مؤسساتنا الثقافية وكبار السن

جميل السلحوت | فلسطين المحتلة

لم تعد مشاكل مؤسّساتنا الثقافية محصورة في قضيّة ذلك البعض الذي يتربّع على عرش مؤسّسات ثقافيّة كبيرة، مع أنّ علاقته بالثّقافة كعلاقة “مصلّح بابور الكاز” بالتّكنولوجيا كالحاسوب وغيره، مع أن مصلّح البابور –وهي مهنة شريفة- لم يدّع يوما أنه يستطيع اصلاح عطب جهاز الحاسوب”الكمبيوتر”، وبالتّالي فإنّ من يرتكب الخطأ في هذه المقارنة هو صاحب الحاسوب المعطوب، الذي أخطأ عنوان من يستطيع اصلاح حاسوبه، لكنّ الهابطين على قمم مؤسّسات ثقافيّة بمظلات وراثيّة أو عائليّة أو سياسيّة في بلادنا عامّة، وفي قدسنا خاصّة، ولا علاقة لهم بالثّقافة، يزعمون وباستهبال واضح للمواطنين أنّهم على دراية بالثّقافة وفنونها ودروبها وكيفيّة رعايتها، تماما مثلما هو حال مؤسّسات أخرى، ذات تخصّصات مختلفة، وتأخذ المأساة أبعادا أكبر عندما نجد أشخاصا يقفون على رأس مؤسّسات تعليميّة وثقافيّة منذ سنوات طويلة، مع أنّهم بلغوا من العمر عتيّا، بل إنّ بعضهم في أرذل العمر، ورغم كونهم غير مؤهلّين أصلا لهكذا مناصب، إلا أنّهم لا يفتحون المجال لغيرهم، ويبقون الآمر النّاهي حتى يغيّبهم الموت، مع أنّهم يميتون المؤسّسة قبل موتهم، ولا أحد يقرع الجرس أمامهم؛ لأنّ السّيطرة على بعض المؤسّسات محكمة عائليّا وعشائريّا وربّما سياسيّا، مع أنّها مؤسّسات عامّة.
وللتّذكير فقط فإنّ الدّراسات التي بحثت عن أسباب انهيار امبراطورية الاتّحاد السّوفييتي، وجدت من ضمن ما وجدت أنه لم تتح فرصة للأجيال الشّابّة للمساهمة في رفعة الدّولة، فمثلا كان عمر وزير الرّياضة والشباب السّوفييتي 83 سنة. لذلك فإنّ أحدا من الرّياضيين السّوفييت لم يحصل على ميداليّة ذهبيّة في الألومبياد في عصر ذلك الوزير.
وبما أنّنا لا نتعلّم من أخطائنا ولا من أخطاء غيرنا، فإنّ أحدا من مسؤولينا لم يفكر بالاستفادة من قدرات المبدعين من بناتنا وأبنائنا الشّباب، فمثلا في المجال الثّقافي مبادرة شباب جبل المكبر الشّبابية، والتي أسّسها بداية العام 2013 الشّهيد بهاء عليان مع نخبة من الشّابّات والشّباب من أبناء جبل المكبر، أبدعت ونفّذت حدثا ثقافيّا غير مسبوق عالميّا، وهو “السّلسلة القارئة حول سور القدس التّاريخيّ” التي تمّت في 16 آذار –مارس- 2014. وما نتج عنها من تأسيس ثلاث مكتبات في أحياء هامّة وحسّاسة في القدس، إضافة الى المكتبة الرّئيسة التي تحوي آلاف الكتب في مقر المبادرة في جبل المكبر، وإضافة إلى اللقاءات الثّقافيّة والتّعليميّة والتّربويّة الأخرى التي تنفّذها المبادرة، فهل ستترك هذه القدرات الخلاقة والمبدعة محاصرة حتى يموت سابقوهم من الأبوات المتسلّطين؟ ومع احترامنا للدّور الذي قام به الآباء الرّواد والمؤسّسون، فإنّ للعمر أحكامه، فجهودهم مشكورة وقيمتهم محفوظة، لكن عليهم وعلى غيرهم أن يدركوا أنّ المؤسّسات يجب أنّ تستمرّ، وأنّ هناك كفاءات عالية ومؤهّله ومتخصّصة وفاعلة ممّن هم أصغر منهم عمرا، وهم الأولى والأجدر باستلام المهمّات؛ لتفعيل المؤسّسات والنّهوض بها والحفاظ على استمراريتها. أم أنّ هناك من “الأبوات” من لا يزال غير مدرك لدور الثّقافة! أو أنّنا مصرّون على استمرار الهزائم في مختلف الأصعدة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى