السيدة «ع» غير صالحة للاستخدام الآدمي
منى قابل | القاهرة
(أنا لا أصلح، لن يتحملني رجل)، قالت جملتها ثم انخرطت في البكاء
هكذا تداعت السيدة “ع” حتى صار جميعها على الأرض.. قمت بتهدئتها، واستأذنتها في الاسترسال
لملمت أفكارها المتناثرة مبتلعة حبة المهدئ
ثم واصلت قائلة: تصر عائلتي على مطاردة هوائي وحبسه في قنينة تقاليدهم
اصدقيني القول أيتها الطبيبة
أيعقل أن أخدع أحدهم؟
لمجرد أن أمي تتوق لسماع كلمة جدتي
لن يتحمل رجل امرأة مثلي
لا تستطيع أن تقول له بغنج بعد كل لقاء لقد كنت رائعا الليلة،
امرأة لا تعرف كيف تكذب، أو كيف ترش السكر فوق الكلمات
لا تعرف كيف تطلي أظافرها رغم أنها تجيد خمش الحقائق.
امرأة تسقط الدموع من قلبها وترسل عينيها إلى مكان بعيد عن الفهم، عن القراءة، بعيد جدا عن البكاء.
تدخن علبتين قلق يوميا لتقتل الوقت رغم أنها لا تطيق رائحة الدخان،
تغسل شارعها بدموعها كل مساء، لتمحو آثار براكين غضبها.
تصارح مديرها بالعمل بأن رائحته نتنة، وتترك الأطباق حتى تتعفن الأيام على سطح أحلامها.
تتحرك بلا هدف هنا وهناك، لا تستطيع أن تهدأ.
تنتقل من عمل إلى عمل بقفزات أرنبية حيث لا مكان يتحملها بين جدرانه أكثر من شهر.
انهمرت دموعها زخات وزخات بلا صوت، وران صمتها في القاعة.
وبعد ثوان، التقطت أنفاسها وأردفت: أكاد أثق في هذا، لن يتحمل عنائي رجل!!
فمن يتحمل؟
امرأة قد تفقد في أسبوع عشرة كيلو جرامات وتكتسب في يوم واحد خمسة إنشات حول خصرها.
قاطعتها لأسأل عن آخر مرة تعرضت لنوبة صرع.. واصلت شكواها وكأنها لم تسمعني: حاولت كثيرا أن أصنع من لحمي روحًا.. أن أستبدل العقاقير التي ذابت في دمي بعصير الحب.. لكن أسوار الخوف من الفشل كانت أعلى من قامتي بكثير.
من يتحمل امرأة تهوى على الأرض في أي وقت؟، وتستمر بالصراخ والرفس بقدميها، امرأة قد تبتلع لسانها دون إنذار مسبق.
تعرفين جيدا كم تكون النوبات مباغتة وشديدة.. ورغم ذلك “ع” التي أمامك؛ امرأة فاشلة.. تنسى ابتلاع حبة واحدة في اليوم، تنسى وجهتها وساعتها ،تنسى كل الأرقام، مقاس حمالة صدرها، وحذائها، راتبها الشهري، لا تتذكر تاريخ ميلادها إلا مع كعكة عيد الميلاد او التهاني التي يرسلها لها الأصدقاء في صندوق مراسلات مواقع التواصل خاصتها.
امرأة تلعق أصابعها وسط جمع من الناس، وتتقاسم ألواح الشيكولاتة مع الأطفال
توقفت عن ثرثرتها فجأة لثوان.. ثم باغتتني
هل تقبلين أنتِ صداقة امرأة ترتدي الخوف كل صباح؟ هل تتركين معي طفلك لدقائق وأنتِ مطمئنة؟
وقبل أن أنطق أجابت بنفسها: بالطبع لا
فكيف يعتقد أبي أن يرضى بي رجل كزوجة؟
ليس هناك من يقبل معاشرة امرأة تفوح رائحة القلق من صوتها طوال الوقت.. هبت واقفة دون سابق إنذار ثم حملت حقيبتها؛ وبنظرة ملؤها الأسى قالت:
اكتبي في مفكرتك هذه.. زارتني اليوم امرأة غير صالحة للاستخدام الآدمي.