فكر

التكامل الوطني سد في وجه التطرف

د. سمير مراد | الأردن 
إن الله عز وجل كما كلفنا أفرادا، كلفنا في صور جماعية، ليتوافق الظاهر والباطن معا، فيحصل التكامل المؤدي إلى نضارة المجتمع المسلم، وتكوين بنية قادرة على القيادة من جهة، والتصدي للمعوقات من جهة أخرى يقول الله تعالى في التكليف الفردي: (أقم الصلاة)، ويقول عليه الصلاة والسلام: “صل قائما”، ويقول تعالى في التكليف الجماعي: (ولتكن منكم أمة)، ويقول عليه الصلاة والسلام: ”لتأمرن بالمعروف“، فنحن عندما نرى الشرع يرشد مع الوحدة إلى الجماعة، فإن ذلك الأمر دليل على إرادة سد الخلل المتوقع من الانفراد، كما قال عليه الصلاة والسلام: “فإن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية”، أي: المنفردة البعيدة عن القطيع، وكلنا يعلم – حتى في أمور الدنيا – أنه لا يمكن الفرد مهما كان أن يأخذ حيز الجميع، فيقوم بمهامهم، ولذا فإننا نرى حتى الدول؛ تتخذ الهيئات والمنظمات الجماعية، كلا في ميدانه، لتكوين حصانة مجتمعية ضد الفقر مثلا أو البطالة أو الأمراض أو الأعداء وهكذا،
قلت: وإن من أهم ما تتخذ ضده الجماعة، أو قل: أهم ما يسعى ضده بتحقيق التكامل الوطني في هذه الأيام؛ هو التطرف والتكفير، لما له من خطر على الجميع، الأمر الذي لا يمكن صده إلا بالتكامل الوطني. ومفهوم التكامل الوطني: أنه تناغم وانسجام مجتمعي ثقافي ودستوري بين مختلف المكونات الوطنية بقيم ومعايير دستورية الأمر الذي من خلاله يمكن توفير وسائل التكامل الوطني أو الاندماج الوطني لتحقيق الحصانة والرفاهية معا وذلك مع مراعاة الثوابت الدينية والولاء لها لمركزيتها في مجتمعاتنا الإسلامية. وهذه العملية المنهجية، ضمن الأطر الدستورية، تحقق لنا ما يلي:
أولا: حشد القوى المختلفة في صعيد واحد مما يزيد من أهليهة المجتمع للتصدي للتطرف والتكفير
ثانيا: سد الثغرات التي يمكن المتطرفين من خلالها التغلغل في بعض طبقات المجتمع والتفريخ فيها
ثالثا: النظرة الوطنية الدستورية المتكاملة تهيئ المجتمع للاصطفاف معا دون عداء يؤدي إلى ضياع القيم الوطنية والدينية
رابعا: النسيج الوطني المتكامل بجميع أطيافه من أقوى الوسائل في إقرار الأمن والسلام وحسن العيش بين الجميع.
خامسا: التكامل الوطني يقصي النظرة المتأزمة القائمة على الرفض المطلق لكل ما لم يكن يحمل فكر المتطرفين.
سادسا: التكامل الوطني ينعش الوطن والمجتمع بإحياء روح التعاون القائمة على فرض إيجابية الواقع دون فرض سلبيته كما يدعو لذلك التكفيريون.
سابعا: كلما كان الدستور بمواده – مع مراعاة الثوابت الدينية – هو مرجع المجتمع كلما كان الانسجام والتناغم الوطني أعلى مما يفوت كل فرص المتطرفين وغيرهم.
ثامنا: إمكانية التكامل الوطني الكشف والحد جدا من خطورة التكفير في قدرته على اختزال شخصيات متطرفة يمكنها الذوبان في المجتمع تحت أي مسمى ديني أو مالي أو سياسي او حتى وطني.
ولا بد من لفت النظر إلى أن ما سطرناه، لا يعني ما يمكن أن يشغب به البعض من أن الدساتير فيها أغاليط، فإن المقصود من تفعيل الدستور في الدول الإسلامية، إنما هو إحياء لمنهج الإسلام العظيم، القائم على اعتبار نسب الإنسانية، كما قال تعالى: (هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)، وقال: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، وقال عليه الصلاة والسلام: ” كلكم لآدم وآدم من تراب“، فالنسب الديني في عمارة الدنيا، لا يلغي النسب الإنساني قط، فنحن أمة بشرية لها قانونها المميز، والذي من بنوده: (واستعمركم فيها)، و(لتعارفوا)، فنسيج الوطن لا يقوم على ملة أو دين دون آخر، مما يفرض علينا قبول كل الألوان قبولا كونيا قبل كونه شرعيا بشروطه، لأن الخلق لا يمكن أن يكونوا جميعا على دين واحد، سنة الله تعالى، كما لا يمكن لاختلاف دينهم؛ أن يظلوا متحاربين، لأن ذلك خلاف السنة الكونية لله تعالى، ولذا كان السلم هو أساس العلاقة مع الخلق، على خلاف مفهوم المتطرفين، قال تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك)، وقال تعالى: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون)، وعليه فلا يمكن أن يكون الناس أمة واحدة في الإيمان ولا في الكفر، كما لا يمكن شرعا ولا كونا أن يظل الناس متحاربين لمحو كل الآخر، لزم حينها البقاء الكوني للإيمان والكفر، ولا بد من كونهما في مجتمع واحد صغير هو الوطن، كما أنهما في مجتمع كبير هو الأرض أو الدنيا، ولذا: فالتكامل الوطني خط كبير متين، في صد ورد وقطع المتطرفين والتكفيريين، مما يوجب علينا إبقاءه بل وتنميته بكافة الوسائل الممكنة
والله تعالى أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى