فكر

هل يقاس النجاح بالتحصيل الدراسي؟

د. عادل جبار الربيعي| أكاديمي في جامعة بغداد

(ليس هناك مستقبل في أي وظيفة، وإنما المستقبل في الشخص الذي يشغل الوظيفة)

أثار انتباهي الشخص الذي طلبت منه تصليح العطل الذي أصاب عجلتي حيث من خلال بعض الأسئلة والاستفسارات بدا يتوصل الى المشكلة ومن ثم قام بعمل فني كبير وحاذق لإنجاز. المهمة سألته ماهو تحصيلك الدراسي ابتسم ملمحا لي بأنه ترك الدراسة مبكرا وسبقت تلك الحادثة أيضا شيء آخر مشابه من خلال الكهربائي الحاذق ومصلح أجهزة التكييف وأشياء أخرى كثيرة نعجز نحن الذين حصلنا على تعليم عال وقد وصلت لقناعة بأنه ليست المؤهلات الأكاديمية دائما أفضل مؤشر للحصول على حياة مهنية ناجحة، أو سببا لتحقيق السعادة في المستقبل. ففي العديد من المناسبات، كان الأشخاص الأكثر حظا في الدراسة يعثرون على وظائف برواتب متدنية، أو اضطروا في وقت ما أن يكونوا عاطلين؟
يوضح الصحفي جون هالتيوانغر في مقالته “لماذا يعد الفاشلون في المدرسة أكثر الشخصيات نجاحا في المستقبل؟”، أن الطلاب الحاصلين على درجات متوسطة بلغوا اليوم مستويات عالية من الثراء والشهرة. وبالتالي، يبدو أن النجاح لا يتحقق فقط عبر التفوق الدراسي، بل على العكس من ذلك، يمكن للطلاب أصحاب الدرجات المتوسطة امتلاك سلسلة مهارات وقدرات مفيدة جدا، وقد يكونون أكثر إبداعا وابتكارا. فالدرجات العالية لا تضمن لك شيئا.
وقال الكاتب برتراند ريغادير في تقرير نشرته مجلة “بسيكولوخيا إي مينتي” الإسبانية، إن مقال هالتيوانغر أثار جدلا لأنه بيّن أن “الطلاب الذين حصلوا على مؤهلات أكاديمية عالية ليسوا بالضرورة الأكثر ذكاء”. ووفقا لريغادير، فإن “الطلاب أصحاب الدرجات المتوسطة، وأولئك الذين يحصلون على درجات مقبولة إجمالا، أو درجات منخفضة بعض الشيء، يميلون إلى أن يكونوا أكثر نجاحا في حياتهم المهنية والشخصية مقارنة بالطلبة المتفوقين”. ولكن، هل هذا يعني أن الطلاب الذين لا يحظون بدرجات عالية سيكونون من أصحاب الشركات في المستقبل؟

يوضح الكاتب أن هذا الموضوع لطالما كان محل جدل، ليس فقط لأن جون هالتيوانغر جزم بشأن ما يقوله، وإنما لأن هذه النظرية لا تتوفر حولها أدلة علمية. مع ذلك، قد يكون مفيدا أن نعرف أفكاره وملاحظاته حتى يتسنى لنا -على الأقل من الناحية الفلسفية- إعادة النظر في بعض الجوانب المهمة للتعليم بصفة عامة والنظام المدرسي بصفة خاصة وهنا ينبغي الحذر واعادة النظر بجميع اساليب التعليم ومواكبة التغيرات التي حدثت عالميا ولا سيما باستخدام التكنلوجيا الحديثة وتغيير فهم وادراك الاجيال ومدى تقبلهم للمادة العلمية وجعل المناهج ضمن مقاييس اخرى اكثر انسجما مع تطور العصر وتغير الفكر .

شواهد كثيرة عن طلبة حققوا نجاحا باهرا.. توماس اديسون الطالب الذي فشل في المدرسة واصل عمله وبحثه حتى اختراعه وتقديمه اكبر خدمة للبشرية وهي الكهرباء ويعد مبتكر العلامة التجارية “آبل” ستيف جوبز خير مثال على الطالب المتوسط الكلاسيكي الذي حقق نجاحا باهرا. وكذلك مخترع موقع “فيسبوك” مارك زوكربيرغ، ومصمم “مايكروسوفت” بيل غيتس، فهم ثالوث الابتكار التكنولوجي، والغريب أنهم لم يكونا من الطلبة المتميزين ولم يُشر لهم بذلك سابقا ابدا وعالم الفيزياء الفلكية والمهندس السوفياتي سيرجي كوروليف لم يكن أبدا طالبا مجدًّا، ومع ذلك كان المسؤول عن إطلاق صاروخ “سبوتنيك” في الفضاء. كما عانى الكاتب والشاعر الروسي المشهور فلاديمير ماياكوفسكي من مشكلة عسر القراءة، وحصل جوزيف برودسكي الذي اعتبر سابقا طالبا مهملا “، على جائزة نوبل للآداب.

وتاريخيا، كان الذكاء موضوعا جدليا بين علماء النفس. ومحاولة ربط أوجه الشبه بين الأداء الأكاديمي والذكاء ليست فكرة جيدة، لأن العلاقة ليست وثيقة للغاية.
ويمكن تعريف النجاح بطرق مختلفة، فلكل شخص رؤيته الخاصة وأولوياته ويبدو ان فكرة الذكاء قابلة للتفاوض ايضا فقد يكون الانسان ذكيا بمجال الدراسة ولكنه ليس كذلك بالجانب الفني العملي والعكس صحيح لكل من فشل في المدرسة فهو ذكيا ومبدعا في مجاله الفني وهذا مانشاهده غالبا عن اصحاب المهن اللذين لايمتلكون شهادة اكاديمية فلديهم علمهم الخاص ومبدعيهم ضمن مجالاتهم الخاصة بهم .

ومن المفيد أن نتحدث عن النجاح على المستوى المهني الذي لا يشترط الحصول على درجات ممتازة في الماضي. كما أن الشخص لا يحتاج أن يكون ذكيا ليجد فكرة ذكية يتطلع بها إلى مستقبل مهني ناجح.

فمفاتيح النجاح متاحة للجميع، حيث يتجاوز النجاح الخطط التي يفرضها النموذج التعليمي لكل بلد، وربما نبالغ في تقدير تأثير النتائج الأكاديمية، إذ يتطلب النجاح الثبات والمثابرة والإبداع. ولتحقيق أهداف عالية في حياتنا، لا بد من المرور بتجارب فاشلة تساعدنا على النجاح والتقدم  وقد يساهم الفشل في النجاح مستقبلا. وأكثر الأشخاص خبرة بهذا هم الذين عانوا لاجتياز الدورات التعليمية، فهم لم يحصلوا على الثناء والمكافآت، لذلك يدركون قيمة الجهد اليومي.

وتعلم الطلاب أصحاب النتائج المتوسطة إدارة فشلهم، وهو أمر لم يستطع المتفوقون فعله بسبب نتائجهم العالية. ورجال الأعمال الذين طوروا منتجات أو خدمات جيدة لديهم طرق خلاقة لتحقيق نجاحاتهم. كما يبحثون عن معنى الابتكار، ويسعون لصنع منتجات جديدة تماما وذات جودة عالية تحدث ثورة في قطاعهم، على غرار جوبز الذي طور الأدوات التقنية التي حظيت بشهرة في السوق العالمية ولعل موقع علي بابا الذي قام بانشائه الصيني المغمور جاك والذي كان يبحث عمل دون جدوى فاضطر لعمل موقع الكتروني للوساطة في البيع وفعلا وخلال سنيين قليلة اصبح الاول عالميا
ان قصة حياة الملياردير الصيني «جاك ما» تمثل مصدر إلهام لملايين الشباب حول العالم، وتدعو لمواجهة قسوة الظروف، مهما ضاقت الاحوال، فقد حقق جاك نجاحا عالميا بمجرد جِدّه واجتهاده الشخصي.. بدأ جاك حياته المهنية كمدرس بسيط للغة الانجليزية، وتحول في فترة قصيرة من مدرس براتب تعيس إلى عملاق في عالم التكنولوجيا وإلى أغنى رجل في الصين.

وفقا لملاحظات الصحفي الإنجليزي هالتيوانغر، يبدو أن الطلاب الذين لا يحظون بدرجات عالية هم قادة في دوائر صداقاتهم، وهذا يمكنهم من توجيه التلاميذ الآخرين لفهم ما وراء القواعد والسياق التعليمي. فهم لديهم أعظم تفكير إبداعي، ولا يهتمون بالشهادآت العليا ولا بالشهادات الجامعية العادية. يكون هؤلاء الأشخاص أكثر إبداعا لأنهم لا يعتمدون في تفكيرهم على منطق المدرسة، وإنما على تجاربهم الخاصة.

هذه النقطة أثارت النقاش، إذ تقوض بعض أساليب التعليم النظامي قدرة الطلبة على تطوير التفكير النقدي وملكة الإبداع، وإمكانية عيش تجارب معينة. وبدلا من ذلك، تركز على التعلم ولا تمنح الطلبة فرصة لطرح الأسئلة وتطوير أساليب لحل المشكلات بطرق مبتكرة.

فالأشخاص الذين تمكنوا من إدارة شركات التكنولوجيا فكروا خارج الصندوق وتحدو النمطية في العمل وتمكنوا من إطلاق مشاريع لا تخضع للمعايير الحالية.. إنهم يتعلمون بسرعة، ويتصرفون بطريقتهم الخاصة لا كما يطلب الآخرون وربما فشلوا في التفوق المدرسي أو الجامعي، لكن الحياة تمنحهم فرص ولحظات يمكن أن يستفيدو منها.. النجاح أو الإخفاق الدراسي أمر نسبي للغاية، فالتجربة الحقيقية نحصل عليها عند مغادرة مقاعد الدراسة وذاكرة الجميع وخاصة لمن اكملو دراستهم بانه ليس من الضرورة ان يشاهدو الاوائل في دفعاتهم ناجحون في حياتهم ولا من كانو في ذيل القائمة فاشلون بالضرورة وقد يكون العكس وخاصة في حياة اصبحت اكثر تعقيدا من السابق وهذا ماشاهدناه فعلا في سوق العمل من طلبة كانو في في الصفوف الاخيرة على دفعاتهم
إن العمل الاساسي هو المثابرة والاصرار والصبر والاستمرار حتى تحقيق النجاح وليس التعكز على تفوق مرحلي افرزته ظروف خاصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى