ عدا عن القصّة والرّواية للصّغار وللكبار، فكتب اليوميّات، المراثي، المسرحيّة، المسلسلات التّلفزيونيّة، السّيرة الذّاتيّة والسّيرة الغيريّة وغيرها، كما كتب المقالة السّياسيّة والأدبية والنّقديّة.
ويجدر التّنويه هنا بأنّ هذه المجموعة القصصيّة ليست الأولى لشقير التي يحمل عنوانها “النوافذ” فقد صدرت له عام 1991 مجموعة قصص قصيرة جدا تحمل عنوان”صمت النّوافذ” وصدرت له عام 2001 قصّة للفتيات والفتيان تحت عنوان” طيور على النّافذة”.
وتأتي هذه المجموعة القصصيّة “نوافذ البوح والحنين” التي توقّفت عند عنوانها، فهل ما جاء فيها من مضامين كانت حبيسة صدر الكاتب حتّى قرّر أن يفتح نوافذه؛ ليبوح بها، خصوصا أنّه القائل:” لنفتح نوافذنا على العالم؛ لأنّ الانغلاق موت” ص 163؟
وحقيقة فقد سيطر عليّ عنصر التّشويق في هذه المجموعة فأجبرني على قراءتها في جلسة واحدة، فالسّرد القصصيّ الانسيابيّ، واللغة السّاحرة والمضمون أدهشتني وجعلتني أتساءل: هل أنا أمام مجموعة قصصيّة عاديّة أم أمام قصص قصيرة جدّا، أم أمام رواية، أم أمامها مجتمعة؟ لكنّني كما قال أرسطو:” صانع الحذاء يعرف خباياه أكثر من منتعله”، فالمؤلّف صنّفها كقصص، وقسّمها إلى تسع نوافذ وفي كلّ نافذة عدد من الأقاصيص، وتركنا في متاهة الحيرة.
وعودة إلى القصص، وهنا أقول بأنّ محمود شقير لو لم “يتواجد في مدينته القدس ووطنه فلسطين لما أبدع هذه القصص اللافتة، التي خلط فيها الواقع بالخيال، وعاد بنا إلى ثلاثيّته الرّوائيّة” فرس العائلة 2013، مديح لنساء العائلة 2015، ظلال العائلة 2019. واستعمل أسماء شخوصها، وكلّ نافذة منها ترتبط بخيط شفيف فيما بعدها وفيما قبلها.
وأديبنا شقير المقلّ في كتابة المقالة السّياسيّة والاجتماعيّة، وابتعد عنها كلّيّا في العقدين الماضيين، أظهر لنا أنّه يختزن في صدره عشرات الأحداث، حتى ضاق بها، ففتح نوافذه وألقاها ساخرا من هذا الواقع المرير. والكتابة السّاخرة ليست جديدة على محمود شقير، فقد عرفناه بها من خلال مجموعتيه القصصيّتين “صورة شاكيرا” 2003، و” ابنة خالتي كونداليزا” 2004، لكنّ السّخرية خفيفة الظّلّ في هذه المجموعة كانت بائنة من باب “شرّ البليّة ما يضحك”، وساعده في ذلك لغته الرّشيقة السّلسة البليغة السّهلة الممتنعة .
ومحمود شقير الذي قلنا أنّه عزف عن كتابة المقالة السّياسيّة والاجتماعيّة، استعاض عنها بالقصّ السّاخر، وبالتّالي فقد اصطاد عصفورين بحجر واحد، فالأدب أكثر وقعا وتأثيرا على المتلقّي من الشّعارات والخطابات الرّنّانة.
وقد طرق في قصصه هذه عشرات المواضيع اللافتة التي يعيشها شعبنا، ولم تخلُ هذه القصص من شذرات تشكّل جزءا من حياته ومن سيرته الذّاتيّة، وهذا ما كشفه في الأسطر الأربعة الأخيرة من الصّفحة 216، وفي السّطر الأوّل من الصفحة 2017.
يبقى أن نقول أنّ هذه العجالة لا تغني بأيّ شكل من الأشكال عن قراءة المجموعة، التي تشكّل إذافة نوعيّة للمكتبة العربيّة.
23-5-2023