أحمد برقاوي يرد على بورخيس في قصيدته ” إلى إسرائيل “

كتب الشاعر الأرجنتيني الأشهر بورخيس الشغف بإسرائيل.عام ١٩٦٧ بعد حرب حزيران، يقول فيها:

“من سيخبرني إن كنت تجرين

في متاهة أنهار دمي الضائعة منذ قرون

يا إسرائيل؟

في أي الأماكن طافت دماؤنا؟

لا يهم، أعلم أنك:

في الكتاب المقدس المطوق للزمن

في تاريخ آدم الأحمر

وفي ذاكرة وعذاب المصلوب.

في هذا الكتاب أنت،

مرآة تُرى فيها:

الوجوهُ المنحنية على نفسها

ووجه الرب الكريستالي القاسي

حيث الفزع في الثنايا.

بوركت يا إسرائيل، لتحمي جدار الرب

في قلب المعركة”.

***

وفي الرد عليه كتبنا هذا النص

أنا الفلسطيني الأبدي.

بورخيس:

يا من شغفت بالشر يوماً

أيها القلب الذي مجّد الخنجر المغروس في جسدي

كيف عميت عن الفرق بين الطاعن و المطعون

وأنت من أنت يا كاتب “الألف “

أيها المفتون

بتلك الكذبة التي ظنتْ بأنها

قامت على أنقاضي لتحي مجد الأساطير

وأنا الحي الذي لا يموت

وإنها ستبقى بفضل أنيابها المستعارة

واستبدلتْ الأسم الخرافي الذي أشبعتَه مدحاً،

باسم فلسطين

وأملتْ في عدمي المطلق وتأمل

عدمي الذي لا يحتاج لكي يكون

إلا إلى بضع سنين من التقويم العبري

التقويم الذي لم ير الأرض مخلوقة إلا من ستة آلاف عام

ما الذي أفرحك بالمزحة الحمقاء التي زرعها الغربي

في حضن أم الحياة

أنت لا تدري ولا هم يدرون بأني

في كل مرة يعلن فيها أحد أخبار موتي

أقوم حاضراً بكل ما أختزن من العواصف

و ما أملك

من إرادة القوة و الحياة

إرادة الحق التي يجهلها العماء

وصعرت لها خدك يا شاعرا يمجد خناجر اللصوص

فأنا الفلسطيني الأبدي

لا أسكن الكتاب

ولا قصص الأولين

ولا حكايات الوهم المعتق في خوابي

الإله الذي يقود الحرب ضد جَالُوت

وخوابيك

أنا المقيم في قلب الحياة التي تسكن

الأرض التي تجهلك وتجهله وتعرفني

لا أتعب ولا أستريح في اليوم السابع

فأنا الفيض الذي لا يكف عن الصدور

وأكتب في يافا قصائد حبي و الفرح

تتغزل بالإنقاض يا بورخيس!

الأنقاض التي ظنت بأنها

ستبعث في أشلائها الحياة

على أنقاض الحياة

الأنقاض تسأل نفسها في كل مرة

أمام طفلٍ يعكر مستنقع الوهم

القار في جمجمة الحمقى:

من أين؟

وكيف؟

وماذا بعد؟

الجمجمة المحشوة بقار التيه والسبي

تسأل في سرها:

من أين لهذا العجوز الذي يدب على عكازه

ويعتلي تلال الجليل وجبالها

كل هذه البراعم من الآمال التي لا تنتهي

من أين له هذا اليقين المطلق

بأنه وحده الباقي على على أرض كنعان العربي

الجمجمة الحمقاء لا تسمع أجوبة الأرض ولا أناشيد شجر الزيتون

شتان بين من يمرح في جبال عيبال معتداً

وذاك المتخفي خوفاً بين أسوار

وبرج مراقبة

وخوذة لا تنجب إلا اليأس

الكوفية التي ترفرف على رأس

صديق الفضاء و الريح و المطر

لا يبكي على جدار

تعلم من نبيه الذي يحب الحياة

ومنح لأحفاده

روح أجنحة البراق

بأن الطريق إلى السماء سالكة

ولا يعرج إليها

إلا كي يعود إلى الأرض

محملاً بسناءات النجوم

الفلسطيني الذي يختزن المسيح في فؤاده

يختزن روح الحب والقيامة من الموت

وأناشيد مواسم البذار والحصاد والجني والقطاف

معجزة هزت عروش اليقين:

المطر الفلسطيني يهطل من الأرض

ليسقي السماء

ظن العدم أن الأرض لا تختزن إلا القبور

اصم لم يسمع موسيقى الأردن

وأغاني أفراح العماد

وظن أن الأرواح فرت من أجسادها

ونسيت حناجرها الوعول

مارحا في الارض يمشي

وسيفه مفلول من قراع الزهور

ما كان يدري أن البراكين تهزأ

حتى من صمت الصخور

إن هي إلا صرخة

لتمتلئ بالفُنِق ساحات الحياة

لتعلن بدء النهايات وبدء النشور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى