البردة الزينبية في مدح خير البرية
شعر: السيدة الشريفة/د. زينب أبو سنة | سلطانة الأدباء
أنا زَينَبُ الصُّغرَىٰ، سَمِيَّةُ جَدَّتي
بِنتُ البَـتولِ كَــريمَةُ الآبـــاءِ
***
وأبي عَلِيٌّ بابُ عِلمِ المُصطفىٰ
الفارسُ المِغوارُ في الهَيْجاءِ
***
وسَليلةُ الحَسَنَينِ سِبطَيْ أحمَدٍ:
وهُما “الحَليمُ”، و”سيِّدُ الشُّهداءِ”
***
جَدِّي رَسولُ اللهِ، وهْوَ حَبيبُهُ
«طَــهَ» النَّذيــرُ وأعظَمُ البُشَراءِ
***
مَنْ فِي الخَليقَةِ والدُّنىٰ كمُحمدٍ
أهدَىٰ إلىٰ الأكوانِ كُلَّ ضيــاءِ
***
في كُلِّ عَصرٍ فارِسٌ ومُجدِّدٌ
يَقِــفُ الزَّمـانُ لذِكرهِ بثَنــاءِ
***
أمَّا «مُحَمَّدُ» فالعُصورُ تَزُفُّهُ
ولَهُ بهــا دَيمومَةُ الإبقاءِ
***
يُمناهُ تَمنَحُ للوُجودِ بَهاءَهُ
لِمَ لا و«أحمَدُ» مِنحَةُ المِعطاءِ
***
أنداؤهُ فاضَتْ، وعَمَّ ضِياؤهُ
فاستَغرَقا الدُّنيا بلا استِثناءِ
***
فالجُودُ مَوقوفٌ عَلَيهِ وآلِهِ
كَفُّ الكَريمِ، وهَل تُصابُ بِداءِ
***
غَوثٌ وغَيثٌ للخَلائقِ يُرتَجىٰ
مِنْ أَهْلِ أَرضٍ أو أُهَيْلِ سَمـــاءِ
***
عَفوٌ وصَفحٌ والسَّماحةُ شِيمَةٌ
عِندَ اقتدارٍ، لَيسَ عَن إعياءِ
***
واسألْ قُرَيشًا في غَداةِ سُقوطِها
قالَ: اذهبوا في زُمرةِ الطُّلَقاءِ
***
يا كَوْنُ: حَقًّا هَل شَهِدتَ كسَيِّدي
مِن وَقتِ “كُنْ” و”الفَتْقِ” والإحيـاءِ
***
بِجــوامعِ الكَلِــمِ العَظيــمِ حَديثُهُ
بين العَـوامِ وصَفوةِ الجُلَسـاءِ
***
والحَقُّ أبلجُ في يَديهِ مؤيَّدٌ
في وَجهِ كُلِّ مُجادِلٍ خَطَّـاءِ
***
وَالحَزْم، والعَزْمُ الشَّديدُ شَكيمَةٌ
عِندَ النِّزالِ ومُلتَقىٰ الأعداءِ
***
تَقواهُ زانَتْهُ، وجَمُّ حَيـــائِهِ
والحِلمُ؛ زانا حُسنَهُ للرَّائي
***
لا ذَرَّةً مِن كِبرِ نَفسٍ أو هَوًى
في قَلبِ «طَهَ» أشرَفِ الأُمَناءِ
***
يَمشي الهُوَينا واثِقًا في هَيبَةٍ
لا يَحتَفي بالمَدحِ والإطراءِ
***
إِرثُ الشَّفاعَةِ خالِصٌ لـ«مُحَمّدٍ»
ولَهُ الوَسيلةُ دونَما غُرَمـاءِ
***
يا خَيرَ مَبعوثٍ وأكرَمَ مُجتَبًى
يا خاتَمًا للشِّرعَةِ الغَــــرَّاءِ
***
يا عاقِبًا للسَّابقين مِنَ الأُلىٰ
جاؤوا بذِكرِكَ يا أبا الزَّهـراءِ
***
أثنَىٰ عَلَيكَ اللهُ في قُرآنِهِ
يا قاسِمَ الآلاءِ والنَّعْمَاءِ
***
يا عِزَّ قَدرِك في السَّماءِ وفي الدُّنىٰ
يَرنو إليكَ الكَونُ في استِجداءِ
***
بَيتُ النُّبوَّةِ والكَرامَةِ والهُدَىٰ
لَبَّىٰ لكَ الدَّاعي وآبَ النَّائي
***
أسرَىٰ بِكَ اللهُ العَظيمُ لقُدسِهِ
واصطَفَّ خَلفَكَ سائِرُ النُّبآءِ
***
وازدانَتِ السَّبعُ الطِّباقُ وشُرِّفَت
بعُروجِكُم للسِّدْرَةِ العَصْمَـاءِ
***
لاقاكَ رُسْلٌ أيَّدوكَ وبارَكوا
في كُلِّ مَرْقًى جُزتَ في العَلياءِ
***
يا خَيرَ مَوْجودٍ لأعظَمِ مُوجِدٍ
بِكَ شُقَّ ثَوبُ الليلةِ الدَّهْماءِ
***
الحِرزُ أنتَ، كَذا النَّبيُّ المُصطفىٰ
مِسْكًا تَضَوَّعَ فارِهَ الأجـواءِ
***
يا ناصِرًا للحَقِّ بالحَقِّ اهتَدىٰ
يا مُعتِقَ الإنسانِ مِنْ ظَلْمَاءِ
***
يا أيُّها الطَّودُ العَظيمُ تَفَرُّدا
يا مَطلِعَ الإشراقِ في الأنحاءِ
****
يا نُورَ نُورِ النُّورِ أنتَ ضياؤنا
يا مَهبِطَ الأنوارِ في الإنشاءِ
***
طَابَتْ بكَ الأخلاقُ، أنتَ تَمامُها
سَوَّاك رَبُّكَ طَيِّبَ السِّيمـــاءِ
***
فالكُلُّ نَقصٌ لا سِواكَ مُكمَّلٌ
وبِكَ اكتِمالُ نَواقِصِ الأحيـــاءِ
***
إِنْ شِئتَ جاءتكَ الجِبالُ تَذَلُّلاً
ومَلائِكُ الرَّحمٰنِ في استرضاءِ
***
يا دُرَّةَ الأكوانِ أنتَ مُؤمَّنٌ
وقَّاكَ ربُّكَ مِنْ كُيودِ عِداءِ
****
يا مَنْ أتاكَ العِلمُ وَحيَ مُعَلِّمٍ
وجَميعُ نُطقِكَ جَلَّ عَن أهواءِ
***
والكَونُ يَسبَحُ في فضائِك هانِئًا
مُتَقــلِّـبًا بِــبَكارَةِ الأضـــواءِ
***
في كُلِّ يَومٍ لي بِعِشقِكَ صَوْلَةٌ
ودَبيبُ شَوقي يَصطَلي بدِمائي
***
فاسمَحْ لقَلبي يا حَبيبُ بِجَذبَةٍ
وبِدَعــــوَةٍ للـــرَّوضَــــةِ الغنَّـــــاءِ
***
حُبًّا رَسولَ اللهِ مِصباحَ الهُدىٰ
يا سَيِّدَ الكُرَمـاءِ والشُّفَعـاءِ
***
اليَومَ بعدَ اليَومِ يَربو عِشقُكُم
بَينَ الضُّلوعِ فتَمَّحي ظَلمائي
***
قَلبي علىٰ نَهجِ المَحَبَّةِ قابِضٌ
مِنْ بَدءِ إشراقي، ليَومِ رِثائي
***
هَل تَجمُلُ الدُّنيا ولا الأخرىٰ سِوىٰ
بجميلِ ذِكرِكَ سَيِّدي وضيائي
***
يا واحَةً تَحوي القُلوبَ مَحبَّةً
بِحَنانِكُم، وبِفِطـــرةٍ سَمحـاءِ
***
هذا كِتابُ اللهِ أُنزِلَ للوَرَىٰ
وعلىٰ يَدَيكَ يَجيءُ كُلُّ سَخاءِ
***
يا مَن أظَلَّتهُ السَّحابَةُ في الفَلا
والنَّخلُ مالَ تخَشُّعًا بحَيـاءِ
***
والجِذعُ حَنَّ مِن ابتِعادِكَ باكِيًا
عَجَبًا لجَفوَةِ عُصبَةِ البَغْضاءِ
***
جَعَلَ الإلَهُ لَكَ التُّرابَ مُطَهَّرًا
لِحَقيقةٍ تَخْفَىٰ عَنِ الحُكَماءِ
***
ونُصِرتَ بالرُّعبِ الشَّديدِ كَرامَةً
وبُعِثتَ للثَّقَلينِ دونَ مِراءِ
***
ما سُلَّ سَيفُكَ للجِهادِ شَريعَةً
إلَّا لدَرءِ الشِّـركِ والشُّـركاءِ
***
قتَلوا وفودَكَ للسَّلامِ خيانةً
وأَمرتَ جُندَكَ: لا لسفكِ دماءِ
***
أوفوا العُهودَ وأَنذِروا أعداءَكم
قبل الحروبِ وأبلغوا أنبائي
***
لا تَقْطَعوا زرعًا وكُفُّوا بأَسَكُمْ
عن طَاعنينَ وصِبيةٍ ونِساءِ
***
فالدينُ بالحُسنىٰ وليسَ تجبُّرًا
لا دينَ بالإكراهِ والإقصــاءِ
***
يا رائفًا بالمؤمنينَ وراحمًا
وعليكَ في اللأواءِ كُلُّ رَجاءِ
***
يا راعِيًا كُلَّ الثَّواكلِ مِنَّةً
ومَحَوتَ كُلَّ فَواجِعِ التُّعَساءِ
***
أطفَأتَ جَمرَ الحُزْنِ بَينَ صُدورِهم
وجَبَرتَ كَسْرَ خَواطِرِ الضُّعَفاءِ
***
كُلُّ الأرامِلِ في رِحابِكَ أُكرِمَتْ
بالجُودِ والرَّحَمــاتِ والإيـواءِ
***
ما مِنْ يَتيمٍ في جِواركَ مُبتَلًى
عامَلتَهم كالأهلِ والأبنـاءِ
***
أعلَيتَهم قَدرًا وكُنتَ وَليَّهم
فتَبدَّلَتْ أحزانُهم بِرِضــاءِ
***
يا سِدرَةً للعاشِقين ووجهَةً
للوالِهينَ وقِبلَةَ العُرَفــاءِ
***
وبكَ الجَمادُ مَعَ الدّوابِ تَشَرَّفَت
بالذِّكرِ والتَّكريمِ والأسمــاءِ
***
أهدَيتَها أسماءَهــــــا فتَميَّزَت
عَن جِنسِها مِن جُملَةِ الأشياءِ
***
فانظُر إلىٰ ذاتِ الفُضولِ ودُلدُلٍ
والحَتفِ واليَعسوبِ والقَصواءِ
***
ثُمَّ الرّسوبِ معَ القَضيبِ ومخذمٍ
والحَمدِ واليَعفورِ والعَضباءِ
***
والسَّكبِ والمأثورِ ثمَّ مُلاوِحٍ
والوردِ والبتَّارِ والرَّوحـــــاءِ
***
ثُمَّ العقابِ معَ السَّحابِ جَليلَةٍ
والبُردةِ السَّوْدَاء والخَضـراءِ
***
مِن بَعدِ ذلكَ ذو الفِقارِ وقَصعَةٌ
غرَّاءُ تكفي جُملَةَ النُّزَلاءِ
***
فمَتاعُكم وسِلاحُكم ورِكابُكم
رُفِعَتْ بِذِكرٍ شاعَ في الأرجاءِ
***
فاذكُر بفَضلِكَ يا كَريمُ بُنَيَّةً
جاءَت إليكَ وخُصَّها بنِداءِ
***
وابسُط يَدَيكَ بماءِ حَوضِكَ واسقِني
ماءَ التُّقىٰ يَنساب في أعضـائي
***
وانظُر بعَطفٍ يا كريمُ لبُردتي
واقبَل قَليلي واستَجِب لِرَجائي
***
ليسَ المُكافئُ كالوَصولِ تَكَرُّمًا
ولأنتَ أهلُ الوَصلِ والآلاءِ
***
دامَتْ بِكَ النُّعمَىٰ علىٰ بَشَريةٍ
رَغمَ الجُحودِ وسَوْءةِ البُغَضاءِ
***
ولوِ استَجابوا للنِّداءِ وسَلَّموا
لِلحَقِّ، ما ظَلُّوا علىٰ البَأساءِ
***
ما أحوَجَ الإنسانَ للهَدْيِ الَّذي
أرْسَتْ يَداكَ بحِكمَةِ الحُصَفاءِ
***
عِلمًا وإحسانًا وعَدلًا جِئتَنا
فطَغَتْ شُعوبٌ واعتَلَت بدِماءِ
***
واستُعبِدَ الأحرارُ مِن إخوانِهم
وتَنابَذَ الأقـــوامُ باستِقـواءِ
***
واستُضْعِفَتْ أُمَمٌ وسادَت عُصبَةٌ
بالمالِ والتَّضليلِ والإغــواءِ
***
غابَتْ عنِ الإنسانِ حِكمَةُ خَلقِهِ
في غَمرةِ الشَّهواتِ والخُيَلاءِ
***
يا أيُّها الإنسانُ عُدْ لمُحَمَّدٍ
تَلقَ الإخاءَ وألفةَ الفُرَقـــاءِ
***
وانظُر إلىٰ ما جاءَ في دُستُورهِ
تَجِدِ السَّلامَ تَحيَّةَ النُّبلاءِ
***
والعَدلَ والإحسانَ شَرعًا مُثْبَتًا
والشُّكرَ في السَّراءِ والضَّراءِ
***
فاهرَعْ إلىٰ المُختارِ واسلُكْ دَربَهُ
تَنعَمْ بفَضلٍ بَعدَ طُولِ شَقاءِ
***
قُل: جِئتُ مُعتَذِرًا إليكَ، وخافِقي
يَسعَىٰ إليكَ تَحُثُّهُ أرجائي
***
صَلَّىٰ عَلَيكَ اللهُ في عَليائِهِ
والآلِ طُرًّا دونَما إِحصــاءِ