لفحة.. ونفحة..!

(١)
بدايات لم تتشكل
**************

كانت بدايات لم تتشكل ،بعد أوليات سير انقطع ..وجدول جف ماؤه ..
هو الشعر الذي أحببته كثيرا في خلوتي ..
واستأنست به صَبّا في غربتي،
وتزلفت له بعقلي ..ووعي ..ووجداني
كنت أبيت عليه حتى أراه في منامي
ينبت في لهاتي
ويتساقط من بين ثناياي … لتورق مسراتي..
و يتناثر من شدقي .. ليعبر قلقي
ويجمل ورقي
وما لبث الواقع المر أن صدمني ..
وبصدوده لجمني
صافحته،، وأنكرني..
وأدخلني منه في أتون من وهج ..ورهج
فباعد بيني وبين ما أحب غير مبتهج
لينأى عني ويبعد غِراً فتيا..
كلما دنوت منه قلبا رضيا..

__________
(٢)
تبا
******
تبا للكلام وللمتكلمين ..
للصغار الأغرار،والكبار الخائنين
تبا للحكام اللئام والمحكومين
تبا لعين لا تبصر ..
ولغيمة لا تمطرْ
وأذن لا تسمع ..
وقلب لا يخشع..
وكفٍ لا تتوجع
وهي من غير مائها تنهلْ..
وتبا لكل كلمة عاقر لا تحبل

تبا لكل متشاك ٍ وشكواه
ولكل محب ونجواه ..
تبا لكل من يري الجراح تشخب
والدم القاني يسيل
ثم لا ينفك يستجدي محبوبة مهترئة ..
بروح صدئة
تنطرح في حجر حبيب تالف ..
لظله مخالف

تبا لكل من لا يزال يتعاطى كؤوس الهوى سرابا مع طيف من اختراعه
يتملل من لا شيء ..
ويتداعى قلقا من حب بائس ..
لا وجود له إلا بقلبه اليائس،

تبا لكل قلب لا يلينْ..
ذي موعد مؤجل لا يحين
يتقلب على جمرات زائفة من النوى..والجوى ..والحنين

تبا لكل غاوٍ.. أفاك.. مضل ..مبين

تبا لضاحك نسي كنه البكاء
تبا لكل موسر لم يذعن
ولكل ولي أمر لم يأمر..
ولكل كاتب مستأجَرْ
ولكل راكب متأخر..
عن هدف الحياة الأكبرْ

__________
(٣)
سهم رائش
**********

… بسهم رائش
رمت الدنيا قلبا تواردت الهموم على أيامه ..
أوثقته العوادي بالحبال
وتكسرت فيه النصال على النصال
فلم يعد فيه مكان لجرح جديد ..
كما لو كان كل يوم يتوارد على العمر؛
يأبى أن يمر دون أن يهز النفس ويلفها باليأس..
فيذهلها عن غايتها
وينال من راحتها ..
وإذا ما التأم جرح .:. جد بالتذكار جرح
أهذه هي الدنيا … ؟ !
ما أسوأ أن تكون الذكرى نقيع حنظل لا مفر من اجتراره..
قد يكون النسيان مهلكا
.. ولكن ما أسوأ أن يكون التذكار أشد هلاكا ..
المال والبنون زينة الدنيا..
فيالبؤس قلب رزق هذه الزينة ثم يحيا متجردا عن حليها
أن تكون ملهوفا حتى تعود لأبعاضك؛ أمر فيه فسحة وتعُلّل
أما أن تعيش اللهفة نمط حياة ،
فيالعظمة السدود…
ويالعثرة الجدود !
عند حدود هذا الألم المتناهي، تنتهي الأضداد ..
العذب كالملح الأجاج.
النحيب كالضحك كالرغاء كالمواء
النار كالثلج سواء بسواء ..
الغنى كالفقر
الهزيمة كالنصر..
العهر كالطهر
تغيم الحدود بين الدمعة والضحكة
النور والظلام رديفا ظهرٍ منحنٍ
متبلٍ بروائح المر والصبر
تتيه النفس في عالم الوجدان والحرمان
ويذوب الكلام في طرف اللسان
ليخرج مغلفا برائحة الصمت
ثم تكون حشرجة لا حرف فيها … سوى …
أنّة ..
وأوااااااااه..

__________
(٤)
النفس البشرية
***********
للنفس إقبال وإدبار
ونشاط وفتور ..
ودمعة وحبور ..
وانتباهة ..وغفلة …وبرءٌ ..وعلّة ..
ومن راض نفسه على غير هواها
وحملها – عُنوة – على أداء ما يعلو به ..وبها
تصبح إرادة العلو عند ذلك لها طبعا،
فتسبقه إلى مراده،
حتى لكأن جسده ينوء بحمل عزماته ..
ويعجز عن مسايرة وثباته
وإذا كانت النفوس كبارا .:. تعبت في مرادها الأجسام
(( إن لكل شيء شرة ..ولكل شرة فترة ..
فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح و أنجح .
.و من كانت فترته إلى بدعة فقد خاب و خسر )) (1)
ومن أطلق لها عنانها ..
شبت على الراحة والدِّعة ..
وركنت متسفلة إلى الأرض
وأخلدت إلى الطين ..
وتلونت به في زحفها على مدارج الحياة

والنفس كالطفل إن تهمله شب على
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

ولا يفلح إلا من ثابر ،
و خالف هوى نفسه
ليتخلص من حظوظها ..
ويتملص من قيودها
ويسير سيد نفسه ..
بيده مغالقها ..وبعقله معاقلها ..
إذ لا تطلّ من شرفاته سوى أمَة ٍذليلةٍ
لا قدرة لها إلا على ملازمته ظلا..
ومرافقته خلاّ..
تأتمر بأمره ..وتنزحر بزحره
وتترع من نهره …
لتغتسل بمائه الأصفى..
وتلتزم بعهده الأوفى..

والنفس تأمل مني أن أطاوعها
ولست أرشد إلا حين أعصيها

__________
(٥)
– اشراقة قلب
**********
عندما يبصر القلب حقيقة الأشياء ؛
تصفو الرؤى وتهيم أفقا..
ليصير بياضها أكثر نقاءً وصفاء
حتى مايكون منها داكنا يصبح – رغم لونه المتداعي – جميلا متناغما ..
يمنحه إلتماسُ البياض شيئا من تميزه …
ليسمو معه …
فيبدو وكأنه يستحي من قتامة لونه
.. فيذهب متلمسا شيئا من نور أزهر باهٍ ؛
ليبدو في حدقة القلب جميلا آسرا..
ويأبى الرمادي – مع رهافة القلب الأبيض – إلا أن يرفع عنصره؛ ليتحاذى مع جماله ألقا ..
وطربا ..ورقّة..
فيغترف من لجة اللجين مايرفع به رتبته ويغري بالذهول ..
هكذا تتحول الأشياء مع إشراقة القلب .. لتغدو معاني متماهية
لاتحتملها الحروف مهما اكتظت بها السطور..
ومهما حشرجت بها المعانب
ولكل شيء جماله المتفرد
.. فلولا الحموضة ما اكتسب البرتقال طعمه الأخاذ..!
غير أن نظرة الصيرفي الحسية تأبى أن تعطي لِلَون البرتقال المبهج قيمةً إذا ما بدا أقرب إلى التلف ..
ولن يشفع لليمون اصفراره المستنيم الباهي إذ أوشك أن يبدو أكثر استعدادا لقبول بقعة عطن واحدة
.. ما أسوأ حقا أن نحدّ البصر لنرى حقيقة الأشياء ..
فلنغفل قليلا عند اجتذابها :
حتى يستوفي الجمال حقه في أرواحنا
(..وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ..) ( البقرة : 267 )

________
(1)أخرجه أحمد (2/210،188)وابن أبي عاصم في السنة (رقم 51) والبزار في مسنده (6/337) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (رقم 1236،1237) وأبونعيم في الحلية (1/286) وغيرهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى