قواعد علم العمران البشري في مقدمة ابن خلدون

د. إسلام إسماعيل أبو زيد | كاتب ومؤرخ مصري

القاعدة الأولى: التسلسل في بناء الحضارة:
 رأى ابن خلدون ان بناء الحضارة يحتاج للتدرج و انه لا يمكن يقوم على نهج ثوري، حيث يبدأ هذا التدرج من تأمين الغذاء الأساسي ثم يأتي بعد ذلك الاهتمام بالملبس و المسكن و بعد ذلك تأتي الزينة المفرطة والاهتمام بمظاهر الحياة وكمالياتها، ويجدد ابن خلدون هنا تأكيده ان الامن الغذائي هو المرحلة الاولى و الاساسية في العمران و لا عمران بدونها.
ومن هنا ينبغي لمن يريد بناء أي دولة على البدء بتحقيق الامن الغذائي قبل اي شيء، فإذا غاب الغذاء فانه لا يمكن المرور لأي مرحلة اخرى. و هنا نتبين أن دولنا تسير عكس الاتجاه الطبيعي للعمران مما يفسر حالنا اليوم.
القاعدة الثانية:  البدو أساس الحضارة:
 يعتبر ابن خلدون ان البدو هم أساس أي حضارة لأنهم اكثر انتاجا واقل استهلاكا من اهل المدن لاكتفاء البدو بالضروريات وحرص الحضر على الكماليات.. ويتعرض في هذا الباب لحقائق تاريخية تؤكد ان اصل معظم أهل المدن يعود للبادية و بالتالي البدو هم أصل الحضارة.
إضافة الى ان طبائع البدو افضل من طبائع الحضر و انقى و اشجع و اقرب للفطرة البشرية و لهذا يعتبر ابن خلدون ان بناء اي حضارة لا يتم الا على ايدي البدو و هي حقيقة تاريخية.
القاعدة الثالثة: سر ادعاء الزعماء والسلالات الحاكمة النسب الرفيع:
 في الماضي كانت القبائل هي من تحدد الحاكم على أساس النسب فإن حدث شك في نسب أحدهم إلا وأبعدته عن السلطان مهما بلغت شجاعته أو حكمته، وقد توارث الناس هذه العقلية حتى في عهد الدولة فلا يحضى عندهم حاكم وضيع النسب بالاحترام والتوقير مهما بلغت و العكس بالعكس.و في تاريخنا الاسلامي ضهر ذلك جليا في صعيد الموالي أثناء ضعف الدولة العباسية إذ ادعت كل اسرة تستبد بالحكم ادعاء نسب شريف وان كان غير صحيح، فإدعى بنو زيري الانتساب لحمير و الفاطميين النسب الشريف (و هو يعرض هنا ايضا بالحفصيين ملوك بلاده تونس الذين كانوا يدعون الانتساب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه و هم في حقيقة الامر بربر من لمتونة)، و هنا قد يكون النسب احد اهم اركان الحكم من حيث لا يدرى.
القاعدة الرابعة : لا تتوقع شيئا من جيل قبل الذل:

و هذه قاعدة ذهبية أشار اليها و ذلك لأن الجيل الذي يقبل بالذل المرة الاولى يقبله ان اضطر في المرة الثانية.. و استشهد بقصة بني اسرائيل و حكمة التيه اربعين سنة و هي ان يذهب الجيل الذي كان قد قبل الذل من فرعون و يأتي جيل عفي لا يقبل الذل.


 القاعدة الخامسة : المغلوب يتبع الغالب:
 النفس البشرية ترى الغالب كاملا و تستقر فيها عظمة المنتصر لتغلبه عليها او تقوم بمغالطة نفسها بتبرير الخسارة لكمال المنتصر، و هذا التبرير يكون من قبل الفرد او الامة على حد السواء.. فالنفس البشرية تميل لإختلاق الأعذار اكثر من الاعتراف بالتقصير و الخطأ.. ولهذا السبب تتبع الامة المغلوبة الامة الغالبة في كل شيء اللباس والسلاح و طريقة الادارة تشبه الابن بابيه لأنه يعتقد فيه الكمال وهنا يتبين أن أهم وأصعب مراحل الإنتصار هو محو الهزيمة النفسية للامة
 القاعدة السادسة: الأمة المملوكة لغيرها فانية لا محالة:
عندما تقنع الأمة المملوكة او المغلوبة بحالة الهزيمة وتحيط بها حالة من فقدان الامل و غياب الحافز فانها تسير نحو الفناء لان كلا العاملين يمثلان السر خلف البناء و العمل و حتى كثرة النسل.. فان غلب الخمول على الامة المغلوبة تراجعت حتى تصبح لقمة سائغة لكل طامع فيتدخل بهم الجميع و يتناهشون ما تبقى منهم حتى يفنى وجودهم اما بالإبادة اما بالانصهار التام.
و ذكر في هذا السياق الفرس بعد سقوط دولتهم على يد المسلمين، فقد كان عددهم كبير جدا لكنهم تناقصوا و تشتتوا رغم العدل الاسلامي فيهم و اعتبر هنا ان مسألة الاندثار مرتبطة بالتبعية و ليست بالعدل (و حتى زمن ابن خلدون كان ما يقوله صحيحا عنهم لكن يبدو انهم استوعبوا الدرس في ما بعد حتى قلبوا علينا ضهر المجن و لا حول و لا قوة الا بالله) و يمكن مطابقة هذه النظرية مع ما حدث مع الهنود الحمر في امريكا ايضا.
فالإنسان حسب ابن خلدون رئيس بطبعه فان فقد هذه الصفة خسر كيانه و اصبح اقرب للحيوان اذ صار لا يهتم الا بغرائزه و نسي وضيفته في الحياة و هي الاعمار و الانجاز.

 القاعدة السابعة : الترف و الحكم العصبي القبلي:
العصبية القبلية هي اصلا ليست الا طريقة للسعي للفوز بالحكم و هنا يؤكد ابن خلدون ان كل حاكم يحاول ان يلعب بنار اذكاء العصبيات القبلية و العرقية انما يبني في النهاية عدوا طامعا في الحكم سيظهر عليه يوما.. و هنا يقول ابن خلدون ان الترف هو بداية النهاية لأي حكم عصبي قبلي لأن الترف سيجعل المصلحة الفردية تغلب على مصلحة الجماعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى