فكر

أنشودة السعادة

أ.د. محمد سعيد حسب النبي

أكاديمي مصري

وضع اليونان تصوراً لحياة الإنسان في إحدى الأساطير، وقد تخيلوها رتيبة خالية من التجديد، وفيها أن “سيزيف” قد حُكم عليه بعذاب رتيب؛ فيحمل صخرة من سفح جبل إلى قمته، وعندما تبلغ الصخرة قمة الجبل تسقط إلى أسفله، فيعود “سيزيف” مرة أخرى لحمل الصخرة إلى قمة الجبل، وهكذا كل يوم.

إن المتأمل لهذه الأسطورة سيلحظ أن عذاب “سيزيف” في مكافحته من أجل الوصول بالصخرة إلى قمة الجبل، فلا يكاد يصل إلى غايته حتى تسقط الصخرة، ليعود إلى الكفاح من جديد، إنه كفاح مرير أليم، لاقيمة له، ولا هدف من ورائه. والأسطورة ترمز إلى حياة الإنسان عديمة الجدوى التي يعيشها ويكرر سلوكياتها دون هدف واضح.

وقد عبر كثير من الفلاسفة والفنانين عن الإحساس بعبث تكرار  نمط الحياة، ومن هؤلاء “مارسيل بروست” حيث رأى أن الحياة الإنسانية وهم وعبث، فانسحب من حياة الناس منعزلاً عنهم وعن مشاكلهم. والعجيب أن “شكسبير” كانت تؤرقه المشكلة نفسها؛ فعبر عنها في بعض شخصيات مسرحيته المعروفة “هاملت”، ولاسيما في شخصية حفار القبور الذي كان يقوم بعمله بشكل رتيب؛ فيبدأ كل شيء في الحياة وينتهي من التراب وإلى التراب.

وما لبث أن عبّر  الروائي الفرنسي “ألبير كامو” عن فكرة العبث التي يعيشها بعض الناس، واللامبالاة التي يتعاملون بها مع أحداث حياتهم، فلا فرق بين الحياة والموت، ولا معنى للحياة بكل ما فيها. ومن المحيّر أن “ألبير كامو” نفسه يعود ويروج لفكرة التعامل مع الحياة واحتمال ما فيها من معاناة، والتخلص من الحزن الذي ينتابنا فيها، وكذلك إعطاء الحياة المعنى اللازم، والارتفاع عن الأحزان والمشاعر السلبية المختلفة.

ولقد اعتبر “ألبير كامو” أن أسطورة “سيزيف” معبرة عن الإنسان القوي الذي يجد في الصعود نوعاً من السعادة والحماسة، وفي تكرار عمله نوعاً من تقبل المصير واحتماله، والرضا به في ذاته دون انتطار مقابل خارجي. ومن هذا يتبين أن “كامو” لم يكافح من أجل الوصول إلى غاية محددة من الحياة، فهو يعيشها كما هي مستمتعاً بفكره واستقراره النفسي.

ومن بديع ما قرأت عن الحكمة أنها الإيمان بالعمل، فالعمل أنشودة السعادة، لأنه يملأ لحظات الحياة بالعمق ويجعلها نقية صافية، والعمل سلاح ناجح للقضاء على الروتين والتكرار، ولكنه العمل القائم على أساس من الوعي والإدراك الصحيح، إنه العمل الذي يفضي إلى اكتساب القدرة على استشعار السعادة الداخلية بالحياة، والذي يسلم إلى قدرة أوسع في التغلب على ما في الحياة من العبث الذي يفضي إلى الملل وفقدان الرؤية وغياب الهدف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى