ثقافة الطّوشة

جميل السلحوت | فلسطين

           ونظرا للتّربية العشائريّة والقبليّة فإنّ الفزعات للطّوشات، واشتراك مجموعات فيها بناء على أسباب تافهة، لا تزال قائمة كامتداد لثقافة الهبل، ويقع فيها ضحايا، وبما أنّ التّربية القبليّة تقوم على الاعتداد بالذّات وبالقبيلة، وعلى رأي الشّاعر الجاهليّ عمرو بن كلثوم:

اذا بلغ الرّضيع لنا فطاما….تخرّ له الجبابر ساجدينا

 فإنّ ثقافة الهبل الشّعبيّة أفرزت مقولة ” اللي يحسب لك حساب لا يضرب حجر على كلبك”، وهذا ما حصل في أكناف بيت المقدس، حيث قتل رجلان، وأحرقت بيوت ومحلات تجاريّة قبل سنوات قليلة؛ لأن طفلا ضرب حجرا على كلب، وتمّت الحشودات وبقي الكلب يسرح ويمرح.

           وعقليّة القبيلة لا تنتبه لافرازاتها المشينة في تشجيع المنحرفين واللصوص وغيرهم، طبعا هناك استثناءات، فالمنحرف الذي يعتدي على الآخرين وعلى أملاكهم، ويجد من يحميه، ويفزع له إذا ما تمّ ردعه من قبل المعتدى عليهم، فإنّه يتمادى في غيّه وضلاله، إلى أن يوقع جماعته في جرائم كبرى عواقبها وخيمة، وقد تكون سببا في خراب بيوتهم.

         ويلاحظ أنّ ثقافة “الطّوشة” التي هي بمثابة سلوك تدعمه الجماعة القبليّة، فاجتماعات العائلة أو القبيلة، تعتبر ذوي الرّؤوس الحامية الذين يهدّدون بالويل والثّبور دون تقدير عواقب الأمور، “رجال سباع من ظهور سباع” في حين تتّهم العقلاء بالجبن! وهذه واحدة من مصائب ثقافة الهبل عندنا، وفي مجتمعات العربان نلاحظ تطوّرات ثقافة الطوشة؛ لتتناسب وتطوّرات الحياة، فعلى سبيل المثال هناك طلبة ومن أعمار مختلفة يحملون سكاكين وخناجر في حقائبهم، ويستعملونها ضدّ زملائهم أو مدرّسيهم في أيّ خلاف يحصل في المدرسة أو في الطريق إليها ومنها، وهناك في المرحلة الجامعيّة من يحمل أسلحة ناريّة كالمسدّسات وغيرها، وقد سقط جراء استعمالها ضحايا في الحرم الجامعي، بل إنّ هناك من استعمل السّلاح النّاريّ في مجلس النّواب- البرلمان- في إحدى الدّول العربيّة، ومما يشجّع استمراريّة “الطّوشات” كثقافة وكسلوك هو عدم وجود قوانين رادعة، وعدم استقلاليّة القضاء، والخضوع للأعراف العشائريّة التي تنتهي بتقبيل الّلحى، والإشادة بكرم ذوي الضّحايا، “لأنّ الجاهل يعمل الشّرّ والعاقل يصلح بعده” ونظرا لسيادة عقليّة القبيلة، فإنّه وفي حالة فرض خسارة مادّيّة على المعتدي وذويه، فإنّهم يتقاسمونها بتوزيعها على أبناء القبيلة الذّكور، لنجد من يستغل ذلك بالتّهديد بقتل الآخرين وهو يردّد “سأقتلك ورأس مالك معروف فلن أخسر أكثر من بضعة قروش” أو في استغلال حالات التّسامح بقوله “كلّ راس مالك فنجان قهوة”. والإغراق في عقليّة القبيلة ووحشيّتها ليس حكرا على أبناء العشائر والقبائل، بل يتعدّاها إلى فئات اجتماعيّة تدّعي أنّها متحرّرة من العقليّة العشائريّة، فعلى سبيل المثال، في الانتخابات التي تجري سواء كانت لهيئات إدارية لمؤسّسات، أو مجالس محليّة أو للبرلمان، فإنّ التّرشيح والانتخاب يتمّ على أسس عائليّة وعشائريّة، وليس بناء على الكفاءة، وتتساوق القوى المنظّمة كالأحزاب وغيرها مع هذه العقليّة، لذا فإنّهم عند ترشيح أحد أتباعهم لمؤسّسة ما فإنّهم غالبا ما يبنون خيارهم على عدد من سينتخبونه عشائريّا….وهكذا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى