حوار

مينا أمير الحلو: جولة في متحف الإعلام العراقي انطلاقة لأرشفة تاريخ الإعلام العراقي

رحلة وحوار قامت به الإعلامية: رجاء حميد رشيد

بجهود فردية ومثابرة وسعي وتحديات كثيرة، حققت مينا أمير الحلو حلمها وهدفها بجمع كل ما يتعلق بالإعلام العراقي منذ تأسيسه منتصف القرن المنصرم، وإنشاء متحف بقاعات حديثة، وطريقة عرض جميلة تليق بالأدوات والأجهزة القديمة التي توثق أول انطلاقة للإذاعة والتلفزيون والسينما والصحف في العراق، الذي تميز بأول بث تلفزيوني في الشرق الأوسط، وثاني إذاعة مسموعة، ورابع وكالة أنباء، وافتتح المتحف في شهر كانون الثاني 2022، حاملاَ شعار تاريخي بالرسم المسماري، عبارة عن كلمة (عين أو بصيرة) من تصميمها.

متحفاً رائعا يتكون مبناه من طابقين وعدد من القاعات، البعض منها جاهزة وأخرى قيد الانجاز، تضم مقتنياته المتخصصة في كل ما يتعلق بالإعلام العراقي وشخوصه، يجدها الزائر إمامة في فاترينات العرض الزجاجية مرفقة ببطاقات تعريفية،يصاحبها رسالة ترحيب صوتية للرائدة أمل المدرس مع شرح بسيط لمعروضاته .

التقيت مينا في مكتبها الذي اتخذته مؤقتا في أحدى قاعات الطابق الثاني من المتحف والتي سيتم تنظيمها لعرض بعض الأجهزة الموجودة الأخرى، وتبادلنا أطراف الحديث حول عملها سابقا مدير مركز أوج بغداد الثقافي المتخصص بتنظيم وإقامة المعارض التشكيلية والنشاطات الفنية الذي استمر لثلاثة سنوات، حتى عام 2019 والبدء بإنشاء متحف الإعلام العراقي، حدثتني مينا أثناء تجوالنا في قاعات المتحف عن فكرة تأسيس المتحف ؟ واختيارها لإدارته قائلة:

 تبلورت فكرة تأسيس متحف الإعلام العراقي عند زيارة الموسيقار نصير شمه عام 2018 مع رئيس شبكة الإعلام العراقي آنذاك مجاهد أبو الهيل بناية معهد التدريب الإذاعي ، وبناية المتحف التي كانت في أربعينيات القرن الماضي مدرسة (المنصور الابتدائية) ،ثم أصبحت معهد التدريب الإذاعي عام 1972،وعند تعرض مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إلى حريق 2003،استغل المبنى كاستديو بديل، ثم انتقل إلى مبنى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بعد ترميمها، فتركت خربة تماما، وتم الاتفاق على تأسيس قاعة واحدة لتضم أجهزة إذاعية وتلفزيونية متنوعة، لكن عندما وجد الأستاذ نصير أن البناية كبيرة جدا، تم الاتفاق وضمن مبادرة ألق بغداد التي يترأسها شمه بالشراكة مع صندوق تمكين ورابطة المصارف العراقية على تخصيص مبالغ  تمويلية لمشروع ترميم وتأهيل هذه البناية العريقة لتكون متحفاً للإعلام العراقي بقاعات عديدة، وتم اختياري من قبل نصير شمه ومجاهد أبو الهيل ووديع حنظل للإشراف ومتابعة أعمال الترميم ،وجمع الأجهزة والأدوات والتصميم والأرشفة، وبدأت  عملي مع المكتب الهندسي (مكتب طارق للإبداع).

قاعات المتحف

أوضحت الحلو: يحتوي المتحف على سبع قاعات متخصصة، قاعة الصحافة، وتتضمن أرشيف للصحف العراقية الصادرة آنذاك، إضافة إلى شاشة لعرض معلومات عن الجرائد والمجلات ومؤسسي الصحافة والنقابة ووكالة الأنباء العراقية)، قاعة التلفزيون (أجهزة التلفزيون المستخدمة سابقا مع مونيترات وأجهزة مونتاج كاملة، أول كاميرا تصوير)، قاعة الإذاعة(وتضم الأجهزة المستخدمة في بدايات تأسيس الإذاعة العراقية منها بلبل الإذاعة ونسخة المصحف الشريف)،وقاعة أخيرة للأجهزة فقط التي كانت تستخدم في البيوت (hom system) واسميها(القاعة الحلوة) ،لأنها تعرض أجهزة متنوعة كانت مستخدمة في البيوت العراقية منها ( الراديو ، والمسجل الكاسيت)التي تلفت انتباه الزائر وتثير عاطفته وتفتح أبواب ذاكرته فيقول (هذا راديو أبي ، وهذا المسجل كان في بيت جدي) .

واضافت: ويضم الطابق الثاني ثلاث قاعات، واحدة استخدمها حالياً مكتب مؤقتا، وأخرى نظمت استديو مطابق تماماً للبرنامج الشهير (الرياضة في أسبوع ) الذي يقدمه الراحل مؤيد البدري، ديكور كامل،الكاميرات والمكسر المستخدم في سنة 1963عند عرض أولى حلقاته، وتم اختيار هذا البرنامج لان ديكوره ثابت ويختلف عن البرامج الأخرى،مثل عدسة الفن، العلم للجميع، سيرة وذكريات،برامج لم تكن لها ديكورات ثابتة، وقاعة العرض (الداتا شو) لعرض أفلام عن تأسيس الصحافة، الإذاعة التلفزيون، والقاعة الثالثة خصصت لعرض ما يقارب ألف صورة للبرامج العراقية وللفنانين، كما تضم استديو كامل بكاميراته وأرشيفه النكتف تبرع به الأخوين المصورين عبد الله حسون وحسين حسون .

قاعات جديدة

   وتابعت الحلو: تم تأهيل ثلاث قاعات جديدة وسيتم تخصيصها (لمقتنيات الفنانين)، أغراضهم الشخصية، أوراقهم، ملابسهم،مما سيتيح لزوار المتحف مشاهدة  سيناريو أول فيلم قديم مكتوب لقصة، أو تمثيلية، ومقتنيات شخصية لفنان أو كاتب معروف، قلم، نظارة، أوسمة، جوائز، إضافة إلى عرض صورهم الشخصية، وقاعة للسينما لعرض البوسترات والأفلام القديمة .

  وأكدت مينا سعيها لتحقيق أمنيتها بفتح قاعة خاصة لفن الكاريكاتير من خلال تواصلها مع رسامي الكاريكاتير، علي المندلاوي، ياسر عبد الرحيم، خضير الحميري، حنان شفيق، وأعمال الفنان مؤيد نعمة، حيث تبرع الكثير منهم  بأعمالهم الأصلية لإقامة هذه القاعة، إضافة إلى تخصيص جدار كبير لعرض  أعمالهم.

  • ما التحديات التي واجهتك في جمع مقتنيات المتحف؟

 أهم التحديات التي واجهتني فكرة تأسيس متحف وقاعاته والحصول على الأجهزة والمعدات وأرشفتها بجهودي الفردية فقط، لعدم توفير تخصيص مالي لشراءها، واقتصر التمويل على ترميم وتأهيل البناية فقط ، استطعت جمع 200 جهاز،عشرة أجهزة تبرع من المواطنين، والأخرى جمعتها من دوائر حكومية ومخازن شبكة الإعلام العراقي المستهلكة والمستعملة، تطلب الحصول عليها معاملات روتينية لاستحصال الموافقات الأصولية لسحب الجهاز، إضافة إلى متابعة تصاميم فاترينات العرض وقياساتها مع المهندس المختص ، وكان التحدي الأكبر إنني استلمت العمل تزامنا مع جائحة كورونا، وهذا يتطلب تواجدي اليومي خلافا لتعليمات خلية الأزمة والالتزام بالتباعد الاجتماعي وتقليص الدوام الرسمي ،حتى استطيع التواصل مع الموظفين حسب أيام تواجدهم، وبعد افتتاح المعرض استلمت تبرعات كثيرة وباتت الحاجة ماسة لقاعات أخرى لعرضها في المتحف.

تسلمت من الإذاعية هدى رمضان نسخة المصحف الشريف (قرآن الإذاعة) احد القطع المتفردة في المتحف، استخدم منذ نهاية أربعينات القرن الماضي في افتتاح إذاعة جمهورية العراق ، أنقذته من حريق الإذاعة  خلال أحداث  2003 ، وسلمته للمتحف بعد أن عرفت أنني بنت أمير الحلو حيث كان مديرا للإذاعة 1967،كما يضم المتحف بلبل الإذاعة (بلبل ذهبي مصنوع من النحاس الأصفر في قفص ذهبي ) يفتتح الإذاعة بتغريده صباح كل يوم، أهداه الزعيم الألماني هتلر إلى الملك غازي  بمناسبة افتتاح إذاعة الزهور 1936، الذي تم سرقته وتهريبه خارج البلاد في 2003، واستعاده الإعلامي خطاب عمر وسلمه إلى المتحف .

  • جهودك المتميزة في جمع وعرض مقتنيات المتحف،لابد وان يكون هناك جهات وأشخاص ساندين؟

الجميع ساندني ، وهذا أول عمل لي مع المؤسسات الحكومية ، ولابد من تقديم الشكر والامتنان لمن  منحني ثقته لإدارة المتحف ، نصير شمه ، وديع حنظل، إدارات الشبكة المتعاقبة ، كانوا داعمين لفكرة إنشاء المتحف وتعاملهم معي بشكل خاص احتراما لذكرى والداي أمير الحلو وابتسام عبد الله رحمها الله،

  • ممكن تحدثينا عن أوقات زيارات المتحف،وهل تحتاج إلى موافقات من جهات معنية ؟

المتحف يستقبل زواره طيلة أيام الأسبوع خلال أوقات الدوام الرسمي، من الساعة الثامنة صباحا لغاية الثانية ظهرا، ومتاح للجمهور مجاناً وبدون تذاكر او موافقات، لكل المواطنين والمؤسسات والمدارس والجمعيات والمنظمات .

  • هناك جداريه كاملة توثق صور الفنانين والصحفيين والأدباء، كيف حصلت عليها وما هي معايير اختيار الصور المعروضة ؟

استغرق جمع صور الجداريه عدة أشهر، منها أرشيف الأفلام والصور الخاصة ببيتنا، وأخرى  من صفحات الفيس بوك، ومن خلال اتصالاتي الشخصية بأصحاب الصور، وتم اختيارها حسب صلاحيتها للطبع أكيد،كما سلمني أستاذ ضياء ألبياتي قبل وفاته أرشيفه الكامل للتمثيليات منذ خمسينات وستينات القرن الماضي وعرضه ضمن مقتنيات متحف الإعلام، ونفذ مبلغ التمويل والجدار لم يكتمل، لكن استطعنا إكماله مع المكتب الهندسي وشبكة الإعلام بجهود أستاذ مشتاق مصمم الديكور، وتم اختيار الصورالمناسبة للطبع من بين 860 صورة، وأسعى لتصميم جداريات صورية أخرى في المتحف .

  • كم عدد موظفي المتحف؟

عدد الموظفين اثنان فقط، أنا والأستاذ مازن رحيم مصمم ومسؤول عن صفحة متحف الإعلام العراقي على منصة الفيس بوك وله مهام أخرى.كما اتخذت مكتبة صغيرة ركناً من الطابق الأرضي للمتحف، حيث نقلت الحلو مكتبة وارشيف والدها وتضم مجموعة متنوعة من الكتب والمجلات المختلفة، وبينت الحلو إن شخصاً عرض عليها شراء  أرشيف ألف باء كاملا نضير خمسة مليون دينار، ولم أتمكن من شرائه فنقلت مكتبة والدي وأرشيف صور والدتي، فهما داعمين لي في حياتهما ومماتهما، واسميهما العبارة السحرية التي تفتح  أمامي الآفاق والمجالات.

  • ماذا يعني لك المتحف؟

باختصار شديد ،حياتي ابني أمير، وأجهزة متحف الإعلام العراقي  وأولادي ،ومن غيرهم لا أكون .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى