أدب

خُطى الحَنين

شعر: فايز حميدي | السويد
-١-
ما بين سُكون الليلِ وَبوحُ الفَجرِ
ذلك الكَهفُ الغائرُ في باطني ..
يُرامقُني
كمْ أخشى إضَاءته !!
هي الذاكرةُ المُتوارية في ثنايا الرُّوح
تُؤرقني …
أُدَانيها ، أُلَاينها ، أُجَاذبها ، أُعَاتبها
أغيبُ جَناحيها … فتعاود !!
وتُرخي ظِلها الرَّماديُّ
كظلال السِّراج الحَزين
وتنصبُ حَواجزها الطَيارة
في الطُرقاتِ المَجهولةِ
والليالي البَاردة
والأحلامُ
والإلهامُ
والمخيلةُ
لتواريخٍ مسَّها الجَفافُ ووهج الجِراح
على كفِّ الزَّمان وكتفِ الصَهيل ..
-٢-
أيها الزَّمنُ الهاربُ من ظلمهِ التتري
أحلمُ أن أُهشِّم عين النَّهار بكلمة “لا”
وهذه البوابة الصَدِئةُ المُطرزة
بالصمتِ والأنين ..
لا عجبَ
أن كل شيءٍ يعودُ القهقرى
ما عاد الأوجُ أوجاً
ولا السَّفحُ سفحاً
ولا القاعُ قاعاً
يولدُ الزمنُ المهيضُ ويتناسلُ
يوم يُشربُ الوَهم
وَيستباحُ المَعنى
وَيغتالُ الشَّاعر …
-٣-
تُسافرُ بيَّ الذَّاكرة والصحراءُ تمتدُ
لقبائلٍ استُعجمتْ
وأمَّ حبين بَدلتْ ألوَانها
وَخميلةٌ برائحةِ النعناع أرختْ أغصانها

تحت جنح الصَّمت ووحشةُ الليلِ
مُدنٌ مَهزومةٌ
وبلادٌ تتكأُ على أضلاعها
وأمواجٌ لا مرئية لِغُزاةٍ
وإماراتُ غَدرٍ ، وقلبٌ جَاحدُ
وَظلال دمٍ قديمٍ يتحركُ
في لحظةٍ من ذهولٍ
طُغاةٌ فرخوا أيتامَهم
ناصَروا الوَهمَ
واغتالوا الحَقيقة !!
كم أخفوا عُريهم بِدمائنا
وأهرَقوا عِفةَ المَعنى
وأدانوا بَراءة الوَردة …

كم من قضيةٍ عادلةٍ صارتْ مَطيَّة ؟!
وصارَ طريق القُدس يُغير الليل لهَجتهُ !!
كيف يُلوى عُنق التاريخَ بلحظةٍ
ويذلُّ شُموخاً
وَيُمسي قاربُ الأحلامِ في بحرِ الآسى أبْكَما ؟!
-٤-
تحتَ جُنح الصَّمت ووحشَة الدُّجى
أسمعُ نشيجاً في الرَّماد
أناتُ مَظلومٍ ، وَصرخاتُ مَخذولٍ
وَحشرجاتُ مَقهورٍ ، واستغاثاتُ أرواحٍ
وأطلالُ أبنيةٍ تَجهشُ
وَجدرانٌ تهرولُ بحثاً عن أمانٍ
ضوءٌ يَحتضر ، وصمتٌ مُريب !!

تحت جُنح الصَّمت والأسى المَرير
أسمعُ بَسملةً
وتعويذةً
ودموعاً مُسدلةً
وأسئلةً بلا أجوبة
وأظفارُ الحزن تَنمو في الوجوهِ

تحت جُنح الصَّمت
سُرقت الأحلامَ والأكبادَ وأُدمى الجَبين
وَجُففَ نهرُ الحياة
وظلُّ الصَّيفُ الأخضر في غابةِ الأبنوس
وانضاء جوعٍ وبؤسٍ
لبلادٍ لُفقت تواريخها إلى لغاتٍ مَريضةٍ
والفضاءُ القَتيلا
بلادٌ راوغتْ في أناشِيدها
فازدحمتْ خيباتُها ، وأطرقتْ في حَياء …
-٥-
أيَّها الجَبلُ الأشمُّ
للخُطى حَنينٌ
يا ثوباً من ضياءٍ
وَفجراً سالتْ من أكمامهِ الذِّكريات ..
تعانقُ السُّحبا وتنشرُ الشَّفقا
وَتغفو على نجمةٍ
وتطلُّ شَمساً ثانيةً على بيتِ أبي المُهدَّمُ ، وأمْسهِ الذَّبيح
ومُقلتي حبيبتي المُشعتينِ بسناءِ الراحلينَ الوَشيك …
جئتكَ عاتباً ليسَ لي غير صَخبي
وصهواتُ ليلي
أُخْفي في عينيَّ بَقايا الفرحَ
وحرائق الذِّكرى
أنا الغريق ، الغريق
وأنتَ ، أنتَ ، الشَّاطئُ والشَّاهدُ

جِئتُكَ عَاتباً والأرضُ تميدُ بي
مُغرورقَ العَينينِ والزَّفراتُ بين جَوَانحي
تتراكضُ في خُلديَّ المَشاهدُ والرُؤى
أُسائلُ نَفسي :
كيف صَمتَّ ، وَصمتُكَ قاتلٌ
على سفحٍ يحزُّ نياطَ القلبِ
ويلفظُ القذائفَ والرَّصاصَ والدَّما ؟

وأكفكفُ الوجعَ على جبينِ قَلبي
لشمسٍ ، وحبل مَشنقةٍ ، وقيثارةٍ
وحنجرةٌ يتيمةٍ تَحلمُ بالصَّهيل
ولرائحة الياسمين ، ولبيادر القمح
وسماء من العصافير …
* *

( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى