فكر

خطر خطاب الكراهية على السلم الاجتماعي

بقلم : عماد خالد رحمة ـ برلين 
يعتبر خطاب الكراهية hate speech من اخطر الأساليب التي تهدد السلم الاجتماعي لأنه يتضمن الإساءة لمجموعة أو فرداً بناءً على خصائص متجذرة ومتاصلة مثل : (الدين أو العرق أو النوع الاجتماعي). ولأنّه لا يوجد تعريف شامل ومحدّد لخطاب الكراهية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وجب علينا أن نطرح تعريفاً متوازناً لخطاب الكراهية، ومحاولة قراءة القيود التي وُضِعَت على الحق في حرّية التعبير لمكافحة الكراهية وخطابها الخطير، وهذا يضعنا أمام العديد من التساؤلات حول معنى الكراهية، وكيف يمكن للقوانين والتشريعات المتجاوزة للحدود المناسبة، أن تهدِّد الحق في التعبير الصريح بعواقب مستخدمي الشبكة العنكبوتية (الإنترنت Internet) والتقييم الموضوعي لمخاطر الكراهية الكبيرة التي تمارس في سبيل تحجيم ممارسة الجماعات والأفراد لهذا الحق. لذا فإننا نبحث عن خطابات حقوق الإنسان التي تستمد أصولها ومصادرها من (القانون الدولي لحقوق الإنسان International human rights law)، بما فيها الوثائق الرئيسية الهامة مثل : (الإعلان العالمي لحقوق الإنسانUniversal Declaration of Human Rights ) ـ (UDHR) ، و(العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية International Covenant on Civil and Political Rights)، ( ICCPR) والعديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية اﻷخرى التي تتعلّق بحقوق اﻹنسان. بالإضافة إلى العديد من تلك الوثائق المكملة التي تضم قرارات مجلس حقوق اﻹنسان (HRC) والتعليقات العامة للجنة حقوق الإنسان. والتقارير والتصريحات الصادرة عن المقررين الخاصين لهيئة الأمم المتحدة، والوثائق العديدة المتنوعة في مواضيعها الصادرة عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) واختبار جوانب ومضامين خطاب الكراهية المستمد منها .
الجدير بالذكر أنَّ الكُرْه أو الكَرَاهِيَة The hatred أو المَقْت أو البَغْضَاء، هي مشاعر انسحابية يصاحبها نفورٌ وعداوةٌ وإشمئزاز شديد، أو عدم تعاطف مع شخص ما، أو مجموعة ما شيء أو حتى ظاهرة معينة، تعوز عموما إلى رغبة في تجنب، تدمير الشيءالمكروه يمكن للكره أن يبنى على عدم الإطمئنان والقلق والخوف من غرضٍ محدّد أو معيَّن أو ماضي سلبي أو شخص معين مسبقاً نتج عن التعامل مع ذلك الشخص، يمكن للناس أن يشعروا بالنزاع والصراع والمشاعر أو الأفكار أو الآراء المعقَّدة التي تستلزم الكره،كما تستخدم كلمة ( كراهية) لوصف حكم مسبق أو إجحاف أو إدانة تجاه مجموعة من الناس أو طبقة معيّنة (المكروهة). (العنصرية) المفرطة أبرز مثال على ذلك .
لقد أثار فعل الكراهية عدد كبير من المفكرين والفلاسفة عبر التاريخ منهم الفيلسوف وعالم الرياضيات والفيزيائي الفرنسي رينيه ديكارت René Descartes)) (1596 ـ1650) الملقب بـ (أبو الفلسفة الحديثة) الذي رأى إنَّ الكراهية هي إدراك أنَّ هناك شيءأو قضية سيئة في مجتمع ما مع الرغبة في الانسحاب بعيد عنه. ويرى الفيلسوف اليوناني أرسطو أو أَرِسْطُوطَالِيس أو أرسطاطاليس المعلم الأول و تلميذ أفلاطون ومعلم الإسكندر الأكبر ( 384ق.م – 322 ق.م). يرى الكراهية على أنَّها الرغبة الجامحة في إبادة الكائن المكروه. أما الفيلسوف والاقتصادي والمؤرخ الأسكتلندي ديفيد هيوم David Hume)) (1711 ـ 1776) م فيعتقد أن الكراهية هو شعور غير القابل للإختصار أو الاختزال ولا يمكن تحديدها أي (تحديد سبب الكراهية) على الإطلاق، وغالبا ما يؤدي إلى تدمير الكاره والمكروه معا. كما أن البعض الآخر يرى أنَّ الحقد والكره والبغضاء هو حزن مع فكرة سيئة جداً مصاحبة لسبب خارجي. أو عندما يكون هناك شيء أو فرد ما يقدِّم لنا الحزن سواء بإستفزاز أو إهانة..الخ…. فيظهر الحقد وتظهر الكراهية والبغضاء. في التحليل النفسي،فإنَّ الطبيب والمفكر الحر ومؤسس علم التحليل النفسي النمساوي (سيغموند فرويد Sigmund Freud) (1856 ـ 1939) م يرى أنَّ الكراهية هي رغبة شخص ما في تدمير مصدر الحزن والتعاسة الكره لديه.
في أغلب الأحيان تكون الكراهية مستمرة ،غير مؤقتة، بل يمكن أن تستمر حتى موت الكاره أو المكروه، وكثيرا ما ترتبط الكراهية والبغضاء بالعديد من المشاعر مثل العنف والغضب وشيء من الجنون والتصرف بطريقة عدائية تجاه الكائنات المكروهة، ويمكن للكراهية دفع الإنسان إلى النقياد للقيام بأعمال متطرِّفة. مثل تلك الإجراءات والعمليات المتطرفة التي يمكن أن تؤثر بشكل سلبي كبير على الفرد أو الجماعة أو الكائنات المكروهة أو على عامة الناس، ومن الأفعال والإجراءات المتطرفة التي تسببها الكراهية والبغضاء القتل والعنف والحرب.
في هذا السياق نجد حالة خاصة من تداول خطاب الكراهية تبثها الشبكة العنكبوتية (الإنترنت Internet) التي يتم خلالها التحريض على التصفية العرقية (الإثنية) وهو المفهوم والمصطلح الذي يعبِّر اكبر تعبير عن أكثر صور خطاب الكراهية hate speech تطرفاً ، وقد ساهم مساهمة كبيرة في بعض من أسوأ وأكبر الإبادات العنصرية في التاريخ السياسي منها التصفية العرقية في رواندا في أثناء الحرب الأهلية الدامية عام 1994 مالتي شهدت أعمال عنف واسعة النطاق بدأت في 7 نيسان واستمرت حتى منتصف حزيران 1994م، حيث شن القادة المتطرفون في جماعة وقبيلة الهوتو التي تمثل الأغلبية في رواندا حملة إبادة بشعة ضد الأقلية من قبيلة توتسي. (RPF) وخلال فترة زمنية محددة لا تتجاوز مئة يوم، قُتل ما يقارب على ثمانمائة ألف شخص وتعرَّضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب. والتصفية العرقية للأرمن أو الإبادة الجماعية للأرمن التي حصلت في أراضي الدولة العثمانية على يد حكومة الاتحاد والترقي خلال الحرب العالمية الأولى ، مع أنَّ مجازر متفرقة عديدة قد ارتكبت بحق الشعب الأرمني منذ منتصف العام 1914م، فإنَّ المتفق عليه أنَّ تاريخ بداية الإبادة الأرمنية هو 24نيسان 1915م، وهو اليوم الذي جمعت فيه السلطات العثمانية عشرات المئات من المثقفين وأعيان الأرمن وكبار شخصياتهم واعتقلتهم ورحَّلتهم من اسطنبول (القسطنطينية سابقا) إلى ولاية أنقرة حيث تم القضاء عليهم دون شفقةٍ أو رحمة .
الجدير بالذكر أنَّ المحكمة الجنائية الدولية المختصة براوندا قد أدانت عدد كبير من الأشخاص بتهمة التحريض العلني والمباشر على ارتكاب أعمل القتل والتصفية والذي عرَّفته بأنّه : ( تحريض مباشر من خلال الخطابات أو التهديد الكلامي في الأماكن العامة أو في أماكن التجمعات السكانية العامة، من مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية Genocide أو من خلال نشر، أو بيع، أو عرض بيع، أو عرض مواد مطبوعة، أو مكتوبة، في أماكن عامة، أو تجمعات سكانية عامة، أو من خلال الملصقات أو لوحات اﻹعلانات، أو من خلال الوسائل اﻷخرى للتواصل المرئي والمسموع. ومن الأمثلة على الأعمال الإجرامية البشعة التي زودها خطاب الكراهية على الشبكة العنكبوتية (اﻹنترنت) بصب الزيت على النار لزيادة اشتعالها كل من من عمليات الإبادة الجماعية والتصفية العرقية لأقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار( بورما) وهم أقلية أمام الأغلبية البوذية، وهم من أصحاب الأصول المنحدرة من مسلمي الهند بما فيها ما يعرف الآن بالصين وبنغلادش الذين أتو من مقاطعة يونان الصينية وكذلك من أصلاب المستوطنين الأوائل من العرب والفرس. وأعمال العنف ضد الأقلية المسلمة في سريلانكا عام 2018 م .
هناك قضية غاية في الأهمية وهي أننا لاحظنا أنَّ تتابع وتتالي الأحداث من بين النماذج التي أشرنا إليها من وقائع الإبادة الجماعية Genocide ووقائع التصفية العرقية (الإثنية) التي حرَّض عليها خطاب الكراهية تم نشره على نطاق واسع ،قد وقعت احداثه الدامية في عام 1994 م ، كان قبل توسّع الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت Internet) حول العالم، فقد ساهمت ثورة الاتصالات في التغيير الجوهري بين الناس داخل الوطن الواحد، وعبر دول العالم قاطبةً. مما أتاح للجميع نشر الكثير من الرسائل والخطابات إلى أكبر عدد ممكن من المتلقين، بسهولةٍ كبيرة، وأكثر فعالية، فقد تزايد المحتوى الذي يتضمن خطاب الكراهية بمعدّل أسرع وعلى نطاق واسع وكان ذلك ملحوظاً في أثناء الأحداث المتوالية المثيرة للجدل أو ذات المسار الاستقطابي، مثل الاحتجاجات والمظاهرات التي تخص حياة السود في الولايات المتحدة الأمريكية في حزيران عام 2020م .كما أنَّ ظهور فكرة العداء للسامية ، وفكرة الزينوفوبيا ( العداء للأجانب) أو الخوف من الغرباء وال|أجانب . الذي يكون على أساس مكان الميلاد، وهي عنصرية مفرطة تستند إلى الأصل العرقي، ومثال ذلك : كراهية امرأة سوداء من بريطانيا لأنها بريطانية يعدُّ كرهاً للأجانب، ولكن كراهية سوداء من بريطانيا لأنها من السود تعدُّ عنصرية. والفرق بين الإكزينوفوبيا والعنصرية هو أن تنحصر في كره الآخرين بسبب نسبهم أو عرقهم ، أما (الإكزينوفوبيا(Xenophobia، فهي كره الأجانب فقط لأنهم غرباء أو أجانب عما يحمل الشخص الإكزينوفوبي، مثل الاختلاف بالجنسية والدين والمعتقدات والأعراف وغيرها.
هناك أمران ضروريان بالنسبة لكراهية الأجانب. علينا توضيحهما ،الأول : هو مجموعة من السكان داخل هذا المجتمع الذي لا يعتبر جزءًا من ذلك المجتمع أصلاً . وغالباً ما يكونون من المهاجرين أو اللاجئين، وكراهية الأجانب قد تكون موجَّهة ضد مجموعة بشرية وهو أمر كان حاضرً طوال قرون عديدة من عمر البشرية. هذا الشكل من كراهية الأجانب يمكن أن تنتج عنه عدائية وعنف وقهر للآخر، وتهجير فئة من مجتمع ما، أو في أسوأ الأحوال القيام بإبادة جماعية Genocide لفئة ما من المجتمع. أما الشكل الثاني لكراهية وبغض الأجانب هو في الدرجة الأولى ثقافياً، من خلال كراهية العناصر الثقافية التي يعتبرها الجانب الآخر غريبة عنه وغير معتاد عليها. وما حرق القرآن الكريم والتطاول على النبي الكريم محمد، والرسوم المسيئة للرسول الكريم هو نتيجة خطاب الكراهية المنتشر في العالم الغربي.
لذا وبعد تلك التوطئة لا يمكننا إنكار العواقب الخطيرة والمخيفة المحتملة لخطاب الكراهية، فقد وجدنا من خلال البحث وما جرى في التاريخ الإنساني أنَّ مصطلح خطاب الكراهية هو مصطلح فضفاض ومبهم. خاصةً في الاستخدام العام له من قِبَل الجمهور والميديا بكل تنوعاتها وتفرعاتها. من جهتها أدركت الحكومات حول العالم حجم التهديدات التي أفزعتها سواء كانت واقعية وحقيقية، أو متخيَّلة. الناتجة عن خطاب الكراهية التي تنساب عبر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) والتي من نتائجها الخطيرة تقليب الراي العام واللعب على العقول وهذا التوجّه في حد ذاته تهديد مباشر وكبير للحق في حرية التعبير وتبادل الرأي وهو واحد من أعمدة حقوق الإنسان التأسيسية . التي ترتكز عليها الحقوق الأخرى ولا تقوم بدنها، فتقييد الكلام المشروع والقانوني في سبيل تجنب عواقب خطاب الكراهية والحقد والبغضاء هو نقيض الغرض الأساسي،وفي نهاية الأمر تحقيق هدف اقتلاع واجتثاث الجذور والأصول الاجتماعية والثقافية والمعرفية الحقيقية لخطاب الكراهية ممكن فقط بتشجيع المزيد من القيام لالعمل الجاد في مجال حرية التعبير وليس العكس. وهو يتطلّب توازناً يتصف بالحساسية العالية، وبمجمله يمثِّل تهديداً مباشراً وحقيقياً مع الحفاظ على الحق في حرية التعبير وحمايته في الوقت نفسه، هذا الفهم لبنية خطاب الكراهية ومقاصده يؤكد القدرة على التمييز بين خطاب الكراهية وبين خطاب العنف أو التمييز أو حتى عمليات التصفية العرقية والإبادة الجماعية، وبين خطاب الكراهية كونه كذلك، يتطلّب التسامح معه في ظل حماية والحفاظ الحق في حرية التعبير له، أمراً أكثر يسراً وسهولةً .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى