أدب

فات الميعاد

قصة من واقع الحياة

شرين خليل | مصر

الأحد/ يونيو ١٩٩٩ اليوم الأخير في إمتحانات الثانوية العامة..
أخيراً انتهينا من هذه المرحلة الشاقة لنبدأ مرحلة جديدة..
جلست في انتظار صديقاتي حتى يخرجن من الإمتحان..
أغمضت عينيّ قليلاً لأتخيل يوم النجاح والإلتحاق بكلية الفنون الجميلة وفي يدي الأدوات الفنية
وأرسم الشمس وقت الغروب وهي تلملم خيوطها من موج البحر…
وبينما أنا غارقه في أحلامي إذ بصوت ينادي..
-ياسمين… إنتِ نمتي ولا إيه؟
-حرام عليكي ياهدير أنا كنت بحلم حلم جميل..
-في حد يحلم حلم هنا بردو يلا بينا نطلع من هنا ونتغدى في أحسن مطعم إحنا ماصدقنا خلصنا الإمتحانات..
-طيب فين باقي البنات؟
-منتظرين عند البوابة ..
ذهبت مع هدير وقابلت صديقاتي منار، وفاتن، وإيمان
وتناولنا الغداء معاً..
وبدأنا نتحدث عن أحلامنا المستقبلية..
في البداية قالت إيمان:
أنا حلمي بسيط جداً أتجوز واقعد في البيت ..
ضحك الجميع فردت إيمان غاضبة أنا بتكلم جد هو أنا لسه هاذاكر كلية أربع سنين وأعيش قلق جو الامتحانات المرعب دا أنا سايبه لكو أنتو الأحلام والطموح صح ياهدير ؟
ردت هدير قائله: بصراحة أنا أتفق معاكي في حجات واختلف في حجات أنا بصراحة عاوزه أتعلم واشتغل بس حاجه سهلة بدون تعب ..
تعجبت لما قالته إيمان وهدير ونظرت إلى منار قائله:منار اللي بتذاكر ليل نهار…
قوليلي يامنار إنت نفسك تدخلي كلية ايه؟
– كلية الطب وأكون دكتورة ومش أي دكتورة لأ جراحة كبيرة ومشهورة عشان بابا يعرف إن البنت ممكن تكون أحسن من الولد اللي كان نفسه فيه وكل شوية يهين ماما ويقولها يا اللي خلفتك كلها بنات ..
– معقول يامنار دي طريقة تفكير باباكي؟
– أيوا للأسف دا الوجه الآخر اللي إنتوا ماتعرفهوش
أخيراً لاقيت حد عنده طموح والأنسه فاتن ساكته ليه قولي لنا نفسك تكوني ايه:
-اكون مذيعة ولي برنامج احكي فيه قصص المشاهير وأولهم منار. …
ضحكنا مرة أخرى وقضينا وقت ممتع ثم انصرفنا.
ومرت الأيام ونحن في انتظار اليوم الموعود الذي تبدلت فيه كل الرغبات والأمنيات ..
على الرغم من نجاحنا جميعاً إلا إننا لم نحقق أحلامنا ماعدا منار هي الوحيدة التي التحقت بكلية الطب أما أنا فرفض أبي أن ألتحق بكلية الفنون الجميلة بحجة أننا من الريف والكلية تحتاج إلى سكن بعيد والتحقت بكلية التربية الفنية فهي الأقرب إلى هدفي ..
وفاتن التحقت بكلية الحقوق..
وهدير وإيمان معاً في كلية التربية ..
تعاهدنا أننا لن نفترق وسنتقابل مرة في كل شهر ..
مرت سنوات الدراسة وبدأت الحياة تختلف ..
إيمان تزوجت وهدير أيضاً..
فاتن محامية ناجحة ولكنها حزينة دائماً ..
وأنا مُعلمة تربية فنية في إحدى المدارس ..
أما منار فهي مازالت في الكلية ..
لا أحد يُدرك معنى قتل الطموح بداخلك
أن تتمنى شئ ولا تستطيع تحقيقه..
تزوجت زميل لي وسافرت الخليج..
عندما يراني أرسم يسخر مني…حياتي معه كانت صعبة جداً وقاسية لم تستمر طويلاً…
وكانت النجاة في العودة إلى بلدي وأنا في المطار منتظرة الطيارة جلست أرسم كعادتي لأجد أمامي رجل يصفق بشدة ويقول : رائعة..
-افندم..
-رسمة حضرتك رائعة واضح إنك فنانة..
-أشكرك.
وجلس يتحدث معي ولأول مرة في حياتي أجد من يوقظ الأمل بداخلي..
تعرفت أكثر عليه فهو مهندس يعمل بالخليج رافقني حتى وصلت إلى قريتي ولم يتركني ..
وطيلة الطريق اسمع منه كلمات جعلتني أرى الحياة أكثر جمالاً..
ولم يقتصر على الكلام فقط بل ساعدني أن أشارك في معرض فنون وأخيراً تحقق حلمي ..
لماذا لم أتقابل معه سابقاً…
لقد جاء متأخراً ولكنه أنقذ ماتبقى مني…
كنت أتمنى أن يكون رفيق عمري ولكنه جاء متأخراً..
مثل أشياء كثيرة تأتي متأخرة بعد مانفقد الشغف…
حتى فاتن عندما سنحت لها فرصة العمل كمذيعة رفضت فهي أتقنت عمل المحاماة..
هذه هي الحياة..
ومنار أصبحت طبيبة فهذه أمنيتها ولكنها دائماً على خلاف مع والدها وترفض الزواج بسببه فهي تعتقد أن كل الرجال قاسية مثل والدها ..حتى مر العمر …
وعندما قابلت زميل لها أحبها بصدق رفضت لإن والدها مريض وهي تعتني به …
في الوقت الذي تصالحت مع نفسها وفهمت أن هناك من هو حنون ومختلف كان عليها أن ترفض من أجل رعاية والدها …
وتمضي الأيام ولا تنتهي الأحلام .فكل مرحلة في العمر لها حلم خاص بها ولكن سيبقى حلم الطفولة البريئة يداعبنا من حين لآخر يوقظ بداخلنا الأمل حتى ولو فات الميعاد فهناك حلم جديد مع موعد آخر في انتظارك …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى