أدب

اللعبة الحكائية في تدوين المجموعة  القصصية: غبار الرفوف للدكتور مصطفى لطيف عارف

بقلم: علي لفتة سعيد

    يسعى القاص والناقد الدكتور (مصطفى لطيف عارف)  إلى بناء قصصه القصيرة في المجموعة التي حملت عنوان (غبار الرفوف) عن طريق تفعيل الحكاية من خلال تصاعد الفعل الدرامي لهذه الحكاية داخل القصة الواحدة معتمدا على صيغة روي تفاعلية متصاعدة تبدأ من العنوان وتنتهي بالخاتمة بطريقة أرسطوية تمازجها لحظة المغايرة في تنويعه الحكاية التي يراد لها أن تكون واقعية تماما على اعتبار ان الواقع هم الملهم الأول للحكاية لذا فان الاختيارات الملتقطة من هذا الواقع حتّمت عليه أن يكون بذات النهج الكتابي الذي يعتمد على المستوى الإخباري للروي.

      هذه  المجموعة التي تبدأ بعنوان (غبار الرفوف) وهو عنوان يحمل واحدة من القصص القصيرة التي ضمتها المجموعة التي لم يكتفٍ فيها القاص من نشر قصصه الخمس والأربعين، بل ضمّها  مقّدمة للقاص نعيم عبد مهلهل, وأيضا دراسة نقدية لذات القاص عن واحدة من القصص فضلا عن حوار أجرته معه الصحفية اللبنانية فاطمة منصور, وهو بحسب ما أعتقد تأتي لتعزيز المكانة الأدبية للمؤلف بالنسبة للحوار والإمكانية القصصية له بالنسبة لما قدّمه مهلهل في مقدّمته ودراسته.

إن العنوان الرئيس فيه نغمة جاذبة لكنه حين يكون لقصة من القصص فإن التركيز لن يكون عن فاعلية العنوان الرئيس وارتباطه بالنصوص الكلية بقدر ما هي فاعلية جاذبية خاصة إذا ما عرفنا أن كلمة (الغبار) تكّررت في العناوين ثلاث مرات (غبار الرفوف، غبار المقبرة، غبار المكتبة) لكن ما يشي بارتباط العنوان الرئيس مع القصص الأخرى في حالة استكشافية للعناوين نجد أنها ترتبط بكونها دلالة على فكرة الواقع المغاير/ الواقع المؤذي الذي يتحول إلى غبار والى مأساة وتراجع، وجلد الذات والاستلاب، وإذا ما عرفنا إن أغلب العناوين تتكون من كلمة أو كلمتين إلا ثلاث قصص كانت من ثلاث كلمات (قتل بائع السكائر، ضحايا ضد مجهول، أمنية لا تتحقق) وفي قراءة سريعة للعناوين نجدها ترتبط ارتباطا وثائقيا بالواقع , وهو ما يعني سيطرة الحكاية على اللعبة التدوينية وبالتالي طرح الفكرة يكون من خلال حاصل جمع تفاصيل الحكاية وربطها بالواقع ومن ثم العودة إلى العنوان الذي يكون في اللعبة ليس هو المحرك الأساس، بقدر ما هو خطّ وهمي يربط الحاضر التدوينين كلعبة سردية مع الماضي التكتيكي للقصة وهو هنا يحاول رسم معالم لعبته ليتمكّن من الخروج من رقبة الكلاسيكية إلى مساحة السرد المعتمدة على تصاعد الفعل الدرامي عبر استخدام جمل سردية هادئة راسمة تأخذ طريقة ألحكي المتعارف عليه في القصص الحكائية، بهدف الوصول إلى المستوى ألقصدي الذي تحمله كلّ قصة لأن القاص (مصطفى العارف)  معني بشكلٍ كبير بهذا المستوى ليكون هو المنطقة العليا للعبة السردية. 

إن العناوين التي تعد بوابة المدينة السردية ولعبتها الكبيرة  تأتي هنا محملة بدلالات واقعية وانهزامية أو هي تأشير لفوضى الواقع المشئوم: (جعفوري المتمرد/ الخيبة/ مقتل بائع السكائر/ضحايا ضد مجهول/الكابوس  /المخادعة/موت الأمل/الإدانة/ مرارة الواقع/ذلة الأمل /رسم الألم/فجيعة الماضي/الخطيئة/ البلبل الحزين/اغتيال المديرة/الطبيب الحزين/ اغتيال البلد/ نحر الحقيقة/ بائع الضمير/النذالة).

وهذه العناوين هي إشارة إلى ان متبنيات الفكرة تأخذ المعترك السردي إلى لحظة التفاعل ما بين الحكاية وفكرتها فتكون اللعبة هنا هي قيادة السرد عبر ثلاثة خطوطٍ غير متوازية  تتقاطع أحبانا أو تنفرد بطريقة التفريط القصدي.. الخط الأول: الغاية الأساسية من تبني شكل سردي يعتمد على الحكاية وراويها..  الخط الثاني: الانتقال عبر البداية والوسط والنهاية إلى ما يمكن أن تمنحه الدلالة الحكائية من ترابط مع الواقع. أما الخط الثالث: الحصول على كتلة تأويلية كمستوى أخير من خلال فهم القصدية التي ذكرتها والغاية من القصة من خلال فهم الحكاية ذاتها وصراعها وتواجدها وأهمية تفاعلها ما بين الرأس/ العنوان.. والقاعدة/ النهاية التأويلية.

إن اللعبة التدوينية التي استخدمها القاص (مصطفى العارف)  في بنيته الكتابية تكاد تكون مسؤولة في هذه المجموعة عن تشابه طرق ألحكي فيها، فقد تم استخدام ضمير الأنا/ المتكلّم 29 مرة وطريقة هو/ الغائب 16 مرة وفي كلا  الطريقتين يكاد يكون الاستهلال متشابها وهو الدخول بصورةٍ مباشرةٍ إلى الحدث، كونه يبقى معنيا بالحكاية على اعتبارها واقعية، ولكي تكون كذلك تم ّتقسيم جسد القصة إلى ثلاثة محاور.. المحور الأول: استخدام الواقعية للدلالة على واقعية الحكاية من خلال ذكر الأسماء والشوارع والتواريخ بمناطق معينه هي أقرب إلى القاص العارف منها إلى حكايات الروي الشعبية.. المحور الثاني: الاعتماد على الحوار للدلالة  على وجود الشخصيات التي تعبّر عن ذاتها بعيدا عن تدخّل الراوي وإعطاء لمسة سردية إلى واقعية الحكاية.. والمحور الثالث: البدء المباشر بالحدث من خلال استخدام ثلاث قنوات مهيمنة في هذه اللعبة.. القناة الأولى: استهلال وصفي يبدأ به في طرح المفهوم العام للقصة.. والقتاة الثانية: استهلال راوي يبدأ بالحديث بالتعريف بالشخصية التي ستكون محور الحكاية القصة.. القناة الثالثة: استهلال من خلال إيجاد شخصيات مقاربة أو تكون متوالية أو موازية مع الشخصية المحورية للوصول إلى هدفية القصة وحكايتها.

إن اللعبة التي انتهجها القاص (مصطفى العارف) تبدو في حيثياتها وكأنها لم تخرج من ثوب السرد المتصاعد الذي يعتمد على وجود شخصية رئيسية، ثم حكاية محورية، ثم صراع يقود  الشخصية بحكايتها، ومن ثم النهاية التي تعطي القصدية .ولهذا فأن ما غلب على المجموعة هو المستوى الإخباري الذي يقود الحدث برّمته. وبهذا فإن اللعبة الواقعية في المجموعة هيمنت على الأفكار التي تبحث ربما عن أمل مفقود، أو تقشير الهم الإنساني وإعطاء أبعاده الدلالية للوصول إلى مدلوليه الحدث، وبالتالي إنتاج منطقة العبرة من خلال تفعيل الحكاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى