ابتلاع الأرض الفلسطينية من خلال الكيرن كيّمت!

بقلم: المحامي إبراهيم شعبان

قرر مجلس ما يسمى بإدارة الصندوق القومي اليهودي الصهيوني، المعروف ياسم الكيرن كيّمت والمؤسس من عام 1901، رصد عشرات الملايين من الشواقل لشراء أراض في الضفة الغربية والخاضعة لقوانين الحكومة الإسرائيلية، وبخاصة في منطقة ” سي ” ” جيم “، وبالقرب من المستعمرات الإسرائيلية لتوسيع حدودها، وتشجيرها وتشكيل حدائق لها .

 منطق في ظاهره يبدو إنسانيا، بينما هو في جوهره عدوانيا بل يقطر ظلما وعدوانا. فالأرض الفلسطينية رغم تقلصها، بوسائل مختلفة وعديدة أدى إلى سلبها ونهبها على مدار قرن ونيف من الزمان، ما زالت محط أطماع الصهيونية بكل مركباتها سواء أكانت حكومة أو حكما عسكريا أو دائرة أراضي إسرائيل أو صندوقا قوميا يهوديا أو جمعيات استيطانية كإلعاد وهيمنوتا.

ليس غريبا أن تشكل الأرض الفلسطينية محل الصراع المركزي وبؤرته بين الفلسطنة والصهينة. وهذه الأرض هي التي ستحسم هذا الصراع آجلا أو عاجلا. فهي ستسمح بإقامة دولة فلسطينية أو نفيها. وقد أدرك الجانبان أهمية الأرض من أكثر من قرن، وحاولا جهدهما عدم التفريط بها والاستئثار بها. ومن هنا كانت الفتاوى الدينية ايام الانتداب البريطاني وبعده، بعدم التفريط بالأرض الفلسطينية باي شكل. وهناك كان سن القوانين العنصرية القائمة على التمييز العنصري لمصادرة هذه الأرض واستملاكها وعدم السماح ببيعها لغير اليهود.

ولم تدخر السلطة الإسرائيلية طريقة للاستيلاء على الأرض الفلسطينية إلا ولجأت إليها منذ من أكثر من قرن إلى يومنا هذا. فقبل الإنتداب وأيام الدولة العثمانية شكل الصهاينة ما سمي بالصندوق القومي اليهودي والذي عرف بالكيرن كيّمت عام 1901. واستطاع شراء أراض من عدة مصادر في مرج بني عامر والنقب مرورا بالوسط من فلسطين لإنشاء مستعمرات صهيونية على الأرض الفلسطينية. وبعد عام 1960 وصدور قانون أراضي إسرائيل قام الصندوق بضم اراضيه لدائرة أراضي إسرائيل، وخفف من أنشطته العقارية وتوجه نحو استصلاح الأراضي وتشجيرها ورعاية المهاجرين وتقديم بعض الخدمات الصحية. ومن هنا كان وجه الغرابة في عودة الصندوق لنشاطه العقاري بالشراء بعد فترة سكون وجمود.

وما لبثت أن سنت سلطة الانتداب البريطانية قوانين لسلب الأرض الفلسطينية في ظل قانون عثماني مهترىء للأراضي، تحت ستار التحديث والمنفعة العامة واستصلاح الأراضي البور والمنتزهات العامة  والتنظيم والهيكلة والتخطيط والأراضي المتروكة والأميرية. وبعدها قامت السلطة الإسرائيلية، بإبقاء رزمة القوانين العقارية البريطانية، على الرغم من انتهاء الانتداب البريطاني، لسلب مزيدا من الأرض الفلسطينية عبر الأدوات القانونية البريطانية أو من خلال الأراضي الخضراء والمخصصة للتدريبات العسكرية أو المغلقة أو للتطوير المزعوم أو المخصصة للنفع العام أو للأمن العام.

وأضافت لهذه الرزمة القانون الأسوأ الخاص بأملاك الغائبين لعام 1948، فهي لم تكتف بقانون الاستملاك للمنفعة العامة للأراضي لعام 1943، ولا بأنظمة الطوارئ لعام 1945، أو لعام 1948 بشأن فلاحة الأرض واستعمال المياه، ولا بقانون تنظيم وضع اليد في أوقات الطواريء لعام 1949، ولا بقانون سلطة التطوير لسنة 1950، ولا بقانون أملاك الدولة لسنة 1951، ولا بقانون التقادم لسنة 1958، ولا بقانون أراضي إسرائيل لسنة 1960، ولا بقانون التخطيط والبناء لسنة 1968، ولا بقانون تسوية الحقوق في الأراضي لسنة 1969.

وبذا انقلبت نسبة الستة بالمائة التي كانت لليهود في فلسطين قبل عام 1948، إلى 93% عبر هذه النصوص القانونية البريطانية، التي استبقتها السلطة الإسرائيلية للتطبيق على الرقعة الجغرافية وعلى الفلسطينيين الباقين والذين لجئوا إلى المجاورين. وخرج الفلسطينيون تحت وطأة التطهير العرقي كما وصفه الكاتب الإسرائيلي إيلان بابيه من أراضيهم وبيوتهم ومحلاتهم وعرصاتهم ودوواينهم وساحاتهم. ولهذا سن قانون أملاك الغائبين سيء الصيت ليكون مظلة قانونية مزعومة لهذا الاستيلاء الإسرائيلي على العقار الفلسطيني، مهتدين بما قررته أمريكا تجاه الأملاك اليابانية بعد الهجوم على بيرل هاربر عام 1942.

ينطلق مجلس إدارة الصندوق القومي اليهودي من أن الضفة الغربية أرض الآباء والأجداد وأرض الميعاد للشعب اليهودي وله أن يبيع ما يشاء ويشتري ما يشاء. وهذا كلام هراء، فالضفة الغربية أرض محتلة وتم غزوها عام 1967، والغزو أمر غير شرعي ولا ثمار مشروعة له، ولا يعطي حقا إقليميا ولا شخصيا على الإقليم المحتل وهو الضفة الغربية. ويبدو أن هذا المجلس جاهل أو يتجاهل حقيقة أن القانون الدولي الإنساني هو الواجب التطبيق على الأراضي المحتلة ممثلا بقانون لاهاي وقانون جنيف. أي أن القانون الإسرائيلي ولا قانون الحكومة الإسرائيلي يطبقان على الضفة الغربية بل القانون الواجب التطبيق هو القانون الأردني الذي كان سائدا في الضفة الغربية إلى الخامس من حزيران/ يونية من عام 1967. بل إن الحكومة الإسرائيلية رسميا أي قانونيا ليومنا هذا تجنبت ضم الضفة الغربية قانونيا وإن هي لا تكف عن ضمها فعليا. أي أن الحكومة الإسرائيلية ومحكمتها العليا تعترف بتطبيق القانون الأردني عليها.

من ناحية أخرى، تكفل القانون الأردني ببطلان بيع أو شراء العقار في الضفة الغربية بدون إذن، وبخاصة في مدينة القدس العربية، بل الشرط أعقد حيث يشترط موافقة مجلس الوزراء الأردني.

من المعلوم أن شراء الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية وبيعها، شابه كثير من الاحتيال والخداع حتى أن محكمة العدل العليا الإسرائيلية ذاتها أبطلت مثل هذه الصفقات لوضوح الاحتيال والتزوير الذي شاركت فيه إدارة الحكم العسكري والإدارة المدنية فيها.

تبقى نقطة أخيرة يجب معالجتها، وهي أن ميثاق الصندوق القومي اليهودي يحصر الاستفادة منه باليهود حصرا دون غيرهم. وهذا أمر مخالف لميثاقي حقوق الإنسان لعام 1966 التي صادقت الحكومة الإسرائيلية عليهما في عام 1990. كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكد ورسخ مبدأ المساواة ومنع التمييز لأي سبب، غدا جزءا من القانون الدولي العرفي والذي يسري على جميع دول العالم ومنها إسرائيل. وبالتالي غدا ميثاقه باطلا لتعارضه مع القانون الدولي الآمر نظرا لخرقه مبدأ عدم التمييز. وقرار الصندوق باطل ولاغ ولا ينتج أثرا.

واجبنا نحن الفلسطينيون أن نحمي أرضنا وبيتنا من اي اعتداء أو شراء مقابل مال العالم بأسره. فما دامت ارضنا وبيتنا نحج إليهما كل يوم ما دام الحق قائما والأمل منشودا. ولعل ذلك مرد صعوبة الترخيص في القدس العربية وغلو مصاريفه، فمهر هذه الأرض نفيس وأغلى مما نتصور، ومجابهته تقتضي إحساسا وطنيا رفيعا، فإنما يساعد الله أولئك الذين يساعدون أنفسهم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى